آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. رائد المصري
عن الكاتب :
أستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية

مافيات دولية: تدوّر عوائد النفط وتهز استقرار الأوطان

 

د. رائد المصري

بهدوء… فليس هناك من حاجة وضرورة لهذا الاستقبال الحاشد في لبنان لأكبر رئيس فاسد وفاشل وفاجر في تاريخ فرنسا وأوروبا، والساقط أخلاقياً كما الرئيس السابق فرنسوا هولاند، حتى يلقى هذا الترحيب والحضور من بعض القوى السياسية التي صارت تشعر بالنقص في ذاتيتها السياسية وفي الوعي الجمعي لمن حولها، إنه تحشيد في الحضور يقول للغرب: لا تتركونا لقمة سائغة… فهذا حال الكيان تاريخياً ورموزه الطائفية في استحضار الدين والمذهب والتدخل الخارجي لتستقوي به على الداخل من أبناء جلدتها، بعد أن شبعت مافياتها المالية الناهبة وأزلامها ومحاسيبها من السرقة والسطو. ها هي اليوم تستدير نحو الخارج للقضاء على ما تبقى من معالم الدولة أو بقاياها لأنها بدأت تستشعر الخطر من حولها، وبأنّ حبال الاتهامات والتحقيقات تلتفّ شيئاً فشيئاً حول أعناقها.

هي طبقة بالمناسبة ليست موجودة فقط في لبنان بل في معظم الأقطار العربية التي تريد اليوم هدم الدول بعد أن استشعرت خطر تنحّيها عن المشهد السياسي، لكن في لبنان حضورها أقوى وأصلب لأنها قوى طبقية طائفية ومذهبية سابقة بوجودها وحضورها على وجود الدولة في لبنان… فكيف سترسم مستقبلها المترنّح؟

كان آخر مظاهر نشاط هذه الطبقة السياسية أو ما تبقى منها، هو مؤتمر الرئيس فؤاد السنيورة وفشله في الدفاع عن مشروعه الذي أفقد خزينة الدولة المليارات، وسعيه نحو تطييف القضية ومذهبتها في الاستهداف، حيث أعقبه مؤتمر صحافي لمدير عام وزارة المال ألان بيفاني أعطى البعد الوطني لمعركة مكافحة الفساد، رغم الرسوم الحمراء وخطوطها التي وضعها مفتي الجمهورية لحماية السنيورة من أية ملاحقات، لكن سرعان ما تلاشت هذه الحماية تحت ضربات الانكشاف في الارتكابات والاستمرار في القضية حتى النهاية، وهو ما أكده سيد المقاومة في خطابه الأخير بمناسبة الاحتفال بالذكرى الثلاثين لتأسيس هيئة دعم المقاومة الإسلامية بأنّ لهذه المعركة وجهين: الأول داخلي يتعلق بتحصين المجتمع والدولة ومكافحة الفساد وهي معركة مقدّسة، والثانية بالتصدي للحصار وللعقوبات الغربية بوجه المقاومة لأنهم فشلوا في مشاريعهم الاستعمارية التقسيمية، وهنا لا بدّ من بعض الشروحات الواجبة التي يستعجل عليها الأميركي في حصار إيران وتبني قمة وارسو لقرار يصنّفها الخطر الأكبر الذي يهدّد أمن العالم واستقرار المنطقة، وتأكيدات نتنياهو بأنه لن يسمح مطلقاً باستمرار وجود قواتها في سورية، ووضع بريطانيا حزب الله فجأة بجناحيه السياسي والعسكري على قائمة الإرهاب، وهذه كلها مؤشرات تبلور ملامح إيجاد عدو جديد يسعى الى تركيبه هذا المستعمر وبأدوات جديدة.

غالباً لم تعد تنفع مع هؤلاء الساسة الفاسدين والمفسدين تقرّبهم من المجمع الديني المقدس ومواظبتهم الصلاة والتعبّد على الطريقة الساداتية بعد «كامب ديفيد» وإظهار تقيّتهم وورعهم أمام الجمهور وهم أكبر رمز للتعصّب الديني والمذهبي الباحث والمتآمر عن/ ومع قوى خارجية استعمارية يريد إعادتها لحمايته من ارتكاباته القاتلة بحق الشعب والمال العام. وهو ردّ فعل عكسي في مراكمة الأخطاء وفي استعجال إسقاط الأنظمة التي ركبوا موجاتها على صواريخ الأطلسي وانتحاريّي داعش والقاعدة، وهم مدينون دوماً للاحتقان الطائفي والمذهبي في استمراريتهم بالحكم… وأصبح السنيورة رمزاً من رموز «السنية السياسية» المستهدفة وبدلاً من أن يكون من رموز الرأسمالية المتوحشة وهو كذلك بالفعل، صار منقذاً للطائفة من الهجمة والتطويق في نظر البعض…!

هذه المافيات المالية والسياسية شكلت فريق العبور ليس إلى الدولة الطائفية، بل على الدولة ومن خارج أطرها كموظفين ممنوعين من الرقابة، وبعيدين عن أجهزة الدولة متحكمين بمفاصل الحكم في الوزارات والموازنات. هذه الطبقة لم تكن تعرف الخطر على الدولة حتى لو كان صهيونياً، فنفذوا مشاريع سياسية مرتبطة بالخارج لتكديس الثروات لمصلحة الطبقات السياسية المتنفذة، وهكذا تراكم الفساد لأجيال… فلا يمكن محاربة الفساد في الداخل من دون آلية قضائية ومحاكم خاصة للفساد وهيئة تقوم بعملها من التحقيق إلى الادّعاء ثم المحاكمة بصورة مستقلة غير تابعة للأجهزة القضائية التقليدية، حيث إنّ الفساد وفق النظرة الرأسمالية المعمّمة لظواهره هو مجرد مخالفة للقوانين وتتوجب مكافحته من خلال البنك الدولي، بدليل أنه تمّ استحضار شركة ماكينزي الى لبنان لهذا الشأن وهي المتهمة أصلاً في الولايات المتحدة بارتكاباتها وفسادها المخيف… فالنظام الرأسمالي هو نفسه فاسد ويشرعن الفساد.

وهذا واقع نراه في لبنان يومياً، لكون هذا النظام بواقعيته الكلاسيكية ينقسم الى رأسماليات زراعية وصناعية وتجارية، وبالتالي فإنّ الفساد كان موجوداً لكن بنسب متفاوتة وغير ظاهر، أما اليوم فبعد أداء هذه الرأسماليات المتوحشة بصيغتها المعولمة وإدغام كلّ القطاعات الإنتاجية بعضها بالبعض الآخر، فقد تعمّم الفساد أفقياً وعمودياً وأصبحت محاربته صعبة، لأنه تجذر في كلّ مفاصل الحياة الاقتصادية والمالية والسياسية والإعلامية.

وهذا الفساد الذي عمّمته الديمقراطيات الرأسمالية النيوليبرالية ومعها لبنان، يتجسد بقدرة المصالح الشخصية على التأثير وشراء الولاءات وصناعة القرارات في النظام السياسي بتشريع وقوننة الفساد وبما يتلاءم مع مصالحهم، ففي لبنان هناك رعاة للفساد خارجيين لن يسمحوا بالقضاء عليه، وما هجمة المسؤولين الغربيين الأميركيين والأوروبيين مؤخراً إلا دليل على هذا الأمر، حيث إن الانتخابات التي تجري عموماً في البلدان العربية وخصوصاً في لبنان ليست سوى ساحة لصراع النفوذ بين أصحاب الثروات عبر الإنفاق المالي للتأثير السياسي في مستقبل الدولة ومصير رهنها، حتى مشروع رفع السرية المصرفية الذي يطرحه البعض في لبنان وهو مطلب مهمّ وواقعي لن تقبل به أميركا. فهذه الدولة الاستعمارية طالما كانت وراء قانون السرية المصرفية الشديد والمقفل في أجهزة المصارف المالية اللبنانية منذ عشرات السنين كمطلب أميركي لضخ المال الخليجي ومال الرجعيات العربية لمحاربة المدّ الناصري وحركات التحرر العربية ومشاريع المقاومات في المنطقة، والمدّ السوفياتي في المنطقة العربية كذلك في لبنان للتأثير في الحياة السياسية. هذه السرية المصرفية اليوم تناسب الحكومة الأميركية لأنها تسمح لأيّ موظف في وزارة الخزانة الأميركية أن يفعل ما يريد في مصرف لبنان كآمر ووصي على السيادة المالية، فهي سرية مصرفية تسري على غير أميركا.

أخيراً نقول إنّ الفساد هو الساحة التي تسمح لدول الغرب الاستعماري بالتدخل في المجتمعات العربية، وهي لا تريد شفافية تكشف تمويلها للجمعيات والأحزاب التي تشتري حكاماً ونواباً ووزراء ورجال دين في كلّ العالم العربي، حيث إنّ مكافحة الفساد يجب أن تطال فساد رجال الدين وسلطاتهم الجائرة التي تتلقى الدعم والمال من سلطة الدولة لاستخدامها كسيف مسلط على الخصوم وكذلك من دول أجنبية وبدون قيد أو حسيب…

إنها مافيات سياسية ارتبطت تاريخياً بالمستعمر الخارجي ورهنت كلّ ثروات الدولة والمال العام في البنوك الأجنبية، واليوم لا تريد التنحّي عن كرسي السلطة إلا بعد إحداث تشققات وتصدّعات وانقسامات في المجتمعات العربية لضرب وحدتها ونسيجها الاجتماعي، فهذا هو الحال مع مافيا الحكم في الجزائر ونظيرتها في السودان، ومافيات الحكم العسكري في مصر التي تريد تأبيد نظام الحكم بما يتناغم مع مشاريعها المتكاملة مع المستعمرين الغربيين… إنه النظام الرسمي العربي الذي يريد قتلنا والتضحية بنا أو أن نبقى عبيدا للغرب واستعماره التاريخي لكلّ الأرض والى أبد الدهر.

جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2019/03/11

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد