آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. سعيد الشهابي
عن الكاتب :
كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

الإعدامات الجماعية تحاصر الحكم السعودي


  د. سعيد الشهابي

ربما يمكن فهم دوافع الحاكم المستبد لاعتقال من يعارضه وذلك لإبعاده عن ساحة الصراع ووقف التحريض، ولكن من الصعب استيعاب سياسات التطرف والإمعان في التنكيل والاضطهاد والموت مع المعارضين من قبل حاكم يريد التعايش مع شعبه. هذه الصعوبة تدفع للاعتقاد بوجود نوازع غير إنسانية أو إخلاقية لدى ذلك الحاكم وأمثاله من الذين يتعاملون بالقسوة مع مواطنيهم الذين يفترض أن يتقاسموا معهم الثروة ويتبادلوا معهم العيش المشترك والاعتراف المتبادل.

وكما يقال فإن «الحكم يبقى مع الكفر ولا يبقى مع الظلم». ولذلك فالحاكم الذي ينتهج العنف والغلظة في التعامل مع مواطنيه يقطع الأواصر معه ويؤسس لثقافة استئصال على المدى البعيد، لا تبقي ولا تذر. من هنا يستغرب البعض حالة الاضطراب التي تعيشها بلداننا العربية والإسلامية، وكيف استبدلت ثقافة الحوار والسجال البناء بلغة الدم والانتقام والتصفية الجسدية والتعذيب، لذلك بقيت هذه الامة بعيدة عن التطور والتماسك. فالتطور لا يقاس بارتفاع ناطحات السحاب التي تشيد على جماجم الابرياء، أو الجيوش المدججة بأحدث ادوات الموت ولا بالدعاية التي تروجها الاقلام المأجورة التي يبيع اصحابها ضمائرهم لكسب حظوة لدى الحاكم الجائر.

هذا الحاكم الذي يعتبر إعداء الامة ومحتلي أراضيها حلفاء معه في حربه مع شعبه وجيرانه، لا يتوفر على فرص كبيرة للبقاء، لأن الشعوب لا تموت وأن خضعت للحاكم الظالم أو المحتل الغاشم حقبة من الزمن. السياسة فن الممكن، هذا ما يقال لتبرير تغييب القيم والأخلاق والمبادئ عن التعامل السياسي، ولكن هل يمكن بناء أمة أو حضارة على الظلم والكذب والخداع والتوحش؟ وإذا كان عالم اليوم محكوما بنظام عالمي يفرضه القوي على الضعيف، ويمتطي صهوة الجواد فيه أشخاص معتوهون لا يخفون عداءهم للآخر المختلف معهم فكرا أو ثقافة أو دينا، فإن هذا الحال لا يستقيم على المدى البعيد لأنه مغاير للسنن التي تقضي بأن العدل أساس (بقاء) الملك، وأن الشعب يجب أن يكون مصدر السلطات بالإضافة لكونه مصدر شرعية الحاكم.

في الأسبوع الماضي أقدمت السلطات السعودية على إعدام 37 شخصا، أغلبهم من المنطقة الشرقية بدعاوى واهية لم يصدقها الكثيرون، ولم يعتبروها، حتى لو كانت صحيحة، مبررا لإزهاق أرواح هذا العدد الكبير من البشر. بعض هؤلاء الشباب لم يبلغ الحلم، وبعضهم علماء دين، وآخرون أساتذة ومعلمون ورياضيون. وربما شارك بعضهم في مسيرة احتجاجية أو طرح مطالبات بالاصلاح السياسي والعدالة في توزيع الثروة، ولكن هل الذبح والصلب عقوبة تتناسب مع ذلك؟ بعض مقاطع الفيديو التي بثت على وسائل التواصل الاجتماعي اظهر المستوى المعيشي لبعض هؤلاء في المنطقة الشرقية التي تنتج الشطر الأكبر من نفط الجزيرة العربية، وكيف أن الثروة النفطية التي تنتجها مناطقهم لا ينفق منها إلا النزر اليسير لتطوير تلك المناطق.

علاقات السعودية والإمارات والبحرين مع الكيان الصهيوني عامل أساس يوفر لهذه الحكومات حماية أمريكية سياسية لا تؤثر عليها الضغوط الإعلامية والحقوقية
أما طرح عنوان «الإرهاب» لتبرير الإعدامات فلم يستسغه الكثيرون خصوصا أن بعضهم معتقل منذ أكثر ستة أعوام، وأن مناطقهم لم تشهد أعمالا إرهابية واسعة. وهناك تقزز عام من الاستغلال البشع لمقولة الإرهاب، وكيف أن ذلك إنما يساهم في نشر الظاهرة بدلا من احتوائها. ففي بلدان كالسعودية والبحرين والإمارات ومصر أصبح المصطلح يلصق بمن يمارس دورا سياسيا ويصر على المطالبة بأصلاح الأوضاع وإعادة صياغة نظام الحكم بما يناسب القرن الحادي والعشرين. 

وعبرت منظمة العفو الدولية بالقول أن الإعدامات «مؤشر على أنه لا قيمة لحياة الإنسان لدى السلطات التي تستخدم عقوبة الإعدام بشكل منتظم كأداة لسحق المعارضة». واعتبرت المنظمة في تغريدة لها على حساب بتويتر «أن إعدام سلطات السعودية 37 شخصا في أعقاب محاكمات جائرة بحقهم، والحكم على عبد الكريم الحواج بالإعدام على خلفية جرائم ارتكبها عندما كان دون سن الـ18، انتهاك صارخ للقانون الدولي».

الإعدامات الجماعية في المملكة العربية السعودية أثارت حفيظة الكثيرين الذين يتوقعون أن تصل هذا العام إلى حوالي 300، بينما كان العدد العام الماضي 148. هذه الوتيرة التصاعدية لا تمثل مسارا مقبولا لنمط الحكم. فما أطول سجل السعودية في الإعدام. ففي حج سنة 1409هـ /1989 ألقي القبض على 20 حاجا كويتيا، اتهم منهم 16 بتدبير تفجير وعرضت «اعترافات» لهم على التلفزيون السعودي ثم عرضوا على المحكمة في جلسة واحدة لتلقي حكم الإعدام، ولم يسمح للمتهمين بتعيين محامين. وبعد بضع أيام أمر الملك فهد بن عبد العزيز «بضرب أعناقهم بالسيف»، وتم تنفيذ الحكم عام 1989.

وفي العام 2016 نفذت الحكومة السعودية حكم الإعدام في 47 شخصًا مدعية ادانتهم بـ«الإرهاب» على رأسهم الشيخ نمر باقر النمر، أحد أبرز الوجوه الدينية المعارضة، بجانب بعض المنتسبين لتنظيم القاعدة. ونقل محمد النمر شقيق رجل الدين المعدوم بيانا صادرا عن أسرة النمر في بلدة العوامية، جاء فيه: «تفاجأ المجتمع السعودي والعالم صباح السبت (3 يناير 2016) ببيان وزارة الداخلية السعودية إعدام 47 مواطنا سعوديا وصفهم البيان بالإرهابيين. وكان من بين من نفذ بحقهم القتل سماحة الفقيه الشهيد الشيخ نمر باقر النمر رحمه الله الذي كان عالما فقيها مجتهدا تفخر به الحوزات العلمية ومثالا ونموذجا للحركة المطلبية والسلمية ودعا إلى تحمل المسؤولية وطالب بشجاعة بالحقوق المشروعة ورفض الطائفية لأكثر من أربعة عقود من الزمن».

ظاهرة الإعدامات الجماعية ليست جديدة في المملكة، بل تعود لعقود سابقة. ففي 9 يناير 1980 نفذت السلطات السعودية أحكام إعدام جماعية في ثماني مدن مختلفة وفي وقت واحد بحق أكثر من 63 شخصا ينتمون لـ «جماعة الدعوة السلفية المحتسبة». وبقيادة جهيمان العتيبي قامت تلك المجموعة باحتلال الحرم المكي والتحصن فيه في 1979. وبعد انتهاء الحادثة اصدرت المحاكم احكاما بإعدام 63 شخصا من الباقين الذين لم يقتلهم الفرنسيون الذين استقدموا لانهاء الحادثة بالهجوم على الحرم بعد اغراقه بالماء.

وثمة امتعاض يتصاعد لدى العديد من الأوساط السياسية والحقوقية الغربية بسبب السياسات السعودية في مجال حقوق الإنسان ومعاملة المواطنين خصوصا المرأة والحرب على اليمن ودعم الإرهاب. وفي الأيام الأخيرة دعا اثنان من الاعضاء البارزين بمجلس الشيوخ الأمريكي الى اعادة النظر في التحالف بين واشنطن والرياض بعد الإعدامات الأخيرة.

الرياض أصبحت تمارس سياسة «التذاكي» لتمرير مشاريعها السياسية والفكرية والاستحواذ على القرار العربي، ضمن تحالف قوى الثورة المضادة الذي يضم كلا من الإمارات ومصر و «إسرائيل» والبحرين. المشكلة أن أوضاع المنطقة تتجه نحو المزيد من الاستقطاب الذي لا يضمن التحالف السعودي ـ الإماراتي نتائجه. وفي العامين الأخيرين ركزت سياسة ذلك المحور على العراق لمنع اكتمال تحالف إقليمي قوي يضم كلا من تركيا وإيران وسوريا وقطر بالإضافة للعراق. هذا التحالف لو تحقق سيكون كارثة لمحور قوى الثورة المضادة. وقال السيناتور بيرني ساندرز -الساعي للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة- إن الإعدام الجماعي «يؤكد كم أصبح ملحا على الولايات المتحدة أن تعيد تحديد أطر علاقتنا مع النظام الاستبدادي في السعودية». وأضاف أن «على الولايات المتحدة أن تظهر للعالم أن «السعوديين ليس لديهم صك مفتوح لمواصلة انتهاك حقوق الإنسان وإملاء سياستنا الخارجية». بينما دعت السيناتورة الديمقراطية دايان فاينستين إلى إعادة النظر في علاقات الولايات المتحدة مع السعودية، بعد جريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده بإسطنبول في أكتوبر الماضي. وأضافت أن «التقارير الأخيرة تعزز مخاوفي. لا يمكننا أن نغض الطرف عن الإعدامات المتزايدة، ولا سيما أن تساؤلات كثيرة تحيط بشرعية المحاكمات». غير أن علاقات السعودية والإمارات والبحرين مع الكيان الصهيوني عامل أساس يوفر لهذه الحكومات حماية أمريكية سياسية لا تؤثر عليها الضغوط الإعلامية والحقوقية.

جريدة القدس العربي

أضيف بتاريخ :2019/04/29

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد