آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. أمين محمد حطيط
عن الكاتب :
عميد ركن مقاعد ومفكر استراتيجي لبناني.. أستاذ في كلية الحقوق اللبنانية

ما سبل الردّ على قرار ترامب «سيادة إسرائيل على الجولان السوري»!؟


العميد د. أمين محمد حطيط

عندما شنّت الحرب الكونية على سورية كنا نرى وبكل يقين أن هذه الحرب جاءت خدمة لـ«إسرائيل» من أجل تحقيق غرضين اثنين، «اجتثاث الأخطار التي يمكن أن تهددها والتي تتمثل بالمقاومة ومحورها والذي تشكل سورية فيه القلعة الوسطى، والثاني تمكين «إسرائيل» من التوسع الجغرافي بضم أرض جديدة من ارض سورية بعد تفتيتها وتجزئتها وتخصيص «إسرائيل» بجزء منها.

لكن سورية وباقتدار ذاتي وبدعم قويّ من حلفائها تمكنت من التصدي للعدوان الذين استمر ثماني سنوات عرفت من الوحشية في الإجرام الإرهابي وانتهاك كل الأعراف والمقدسات والقواعد التي تراعى النزاعات العسكرية ما لم يعرفه أحد. وتمكنت سورية رغم ذلك من الصمود والمواجهة وإسقاط أهداف العدوان ووصلت بالأمور إلى حد التسليم الضمني من قبل المعتدي بأن العدوان فقد أوراقه الاستراتيجية الأساسية التي يستطيع أن يلعبها لاستنقاذ أهدافه.

و كان منطقياً في ظل هذه الهزيمة أن تسلم قوى العدوان بقيادة أميركا بالنتائج التي تمخّض عنها عدوانها وأن تنكفئ وتبحث عن مخرج يحفظ لها ماء وجهها، لكن أميركا اعتمدت سياسة المكابرة والتعنت وتزوير الحقائق سياسة بفرعين الأول «إطالة أمد الصراع» لمنع سورية من العودة إلى وضعها الطبيعيّ عبر وقف النار بعد استكمال التحرير، وعودة النازحين من بيوتهم، وانطلاق عملية إعادة الإعمار، أما الثاني فجاء بشكل كيدي فاجر وقح عبر قرار أميركي محواه «الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية» على الجولان السوري المحتل منذ العام 1967، اعترافاً يشكل جائزة ترضية للعدو الصهيوني الذي خسر مع الخاسرين في سورية. قرار يذكّر أيضاً بمسار إنشاء «إسرائيل» ذاتها على أرض الغير المغتصبة.

لقد قامت «إسرائيل» وشرع اغتصابها لفلسطين بقرار دولي تمّ تنفيذه بالسلاح الإرهابي الصهيوني، فكان قرار التقسيم ذو الرقم 181 الذي لم تكتف «إسرائيل» بما نالته فيه من مساحة تعادل 55 من ارض فلسطين التاريخية بل زادت عليها مساحة إضافية حتى بلغ مجموع ما أدخل تحت سيطرتها 73 من ارض فلسطين التي لم يتبقّ منها بيد أهلها الأصليين إلا منطقة الضفة لغربية وقطاع غزة. التي عادت واحتلتها «إسرائيل» في العام 1967، وانتهجت بعد الاحتلال سياسة ضمّهما إليها لكنها فشلت في غزة بسبب المقاومة، أما في الضفة فإنها تستمر بالقضم متوخية الوصول إلى الضم النهائي عندما تنضج الظروف.

ولم تقتصر سياسة الضم والقضم الإسرائيلي للأرض العربية على فلسطين وحدها، بل إنها تشمل اليوم أرضاً أخرى فكان الجولان السوري الذي احتل في العام 1967 هو القفزة التالية. ورغم القرارات الدولية المتتالية من القرار 242 إلى القرار 338 وصولاً إلى القرار 497 وهو الأهم والأشدّ تأكيداً على هوية الجولان بأنه عربي سوري ورفض أي تدبير إسرائيلي لضمه، فقد اعتمدت «إسرائيل» قراراً لضمه وأعلنته في العام 1981. والأخطر والأدهى اليوم هو اعتراف أميركي بـ»السيادة الإسرائيلية على الجولان»، في موقف اتخذه ترامب خلافاً لكل شيء يسمى شرعية دولية.

إن قرار ترامب هذا يشكل عدواناً ثالثاً على الجولان بعد العدوان الأول الذي ارتكبته «إسرائيل» بالاحتلال العسكري، والعدوان الثاني الذي نفذته «إسرائيل» المتمثل بقرار ضم الجولان، إن قرار ترامب عدوان ينتهك الشرعية الدولية بمبادئها العامة وبالقرارات الخاصة بالجولان بذاته. فهو يشكل انتهاكاً لمبدأ أكد على ميثاق الأمم المتحدة «عدم جواز اللجوء إلى القوة لحل النزاعات»، وينتهك مبدأ «عدم جواز تعديل الحدود بالقوة بين الدول» و»عدم جواز ضم أرض الغير بالقوة«، وينتهك القرارات الصادرة عن مجلس الأمن والتي تؤكد على أن الجولان ارض عربية سورية واقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي. وهي قرارات صوّتت عليها وأيّدتها أميركا وصدرت بإجماع أعضاء مجلس الأمن وهي تشكل ترجمة للموقف الدولي الجامع الرافض لسياسة اعتماد القوة بين الدول والرافض سياسة ضم أرض الغير بالقوة.

ورغم ذلك يقدم ترامب على اتخاذ قرار العدوان على أرض الغير في تصرف يذكّر بوعد بلفور الذي منح أرض فلسطين دون وجه حق لليهود ليقيموا عليها وطناً قومياً لهم. فما هي تداعيات هذا القرار وما هي سبل الرد عليه؟

قبل الإجابة لا بد من الإشارة بأنه لا يمكن التعويل على موقف عربي مؤثر في الموضوع. فالعرب وللأسف يتخبّطون في حالة من الوهن والضياع أفقدتهم أي وزن استراتيجي أو قوة تأثير دولية، وباتوا مائدة يتقاسمها الأقوياء. ولو كان العرب غير ذلك لما تجرأ أحد عليهم ولما كانوا ميداناً وأداة لحروب شنت عليهم فقتلت منهم وشرّدت الملايين وأفقدتهم مئات مليارات الدولارات. ولن نقول إن قراراً أميركياً بهذا الحجم كان يستوجب موقفاً عربياً مزلزلاً ضد أميركا و»إسرائيل» لأن العرب لو امتلكوا هذه القدرة على المواقف لما حلّ بهم ما نراه.

ولنعد إلى الموضوع ونبحث في تداعيات القرار الأميركي على الوضع الدولي عامة، وفي منطقتنا خاصة، ونذكر أن القرار تسبب بـ:

فقدان أميركا أي دور في الوساطة في حل المسألة الفلسطينية، ولن تكون أميركا من الآن وصاعداً في عين أحد إلا الحمقى وسيطاً نزيهاً تسعى لحل القضية بل باتت بمظهر المتبني كلياً لكل ما تريد «إسرائيل» بل تتقدّم عليها في أنها صهيونية أكثر من «إسرائيل» ذاتها.

لن يكون هناك حديث جدي عن حل سياسي لأزمة الأرض العربية المحتلة، وبالتالي تعطيل العمل بالقرارين 242 و338 اللذين يدعوان إلى حل سلمي وإعادة الأرض بالتفاوض.

إطاحة مبادئ أساسية عامة في القانون الدولي أرسيت بعد الحرب الثانية وتتمثل في رفض الاعتراف بالقوة سبيلاً لاحتلال أرض الغير أو تعديل حدود الدول أو فرض الإرادة على الشعوب.

حصر خيارات الشعوب لحماية نفسها بالخيار الميداني وخيار القوة الدفاعية التي تواجه القوة العدوانية. وفي ذلك انهيار للمنظومة التي قامت من أجلها الأمم لمتحدة والمتمثلة بمبدأ «حل النزاعات بالوسائل السلمية».

أما الانعكاس المباشر على سورية ولبنان فإن القرار يؤدي في حالة السكوت عنه إلى خسارة الجولان السوري بقضمه، وخسارة مزارع شبعا التي تعتبرها الأمم المتحدة خاضعة لمهام «الأندوف» المنتدبة إلى الجولان، وإن سيادة «إسرائيل» على الأخيرة تعني ضمناً سيادة على مزارع شبعا، أما عن فلسطين فبعد القرار لا يحلمنّ أحد أن تعمل أميركا لإعادة حق لأهله كلياً أو جزئياً.

وفي الخلاصة تكون أميركا بقرارها قد انتهكت أسس النظام الدولي العام والمبادئ التي تقوم عليها الأمم المتحدة، ودفعت المنطقة إلى الميدان للعمل بخيار القوة وهو الوحيد المتبقي لاستنقاذ الحق بالأرض، وشرعت في عملية تفتيت سورية وتقسيمها في خطوة أولى تقطع منها أرضاً وتحضر لخطوة أخرى تليها تتمثل بإقامة الكيان الكردي الانفصالي في شرق الفرات الذي تحتله أميركا اليوم وتتكئ على الأكراد ومقولة حمايتهم لتبرير احتلالها.

وهنا يطرح السؤال هل من سبل للمواجهة وكيف؟

إننا ندرك في البداية أن أميركا دولة عظمى وهي الأولى في العالم من حيث القدرات العسكرية وغير العسكرية، لكننا نوقن أيضاً بأن أميركا ليست قدراً يجب التسليم والاستسلام له، وأن التاريخ الحديث يقدم أكثر من مثل على ذلك. فأميركا رغم كل جبروتها تختزن في ذاتها من بذور الوهن ما يجعلها هزيمتها ممكنة، أولم يحدث ذلك في فيتنام وفي أفغانستان وفي العراق؟ وأخيراً في سورية نفسها عندما خسرت أميركا في مشروعها الأساسي فجاءت بهذه الخطة التعويضية البديلة. ما يعني في استنتاج قاطع أن المواجهة ممكنة والانتصار فيها مرجّح وهنا تكمن الإجابة عن السؤال حول السبل فنقول أنهما سبيلان:

الأول سياسي دبلوماسي إعلامي وفيه تحشيد متعدّد الأبواب والسقوف ضد القرار الأميركي المنتهك لكل قواعد القانون الدولي العام والمنقلب حتى على المواقف الأميركية من الجولان منذ 52 عاماً، عمل يجب أن يشارك فيه إلى سورية كل حلفائها وأصدقائها، وكل مسؤول حريص على الأمن والسلم العالميين لأن مرور هذا القرار سيشكل سابقة تطيح بالاستقرار والأمن الدوليين القائمين على رفض اللجوء إلى القوة ورفض الإقرار بمفاعيلها.

الثاني ميداني مركّب يتخذ من الرفض السوري للقرار قاعدة انطلاق، الرفض المعبر عنه بالمقاومة المدنية التي يمارسها السوريون من أهل الجولان باقتدار واضح، ويتوسّع ليشمل التحضير والاستعداد للمواجهة الميدانية مع جيش الاحتلال الإسرائيلي عندما تهيأ البيئة المناسبة له وهي مواجهة لن تقتصر على سورية وحدها بل ستشمل مكونات محور المقاومة، خاصة أن توحيد الجبهة في شمال فلسطين بات حقيقة واقعة ولن يكون ممكناً فصل جبهة الجنوب اللبناني عن جبهة الجولان السوري بعد المتغيّرات الأخيرة والتي جاء ضم مزارع شبعا اللبنانية ليؤكد عليه.

جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2019/03/27

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد