آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. عبد الحي زلوم
عن الكاتب :
مستشار بارز لشؤون البترول منذ أكثر من 45 سنة. أنهى دراسته الجامعية الاولى والعليا في الهندسة والادارة من جامعات تكساس، لويزيانا، كاليفورنيا، و هارفرد في الولايات المتحدة بعد انهاء دراسته الثانوية في القدس. عمل في الولايات المتحدة واوروبا. كما ساهم في الاعمال التأسيسية للعديد من شركات البترول الوطنية العربية في الخليج والعراق وافريقيا،

إذا كانت الديمقراطية تعني حكم الشعب فهل من يحكم أمريكا هو الشعب أم الدولة العميقة؟

 

د. عبد الحي زلوم

لابدء من الأخر. إذا كان  الحل لمشاكلنا هو حكم  يعملُ لمصلحة الشعب بكافة فئاته وإذا  ظن بعضنا أن الحل هو في النموذج الرأسمالي الغربي عموماً والامريكي خصوصاً فقد أخطأ العنوان !
فالرأسمالية والديمقراطية لا يلتقيان . دعني أسارع هنا بإقتباس ما كتبه شيخ المضاربين الرأسمالين العالمين جورج سورس كما جاء في كتابه (أزمة الرأسمالية العالمية):   “إن الرأسمالية والديمقراطية تتبعان مبادىء مختلفة ومتنافرة تمامًا. إن أهداف هذين المبدأين مختلفة: ففي الرأسمالية الغاية هي الثروة،  أما في الديمقراطية فالغاية هي السلطة السياسية. كما أن معايير هذين المبدأين مختلفة: ففي الرأسمالية يعتبر المال هو وحدة القياس، أما في الديمقراطية فهي صوت المواطن. إن مصالح هذين المبدأين مختلفة أيضـًا: ففي الرأسمالية تعتبر المصالح الشخصية الخاصة هي الأهم، أما في الديمقراطية فلا شيء فوق صوت المصلحة العامة. وفي الولايات المتحدة، يتمثل هذا التوتر بين الرأسمالية والديمقراطية في الصراع الأزلي بين شارع وول ستريت وشارع الشعب العام.”

1-    ديمقراطية بالاسم فارغة المضمون:
 ويليام غرايدر William Greider   هو مؤلف لعدة كتب وصلت أكثرها إلى مرتبة الكتب الأكثر مبيعاً في الولايات المتحدة قرأت جميعها. كما كان جزءاً من إدارة تحرير صحيفة الواشنطن بوست وبذلك فهو يعرف النظام الرأسمالي الأمريكي من داخل أعتى مؤسساته.  في كتابه “من الذي سيبلغ الناس” Who Will Tell The People  كتب: “أن الرسالة الصريحة التي يعلنها هذا الكتاب هي أن الديمقراطية الاميركية تعاني من المشاكل العميقة أكثر مما يود معظم الناس الاعتراف به .  وخلف الوجه الزائف الذي يدعو إلى الاطمئنان تم افـراغ حملات الانتخابات الاعتيادية والمعاني الجوهرية لضبط النفس من مضامينها .  وما يقبع خلف الاطار أو القشرة الرسمية هو تحطيم منظم للقيم المدنية والفضائل التي نسميها الديمقراطية” .  وأضاف “أنه في أعلى المستويات من الحكم ، فإن سلطة اتخاذ القرار قد سحبت من ايدي الكثرة الى القلة” .
أن طبقة نسبتها واحد بالمائة  تمسك بمقاليد السيطرة على الاموال والاعلام وتسويق السياسيين والتشريعات .  . ومن خلال السيطرة على هذه العناصر الثلاثة فإن هذه الطبقة تسيطر على الولايات المتحدة وبالتالي على العالم. ربما هذا يشرح كيف يكون للصهاينة الأمريكان وعدد اليهود كلهم هناك لا يتجاوزون 2% كيف يكون لهم هذا النفوذ الخرافي داخل الولايات المتحدة وبناء عليه خارجها.

2-    سلطةٌ رابعة مغيبة عن الانظار تحكم الولايات المتحدة :
سمها الدولة العميقة أو دولة الامن القومي أو السلطة الرابعة لكنها هي الحقيقة .
ففي تحقيق صحفي عبر ثلاث مقالات استغرق تحضيرها سنتان وعمل خلالها (20) من كبار صحافيي جريدة الواشنطن بوست كانت خلاصته : أن “سلطة رابعة قد نشأت وهي مُغيّبة تماماً عن أعين الشعب الرقابية بستار من السرية الفائقة … لقد أصبحت كبيرة جداً ، وحدود مسؤولياتها ضبابية. بحيث أن قادة الولايات المتحدة لا يمسكون بزمامها .. وهي موجودة في كل مكان في أرجاء الولايات المتحدة”.
 كانت المقالة الاولى بتاريخ 19/7/2010 والتي جاء فيها:
هناك (1271) مؤسسة حكومية تساعدها (1931) شركة تخدمها ضمن أجهزة الاستخبارات ، والأمن الداخلي ومكافحة الارهاب .
وهناك 854000 شخص ضمن هذه الاجهزة ممن يحملون تصاريح بالاطلاع على التقارير ” سرّي جدّاً ” وهذا العدد يزيد مرّة ونصف عن عدد سكان العاصمة واشنطن!
هناك 33 مركزاً في واشنطن لوحدها مخصصة لاعمال المخابرات السرّية جداً مساحة أبنيتها تعادل 17 مليون قدم مربع (حوالي 1.7مليون متر مربع)
نحن لا نتكلم عن دولة في أواسط أفريقيا وإنما عن الولايات المتحدة الأمريكية .فهل الولايات المتحدة هي دولة بوليسية حقاً؟.
عنوان مقال الواشنطن بوست المشار اليه اعلاه كان:”عالم خفيّ ينمو دونما مراقبة”  .

3-    إرهاب الدولة العميقة (السلطة الرابعة)حتى للرؤساء الامريكيين!:
في (الديمقراطية) الأمريكية قاد رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) إدجار هوفر ، سياسيي واشنطن بمن فيهم رؤساء الجمهورية لأكثر من خمسين عاماً كالغنم.  ناداه الرئيس كيندي ليطلب منه استقالته إلا أن هوفر ذكره ببعض ما عنده من معلومات فبقي في منصبه. ولكي نعرف إلى أي مدى كان رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي يخيف الرؤساء الأمريكين دعنا نعطي مثالاً لما ورد في تسجيل في البيت الأبيض بين الرئيس رتشارد نيكسون ووزير عدليته متشل:
–                     الرئيس نيكسون  :  “لعدة أسباب يجب أن يستقيل ( كان يتحدث عن هوفر).. يجب أن ينصرف ويكفينا شره .. أستطيع الآن .. وأشك في ذلك .. أن أتصل به على الهاتف وأتحدث إليه بشأن استقالته .. إن هناك بعض المشاكل ..

فإذا استقال فيجب أن يكون قد استقال بمحض إرادته .. ولهذا ومن أجل هذا فنحن في مشكلة عويصة .. أعتقد أنه سيظل رابضا على صدورنا إلى أن يبلغ المائة من عمره” .
–                     وزير العدل :  “أنه سيظل في منصبه إلى أن يدفن هناك .. في الخلود..”
–                     الرئيس نيكسون : “أعتقد أنه يتعين علينا أن نتحاشى الموقف الذي يجعله ينصرف مفجراً وراءه قنبلة كبيرة .. فربما يكون هذا الرجل قادرا على جر الجميع معه إذا سقط .. بمن فيهم .. أنا .. وستكون مشكلة عويصة” .
كان تقدير الرئيس ووزير عدليته للموقف صحيحا؛ لأن رئيس جهاز   FBIبقي في منصبه إلى أن رحل عن هذه الدنيا .  وعندما سمع الرئيس نيكسون الأنباء قال : “يا إلهي .. يا إلهي هذا الفاسق العجوز ..”
دعني اعطي مثالاً آخر لكن هذه المرة يقوم الرئيس جونسون بإبتزاز رئيس محكمة العدل العليا بناء على معلومات زودها له رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالية.
أراد الرئيس جونسون إعطاء مصداقية على لجنة تحقيق في اغتيال الرئيس كنيدي Kennedy  ، فطلب من رئيس المحكمة العليا القاضي إيرل وارن ( Earl Warren) رئاسة التحقيق ، لكنه رفض بشدّه . وفجأة تغير موقف وارن ، وتعجبت الناس وتساءلت عن سبب هذا التغيير المفاجئ.
حسب تسجيل صوتي بين الرئيس جونسون والسناتور ريتشارد رسل (Richard Russell) ، كما هو في مكتبة الرئيس جونسون ، جاء هذا الحوار كما ورد في كتاب ” عائلة الأسرار”: قال جونسون:” رفض وارن طلبي لرئاسة اللجنة بشكل قطعي …جاء لمكتبي مرتين وأخبرني ذلك. عندما أعلمته عن حادثةٍ حصلت معه في مدينة نيو مكسيكو كان قد أطلعني عليها هوفر (مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي ) .. عندها بدأ وارن  يجهشُ في البكاء وقال لي ، لن أخذلك  سأفعل أي شي تريده مني.”
فلنلاحظ أن رئيس المحكمة العليا الامريكية يقول بانه سيفعل اي شيء أكرر اي شيء يطلبه الرئيس قبل بدأ التحقيق!

4-    هذه احصائيتي :
أذهلتني أرقام دراسة الواشنطن بوست خصوصاً أعداد العاملين في أجهزة الأمن القومي : قمت بعمل دراسة سريعة لنسبة زملائي في  الدراسة في كلية الدراسات العليا للإدارة لجامعة هارفارد ونسبة العاملين منهم في أجهزة الأمن القومي الأمريكية . كان عدد الزملاء من الولايات المتحدة 60 . ورجعت إلى ملفاتي وتحديثاتها نقلاً عن مجلة هارفارد ربع السنوية HBS المرسلة إلى خريجيها . بالنسبة إلى الأوربيين واليابانيين كان هناك واحد فقط هوJACQUES DUCING  والذي انتقل من كونه مستشاراً علمياً للرئيس الفرنسي إلى منصب نائب الامين العام لحلف الاطلسي (الناتو) للشؤون العلمية . بفحص أسماء الزملاء الامريكين وجدت أن 6 من 60 – أي عشرة بالمئة عملوا في أجهزة الأمن القومي الامريكية المختلفة ، مع التنويه أنهم جميعاً الآن متقاعدين  أو انتقلوا إلى الرفيق الأعلى :
–         جيرالد زيونيك – عمل مع وكالة الامن القومي NSA في مراكز و وظائف متقدمة في برمجيات الكمبيوتر والاقمار الصناعية ، ثم في البنتاغون مديراً للأنظمة في مكتب مساعد وزير الدفاع الأنريكي ثم في وكالة مخابرات الدفاع DIA.
–         لاري يرماك – عمل مديراً لمشروع برنامج Transit  لتوجيه اتصالات الاساطيل الأمريكية ، ثمّ برنامج Astro  لبث الاقمار الصناعية المباشر لوكالة الفضاء الأمريكية NASA .
–         جيمس ستانتون: عضو في الكونغرس ، وعضو لجنة متابعة المخابرات .
–         هوارد كروسر : مدير مشروع دباباتAbrams  وأنظمة تسليح الدبابات – الجيش الأمريكي .
–         آن برادلي: عملت بداية مع وكالة المخابرات المركزية CIA ثم انتقلت لوكالة الفضاء الأمريكية ناسا كمديرة لشؤون الإدارة وانظمة الاتصالات .
–         الجنرال جوزيف كونولي: نائب مدير إدارة  المشتريات (وكالة التزويد الدفاعية )- البنتاغون .
5 . قال برينارد شو عن الرأسمالية غزارة في الانتاج وسوء في التوزيع:
إن تفاوت الثروات الهائل في الداخل الامريكي ونسبة الفقر لــ45مليون أمريكي كما في احصائيات مكتب الاحصاء الامريكي وكذلك شن الحروب لنهب ثروات الشعوب الأخرى  يُمَكِنَنا أن نقول أنه نظامٌ ظالم ولعل ما قاله جون مينارد كينز البريطاني عن الرأسمالية علماً بأنه أحد ايقونات الاقتصاد الرأسمالي الغربي وهو الذي هندس مؤسسات بريتن وودز وصندوق النقد الدولي مع ديكستر وايت الأمريكي حيث قال : “علينا أن نتظاهر أمام أنفسنا وأمام الجميع بأن العدل خطأ وأن الخطأ عدل.”
نادت جميع الأديان بالعدل واعتبره الإسلام أساس الملك .
يملك  400 أمريكي ما يمتلكه 150مليون امريكي كما يملك 1% من الأمريكيين ستة أضعاف ما يمتلكه 80% من الشعب الأمريكي.
ولنبين سوء توزيع الثروة نقتبس عن كتاب أخر لوليم غريدر بعنوان The Soul of Capitalism, P16 “أميركا وصلت حيث توقع كينز للرأسمالية أن تصل . فهناك الكثير من الموارد تكفي الجميع تحت أي مقياس معقول .

لكن تحقيق هذا الكم من الموارد لا يبعث على الاحتفال لأنه ، وكما يعلم الجميع ، فهذه الوفرة تجدها  في بيانات الاقتصاد لكنها غير موجودة في المجتمع حسب التقارير الحكومية سدس السكان(حوالي 17% )، ما زالوا يفتقدون حتى الحد الأدنى اللازم من طعام أو مأوى . كذلك وحسب البيانات الرسمية فخمس الاطفال الأمريكيين(أي 20%) يعيشون في حالة فقر.”
أرى الجواب لحكم رشيد ينبع من حضارتنا العربية الإسلامية . وبخلاف ذلك نكون :كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2019/03/15

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد