آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
ليلى نقولا
عن الكاتب :
أستاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية

السودان: مساحة جديدة للصراع بين تركيا والإمارات؟

 

ليلى نقولا
 
طرحت الأزمة في السودان والتطوّرات التي أطاحت الرئيس السابق عمر البشير، على بساط البحث، قضية القواعد العسكرية التي تنشرها الدول الإقليمية الفاعِلة في أفريقيا، والتنافُس الاستراتيجي بين كل من تركيا والإمارات في شرقي القارة.

ولعلّ قضية جزيرة سواكن التي كانت تركيا قد اتفقت مع السودان على استثمارها، وإقامة قاعدة عسكرية فيها، والقلق التركي من أن تؤدّي الإطاحة بعمر البشير إلى تعديل الاتفاقية أو إلى إلغائها، هو ما أثار القضية وجعلها تطفو على السطح .
وكانت تركيا قد عملت على تأسيس قواعد عسكرية في كل من الصومال وجزيرة سواكن في السودان، بالإضافة إلى قاعدة عسكرية في الخليج (في قطر)، بما يشير إليه بعض الخبراء ب"المثلّث" العسكري الذي تستخدمه تركيا لاحتواء النفوذ المُتصاعِد لدول الخليج العربي، ومنافسة النفوذ السعودي - الإماراتي في المنطقة.

وتتميّز جزيرة سواكن بموقعها الاستراتيجي الواقع شمال شرقي السودان، على الساحل الغربي للبحر الأحمر، وهي منطقة أثرية تاريخية، تبلغ مساحتها عشرين كيلومتراً مربعاً، وكانت في السابق تُعتَبر الميناء الرئيس الذي تعتمد عليه السودان والذي يشكّل حلقة الوصل بين كل من أفريقيا وآسيا.
في المقابل، توزّع الإمارات قواعدها العسكرية في المنطقة، بشكل طَوْق عسكري يتخطّى حجم ونفوذ البلد الاستراتيجي، ففي اليمن تقوم الإمارات بمدّ نفوذها داخل الجغرافيا اليمنية بالإضافة إلى السيطرة على جزيرة سقطرى، حيث تقيم الإمارات قاعدة عسكرية كبرى، ومعها باتت تسيطر استراتيجياً على الخط البحري الممتد من الهند إلى أفريقيا.

وبالرغم من القلق العُماني من التواجد الإماراتي في تلك الجزيرة الاستراتيجية، إلا أن الإمارات لا تبدو مستعدّة للتخلّي عن منطقة حيوية واستراتيجية بأهمية سقطرى.
تضاف إلى سقطرى، القاعدة العسكرية الإماراتية في ميناء المخا، على الساحل الغربي لليمن. كما تتحدّث التقارير عن وجود عسكري سعودي - إماراتي في جزيرة ميون قرب مضيق باب المندب ما يعطيها أفضلية عسكرية استراتيجية في المنطقة.

أما في أفريقيا، فتتنافس الإمارات مع تركيا على إقامة قواعد عسكرية في الساحل الأفريقي، إذ أقامت الإمارات قاعدة عسكرية في "أرض الصومال" التي انفصلت عن الصومال وأعلنت نفسها دولة مستقلة (من دون أن يعترف بها أحد)، وباتت اليوم تتلقّى مساعدات ودعم كبيرين من بعض الدول الخليجية مقابل الاستثمارات الاقتصادية والعسكرية فيها. كما تقيم الإمارات قاعدة عسكرية في أرتيريا، والتي تُعتبر القاعدة الأساس لإنطلاق الطائرات العسكرية لشنّ الغارات في اليمن ولدعم العمليات العسكرية الجارية هناك ضد الحوثيين. 

وهكذا، نجد أن الصراع بين الدول الخليجية وتركيا، يأخذ طابعاً مذهبياً واستراتيجياً؛ مذهبياً حيث يتقاتل الطرفان على تكريس زعامة العالم الإسلامي السنّي، واستراتيجياً حيث يحاول كل طرف مدّ نفوذه إلى الدول الأخرى للسيطرة على أكبر قدر ممكن من الجغرافيا. كما نجد أن الصراع والتنافس الاستراتيجي بات ينتقل من منطقة إلى أخرى، فبعد أن تقاتل الطرفان في أنحاء العالم العربي وفي منطقة الشرق الأوسط ، واستخدم الطرفان الحروب بالوكالة عبر المجموعات المسلحة في سوريا، نجد أن سباق النفوذ انتقل اليوم إلى القارة الأفريقية.
الإشكالية الكبرى التي يخلقها هذا التنافس بين هذه الدول، أنه قد يعطي هامشاً للإرهابيين، للنفاذ من مناطق التنازع بين استراتيجيات الدول لمكافحة الإرهاب، التي تكون بشكل عام منعزلة عن بعضها البعض ومُتنافِسة إلى حدٍ كبير. بالإضافة إلى أن الخطورة الأساسية تكمن في إمكانية استخدام هؤلاء الإرهابيين من قِبَل بعض الدول كأداة في السياسة الخارجية لمنع الخصم من الوصول إلى أهدافه، أو لضرب الخصم واستنزافه، أو للتأثير على الحكومات الأفريقية في قراراتها أو لمُعاقبتها على تفضيلها التعاون مع دولة وإقصاء أخرى.

أما عن مفهوم المشاركة السياسية فهي بالأساس تعني عملية اجتماعية سياسية طوعية أو رسمية ، تتضمّن سلوكاً منظّماً مشروعاً ومتواصلاً لممارسة قِيَم الحرية والعدالة ، والمشاركة السياسية تُعدّ أيضاً بمثابة دور يقوم به المواطن بشكل فردي أو جماعي في مجال تشكيل أجهزة الحُكم وصنع السياسات العامة والأهداف الأساسية للمجتمع وتحديد أولوياتها.

وهي بهذا الأداء تُعدّ مؤشّراً قوي الدلالة على مدى تطوّر ، أو تخلّف المجتمع ونظامه السياسي وما يعنيه ذلك من ارتباط وثيق بينها وبين جهود التنمية بصفة عامة والتنمية السياسية على وجه التحديد. وللأسف هذا المفهوم بكل أركانه السابقة لم يُطبَّق عربياً ولذلك انصرف الجميع عنه ، وبخاصة فئة الشباب في أغلب البلدان العربية. 

وهنا يمكننا أيضاً أن نؤكّد أن من أسباب انصراف الشباب العربي عن الحياة السياسية والمشاركة الشعبية يعود في جزء رئيسي منه إلى عوامل سياسية واقتصادية ، منها احتكار الأنظمة لكل مصادر الثروة والسلطة والنفوذ وعدم السماح لغيرها بالدخول في تلك اللعبة الديمقراطية ، ما يؤدّي إلى إنصراف العديد من فئات المجتمع عن المُشاركة السياسية وبخاصةٍ فئة الشباب بل ولجوء قطاعات منهم إلى خيارات العنف والإرهاب . 

خلاصة الأمر في تقديرنا أن الاستبداد مُتجدّد الأشكال اليوم في عالمنا العربي رغم زلزال سنوات ما سُمّي بالربيع العربي (2011-2019) هو أصل الداء ، ولا يمكن أن تنجح المُشاركة السياسية ويعود المواطن إلى وطنه ولا يشعر بالغربة وهو فيه إلا بهدم أصنام الاستبداد التي يرزح تحت سُلطانها ، في هذا الوطن العربي المُبتلى منذ ما لا يقلّ عن نصف قرن من الزمان، وما جرى قبل أيام في السودان الجريح والمُمزّق ، خير مثال على ذلك ، فهل يأخذ باقي المُستبدّين العرب ، العِبرة ويتعلّمون ثم يتغيّرون قبل فوات الأوان ؟سؤال برسم المستقبل . والله أعلم .

لصالح موقع الميادين نت

أضيف بتاريخ :2019/04/19