آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. محمد صادق الحسيني
عن الكاتب :
كاتب وباحث إيراني

ما بعد الفجيرة... تحوّل استراتيجي في الصراع الدولي على «الشرق الأوسط!

 

محمد صادق الحسيني

إنّ عملية ضرب الناقلات النفطية في بحر العرب قبالة ميناء الفجيرة بهذا التاريخ وبهذا المكان بالتحديد – أياً يكن الذي دبّرها – إنما تحمل دلالة واحدة لا غير:

لقد حان رحيل الأميركي من خليج فارس وغرب آسيا مرة واحدة وإلى الأبد.

وأنّ انتهاء الوجود العسكري الأميركي الجوي والبحري في «الشرق الأوسط» استراتيجياً قد حسم أمره و يجب أن يتحوّل من الآن فصاعداً إلى إجراءات عملية وآليات تنفيذ وجدول أعمال ينبغي الاتفاق عليه بين القوى الإقليمية والدولية الفاعلة حقاً، والتي رسمت فعلياً قواعد التوازن الدولية الجديدة في منطقتنا.

ثمة أمر كبير جداً في طريقه للتشكل والتبلور شيئاً فشيئاً بعد كلّ سنوات المخاض التي مرّت بنا، وتأتي محطة تفجيرات البحر الأحمر لترسم بعض صورة ما ينتظر منطقتنا العربية والإسلامية خلال السنوات المقبلة.

ولما كان الأميركي هو المعني الأساس بالرسالة ننقل بعض ما قاله لنخلص بعد ذلك إلى الدلالات :

تعليقاً على عمليات التفجيرات الضخمة التي حصلت في الفجيرة فجر يوم الأحد 12/5/2019، قال مستشار ترامب السابق للأمن القومي، الجنرال هيربرت ريموند ماك ماستر، في حديث له مع صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية، نشرته على موقعها الالكتروني أمس، قال: هناك طريقتان لمحاربة الولايات المتحدة: الأولى هي الحرب غير المتكافئة، وهو يعني هنا حرب العصابات، والثانية طريقه غبية، وهو يعني أن تدخل إيران في حرب كلاسيكية مع الولايات المتحدة.

من هنا، يتابع الجنرال ماك ماستر، الذي شارك في حرب العراق الأولى والثانية، يتابع قائلاً:

لذلك فإنّ إرسال المجموعة القتالية البحرية الأميركية المكوّنة من حاملة الطائرات «ابراهام لينكولن» والقوة المرافقة لها، ليس إلا لإرسال رسالة إلى إيران فقط لا غير.

إذن… فإنّ الوضع في منطقة الخليج خاصة، وفي منطقة «الشرق الأوسط» عامة، ورغم كلّ الصخب والضجيج والتهديد والوعيد والكمّ الهائل من تقاذف التصريحات النارية، ثمة ما يؤسّس له على غير صورة قرقعة السلاح الخارجية يقطع فيها العالمون بخبايا الأمور بأنه ليس فقط لا توجه أبداً لحرب كبرى ولا مواجهة مرتقبة بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، بل أنّ ثمة قراءة جديدة تتبلور لدى الأميركان تقول بما يلي:

1 ـ هنالك عدم رغبة قاطعة لدى الولايات المتحدة بشكل عام، البنتاغون والأجهزة الأمنية أو ما يُسمّى الدوله العميقة هناك، والرئيس دونالد ترامب بشكل خاص، الدخول في حروب جديده في «الشرق الأوسط»، تؤثر سلباً على مصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية على الصعيد الدولي، سواء في القارة الآسيوية أو في أميركا الجنوبية.

أيّ أنّ الصراع الاستراتيجي بين القوى العظمى لم يعد يدور على «الشرق الأوسط» وإنما على الدور المستقبلي للصين واقتصادها النامي صاروخياً، وبالتالي الدور السياسي والعسكري الذي ينتظر الصين على صعيد قيادة العالم.

2 ـ إنّ إيران لم تعد تشكل بالنسبة للدولة الأميركية العميقة وترامب بشكل خاص خطراً استراتيجياً داهماً على مصالح الولايات المتحدة، لا في «الشرق الأوسط» ولا في بقية أنحاء العالم، حتى لو امتلكت أسلحة نووية وحتى لو أوصلت حلفاءها، حزب الله اللبناني والمقاومة الشعبيه في سورية والحشد الشعبي العراقي والمقاومة الفلسطينية في الضفة في حال نشوب حرب ، إلى القدرة على شنّ هجوم على «إسرائيل» واقتلاعها من الوجود.

حيث أنّ طبيعة «إسرائيل» كما طبيعة أكثر من نظام عربي تمّ تشكيله بداية القرن العشرين، هي طبيعة وظيفية تنتهي بانتهاء الوظيفة، التي كانت تقدّمها للمصالح الأميركية والغربية، هذه الدولة أو تلك.

لقد تمثلت وظيفة «إسرائيل» في تمين تفتيت العالم العربي وإضعاف دوله حماية للمصالح النفطية للدول الغربية بشكل خاص.

أما الآن وقد اضمحلّ الاعتماد الأميركي خاصة على نفط «الشرق الأوسط»، وبروز منافسة أو حرب اقتصادية وجودية بين واشنطن وبكين، فإنّ التوجه الاستراتيجي الأميركي، للدولة العميقة وللرئيس ترامب، هو نحو الشرق الأقصى، وبالتالي تجنّب إشعال حريق في «الشرق الأوسط» قد يقضي على ما تبقى من المصالح الأميركية والغربية في هذه المنطقة من العالم.

3 ـ من هنا فإنّ عملية الفجيرة – وبغضّ النظر عمّن نفذها – سوف تؤدّي إلى تحوّل استراتيجي في «الشرق الأوسط» والعالم، تحوّل سوف يخدم قبل كلّ شيء المصالح الأميركية في المنطقة المعنية وذلك لأنّ مفاعيل هذه العمليه ستؤسّس، في نهاية المطاف، لانسحاب الأساطيل الجوية والبحرية الأميركية وغيرها من منطقة الخليج والاتفاق مع أطراف إقليمية، على رأسها إيران، ودولية، على رأسها روسيا، التي لها مصالح واستثمارات كبرى في منطقة الخليج، سواء في السعودية أو الإمارات أو قطر أو غيرها.

مما يعني ضرورة البدء بمفاوضات متعدّدة الأطراف، وبمشاركة أساسية لإيران، حول إقامة نظام أمن إقليمي لحماية منطقة الخليج بشكل خاص و»الشرق الأوسط» بشكل عام، دون الحاجة للتدخل العسكري المباشر للقوى العظمى وأساطيلها.

4 ـ وهذا يعني إقامة نظام أمني إقليمي، يحافظ على مصالح الجميع، من قوى إقليمية ودولية وبدون «إسرائيل»، وبغضّ النظر عن احتمالية زوالها عن الوجود أو تفكيكها خلال السنتين المقبلتين بسبب انتهاء وظيفتها، والذي يؤدّي الى إعفاء الولايات المتحدة من أعباء التواجد العسكري الكثيف في الشرق الأوسط وما يترتب عليه من أعباء مالية وإتاحة المجال لاستخدام هذه الأموال في تنمية الاقتصاد الأميركي، وهو الهدف الذي يعمل عليه ترامب من أجل ضمان نجاحه في الانتخابات الرئاسيه المقبلة في الولايات المتحدة. إذ أنّ السياسة الداخليه وليست الخارجية هي ما تؤثر بشكل كبير في مواقف الناخب الأميركي.

5 ـ قلنا ذلك ونكرّر أنّ الولايات المتحدة والرئيس ترامب لن يخوض حرباً بتأثير من نتن ياهو أو ابن سلمان وذلك لأنّ مصالح الدوائر الأميركية العليا فوق الجميع. ولنتذكر معاً شعار ترامب الانتخابي: أميركا أولاً.

بعد صدور تقرير المحقق الأميركي الخاص، موللر، بشأن علاقة ترامب بالروس قبيل وخلال حملته الانتخابية، وتبرئته من تلك التهم نهائياً، أصبح ترامب أكثر حرية في التنسيق والتعاون مع الروس، خاصة في «الشرق الأوسط» الذي سبق له وأعلن قراره بسحب قواته منه.

ما يعني استبعاداً لسيناريوات الحرب في «الشرق الأوسط»، لا بل الموافقة على استحداث نظام أمن إقليمي في المنطقة، كما أشرنا سالفاً. وهو الأمر الذي عبّر عنه وزراء خارجية الدول الأوروبية أمس، في تصريحات صحافية أعقبت اجتماعهم مع وزير الخارجية الأميركي في بروكسل، والتي سيغادرها إلى موسكو للاجتماع بالرئيس بوتين ووزير خارجيته.

إنّ وزراء الخارجية الأوربيين لا يمكن أن تكون تصريحاتهم حول إيران بهذه الإيجابية لولا الضوء الأخضر الأميركي. وإلا لأقدم هؤلاء على اتهام إيران بعملية الفجيرة وبدأوا مشاوراتهم لنقل الموضوع إلى مجلس الأمن الدولي…

6 ـ من هنا فإننا على يقين بأنّ من نفذ عملية الفجيرة، وبغضّ النظر علن الجوانب الفنية فيها، وعن طبيعة الأسلحة المستخدمة أو الجهة التي تقف وراء ذلك، فإنّ من أهمّ تداعيات العملية تمثل في إرسال رسالة الى من يهمّه الأمر تنص على ما يلي :

إنّ الولايات المتحدة ليست بحاجة ولا بصدد خوض حرب ضدّ إيران، من أجل ضمان مصالحها وأنّ التعاون الإيجابي مع إيران هو الكفيل بذلك. كما أنّ بنية دول الخليج الهشة لا تحتمل حرباً في المنطقة وأنّ الحرب أنْ اشتعلت فلن يبقى بعدها شيء اسمه دول خليجية.

والأهمّ من ذلك أنّ الرسالة قد وصلت إلى عنوان المرسل إليه وأنّ ما يدور من اتصالات واجتماعات بين الولايات المتحدة والدول الاوروبية وروسيا، يشير فقط إلى أنّ البحث يدور حول التوافق على آليات أمنية تلغي التصعيد القائم وتؤسّس لمرحلة جديدة من التعاون الدولي، خاصة في مجال مشروع الحزام والطريق الصيني العملاق.

أما الدليل على وصول الرسالة إلى من يلزم وصولها اليه فهو ما يعبّر عنه الصمت الخليجي الذي يشبه حالة ابتلاع الموسى واستثناء دول الخليج كافة من أيّ نوع من هذه الاتصالات، على الرغم من حصول عملية التفجير على أراضي مشيخة الفجيرة الإماراتية، بعكس إيران التي أكدت تصريحات وزراء خارجية الدول الأوروبية العظمى أمس، ومعهم وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، بعيد اجتماعهم مع وزير الخارجية الأميركي في بروكسل، على ضرورة استمرارها وعلى ضرورة الحفاظ على الاتفاق النووي معها.

إذن… فالرسالة وصلت والهدف التكتيكي تحقق أيضاً، فيما الهدف الاستراتيجي على الطريق.

وهي حالة تشبه تماماً ما حصل في بيروت، عام 1983 عندما تمّ تفجير مقرّ المارينز الأميركي، حيث أجبر يومها الجيش الأميركي على الانسحاب من لبنان، مما أدّى إلى وقف مشروع السيطرة الأميركية المباشرة على المنطقه انطلاقاً من لبنان…

ونعني بذلك أنّ الانسحاب الأميركي، من منطقة الخليج وبقية أنحاء الشرق الأوسط، ستتمّ بهدوء وبشكل سلس وآمن، وليس تحت النيران، مما يحافظ على ماء وجه الولايات المتحدة ويخلق انطباعاً بأنّ الانسحاب قد تمّ بعد تحقيق الأهداف.

ولا بأس من ذلك لأنّ هذا الانسحاب سيفرز تغيّراً استراتيجياً مزلزلاً لن تبقى بعده أنظمة الدول الخليجية ومعها نتن ياهو و»دكانته» فوق الأرض…

أتى أمر الله فلا تستعجلوه.

بعدنا طيّبين قولوا الله…

جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2019/05/14

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد