آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
ليلى نقولا
عن الكاتب :
أستاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية

الأوروبيون والعرب: الاستثمار مُقابل "غوانتانامو" عربي؟

 

ليلى نقولا

 
انعقدت القمّة العربية الأوروبية في مدينةِ شرمِ الشيخ، تحت شعار "الاستثمار في الاستقرار"، وعلى جدول أعمالها العديد من القضايا الأمنية والسياسية والاقتصادية، ولكن قد يكون الأبرز الذي يهمّ الأوروبيين في حديثهم مع العالم العربي اليوم على الإطلاق قضيتيّ اللاجئين غير الشرعيين الذين ينتقلون من شمال أفريقيا إلى أوروبا عبر البحر المتوسّط، وإرهابيي داعش الأوروبيين المُعتقلين في أراضي الشمال السوري، والتي يطالب ترامب الدول الأوروبية باستردادهم ومُحاكمتهم وإلا سيطلق سراحهم.

بالنسبة إلى القضية الأولى، فإن ما ظهر من خلافٍ بين إيطاليا وفرنسا يبدو مُجرّد قمّة رأس جبل الجليد. وقد بدأت الأزمة على خلفيّة اتّهام نواب رئيس الوزراء الإيطالي، فرنسا بترسيخ الفقر في أفريقيا والتسبّب في تدفّق المُهاجرين بأعدادٍ كبيرةٍ إلى أوروبا، وأن فرنسا تنتزع الثروات من أفريقيا بدلاً من مساعدة الدول على تطوير اقتصادها. وهكذا، يهمّ الأوروبيين حثّ الدول العربية على منع هؤلاء اللاجئين من ركوب المتوسّط للوصول إلى أوروبا.

أما القضية الأخطر، فهي استعادة مُقاتلي داعش من الجنسيات الأوروبية، والتي وصفها بعض الباحثين الغربيين، بأن الأوروبيين يريدون تكريس سوريا كـ"غوانتانامو". وقد يُفهَم القلق الأوروبي، إذ إن التطرّف "القاعدي" ما زال يشكّل خطراً إرهابياً على مُجملِ القارة، وهناك تخوّف دائم من قيام "ذئاب مُنفردين" بأعمالٍ إرهابيةٍ في أيّ وقت. 

ولعلّ المُغالطات التي يورِدها الإعلام الغربي، هي مُقاربة موضوع الإرهاب في أوروبا من منظار اللجوء الذي حصل بعد الأزمة السورية، إذ أن البحث المُعمَّق في الأمر، يُشير إلى أن الغالبية العُظمى ممَن يقومون بأعمالٍ إرهابيةٍ هم من أبناء الجيل الثاني والثالث من المُهاجرين إلى تلك الدول، وليسوا من اللاجئين الجُدُد.

وبدراسة التطرّف الإرهابي في أوروبا، يجد الباحثون أنه ينقسم إلى فئتين: 
1) إرهابيون من أصولٍ مُهاجِرة، أي أنهم أبناء الجاليات الإسلامية من الجيل الثاني والثالث، والذين تربّوا داخل أُسَرٍ مُهاجِرة لم تستطع الاندماج بشكلٍ تام ٍفي المجتمعات الأوروبية، وورثوا عن أهاليهم الدين والعادات والتقاليد.
2) إرهابيون أوروبيون مُتحوّلون عن المسيحية للإسلام.

أما بدراسة أسباب التطرّف، فانقسم الباحثون الأوروبيون في تفسير تلك الظاهرة إلى تيارات ثلاثة:

- المُقارَبة النفسية، والتي تشير إلى خللٍ نفسي أو خللٍ في التصوّرات الإدراكية التي تصوِّر له العالم في عالمين لا يلتقيان، عالم الشر وعالم الخير، المؤمنون والكفّار الخ...

- المُقارَبة الاجتماعية، والتي تُشير إلى التهميش الإجتماعي كمصدرٍ من مصادرِ التطرّف. الفقر والبطالة، وقلّة فُرِص العمل، والتهميش الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، تدفع هؤلاء إلى تقبّل الفكر الديني المُتطرّف كردّةِ فعلٍ ثوريةٍ غاضبةٍ على التهميش الذي يُعانونه.

- المُقارَبة الثقافية والتي تُشير إلى صراع الهويات والانتماء. ويشير هؤلاء إلى أن الجيل الثاني والثالث من أولاد المُهاجرين، يشعرون بصعوبة الانتماء إلى المجتمع الأصلي الذي ينتمي إليه الأهل بسبب عدم نشأتهم فيه، ولكنهم في نفس الوقت يشعرون بعدم الانتماء إلى المجتمع الأوروبي بشكلٍ تام... صراع الهويات هذا، بالإضافة إلى عيش الشباب في مجتمعاتٍ مُغلَقةٍ على نفسها، تودي بهم إلى السعي لإيجاد بديلٍ هويّاتي أعمّ وأشمل، فيلجأون إلى الدين باعتباره إطاراً ما فوق القومية يمكن أن ينضوي تحته الأوروبي والعربي والأفغاني الخ من دون تمييز بينهم. وإذا أضيفت البطالة والفقر وانخفاض المستوى التعليمي إلى فُقدان الهوية، فإن هذا يُحفّز على الانضمام إلى المنظمات الراديكالية.

وبرأيي، إن تحليل الظاهرة الإرهابية الأوروبية، يجب أن يأخذ المُقاربات الثلاث بعين الإعتبار، وأيّ حلٍ أوروبي لهذه الظاهرة يجب أن يبتكر حلولاً عملية لهذه المشاكل من دون إغفال أية واحدة منها. 

وهكذا، يبدو أن الإشكالية التي تعود لتواجه الأوروبيين باستمرار، هي التطرّف الراديكالي الذي لم يجد له الأوروبيون حلاً في السابق، ولا يبدو أن باستطاعتهم إيجاد حلٍ له في الوقت الحاضر. فبغضّ النظر عن إستعادة مُقاتلي داعش الأوروبيين أو إبقائهم في سوريا تحت سيطرة أردوغان في الشمال السوري، تواجه المجتمعات الأوروبية، مشكلة التحفيز على التطرّف سواء الإسلامي الجهادي، أو التطرّف اليميني العنصري الذي ترتفع أسهمه بشكلٍ كبيرٍ في أوروبا... وهما مشكلتان أوروبيتان يجب التحلّي بشجاعةٍ كبيرةٍ لمواجهتهما.

لصالح موقع "الميادين نت"

أضيف بتاريخ :2019/02/28