آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
قاسم حسين
عن الكاتب :
كاتب بحريني

عقيدة أوباما

 

قاسم حسين

 

أخيراً أصبحت أمام الجمهور العربي طبعة عربية لـ«عقيدة أوباما»، مكتوبة في 37 صفحة، تمثل رؤيته حول السياسة الدولية، التي أطلقها قبل أشهرٍ من مغادرته البيت الأبيض.

الرؤية ليست فكرةً عابرةً، وإنّما سياسة سيبقى تأثيرها لفترةٍ، حتى لو جرى انتخاب رئيس جمهوري في (نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل). فدولةٌ ترزح تحت ثقل قوتها العسكرية الهائلة، مثل أميركا، لا تغيّر سياستها الخارجية بين ليلة وضحاها، وإنّما تحتاج إلى فترةٍ لإعادة هندسة هذه السياسة. أما إذا انتخبت وزيرة خارجيته السابقة هيلاري كلينتون، فسيبقى تأثير أوباما لسنوات مقبلة.

من السهل جدّاً أن نبدأ بحفلة شتائم مفتوحة ضد أوباما، على طريقتنا التقليدية في تفريغ غضبنا، لكن من المهم أن نحاول فهم خطابه؛ لأنه سيبقى مؤثراً على منطقتنا سلباً أو إيجاباً، إذ يعيد ترتيب التحالفات التي استقرَّت راسخةً لأكثر من سبعين عاماً، وحانت الآن ساعة الفراق الأليمة.

كان مجيء أوباما في سياقه التاريخي، ردّ فعل على سياسة «المحافظين الجدد»، بقيادة جورج بوش الابن، الذي ورّط بلاده والعالم في حرب مفتوحة ضد شبح «الإرهاب»، وبدأها بغزو أفغانستان ولم تنتهِ بغزو العراق، بل ازداد اشتعال المنطقة بالحروب والفتن والتمزُّقات. وكان أوباما واضحاً من البداية في معارضته للحرب، ولم ينتخبه الأميركيون لسواد عينيه، وإنما لأنه وعدهم بسحب جنودهم من المستنقع الذي ورّطهم به المحافظون «الجدد» آنذاك.

أوباما اتخذ مواقف مترددة في دعم «الربيع العربي»، وكان الاضطراب واضحاً في موقفه من مصر، فقد دعم حسني مبارك حتى الأسبوع الأخير قبل سقوطه المدوّي، وأعلنت كلينتون يومها تأييد استمراره حتى انتهاء ولايته في (سبتمبر/ أيلول 2011). إلا أن الثورة المصرية داهمت الإدارة الأميركية فغيّرت موقفها، ودعمت مجيء الإخوان إلى الحكم... ثم غيّرته مرةً أخرى بعد الانقلاب على حكم الأخوان.

نقطة الانعطاف الكبرى حدثت في سورية، فمنذ العام 2013، بدأ الأميركان يعون خطورة دعم التنظيمات المتشددة مثل «داعش» بعد إقدام الأخير على إعدام عدد من المواطنين الأميركيين. ومنذ ذلك التاريخ غيّروا موقفهم، وقاوموا الضغوط الهائلة من حلفائهم الأوروبيين والإقليميين بالتدخل العسكري لإسقاط النظام السوري؛ لأنهم ببساطةٍ فكّروا بالسؤال الخطير: ماذا بعد الأسد؟ بل إن أوباما يشعر بالفخر؛ لأنه استطاع أن يرغم النظام السوري عبر الضغط الناعم، على التخلّي عن أسلحته الكيماوية، من دون أن يطلق رصاصةً واحدةً، أو يرسل جنديّاً واحداً إلى سورية.

عقيدة أوباما تجلّت بوضوح أكبر في موقفه من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي كان يعتبر من أقرب الأصدقاء إلى قلبه، وكان كثيراً ما يستقبله في البيت الأبيض أو يكلّمه على الهاتف. وكانت السياسة الأميركية تقدّمه كنموذج للسياسة التي تحبّذها، وروّجت لها طوال سنوات باسم «الإسلام المعتدل». وقد اختار أوباما أنقرة لإلقاء خطابه الأول للأمة الإسلامية في عامه الأول في الحكم (2009)، تماماً كما اختار القاهرة لمخاطبة الأمة العربية وهو يمسك بيد حليفه مبارك.

في السنوات الأخيرة، رفض أوباما بشدة الاستجابة لمطلب صديقه العزيز أردوغان بفرض منطقة عازلة داخل سورية، أما اليوم وبعد تورّط أردوغان في عددٍ من الأخطاء السياسية الكبرى، وخصوصاً انقلابه على خطة السلام مع الأكراد وقمعه المعارضة وتقييد الحريات الصحافية، فقد وصفه أوباما بأنه «فاشل» و»دكتاتوري».

الأميركيون براغماتيون أقحاح، ولا يُخفون ولا يخجلون إطلاقاً من الاعتراف بأنهم يعملون لتحقيق مصالحهم فقط... وفقط، وقد أعلنوا بوضوح أنهم مستعدون لبيع الأسلحة لمن يدفع ثمنها، وليباركه الله، لكنهم لن يدخلوا حرباً لحساب آخرين. وهذه إحدى ركائز السياسة الأميركية الجديدة التي أرساها أوباما في عقيدته، التي علينا أن نفهمها في الشرق الأوسط الجديد لنتكيّف معها، بدل اللجوء إلى لغة الشتائم التي لا يحترمها العالم من حولنا... في عصرٍ قد تحكمه عقيدة أوباما لفترةٍ قد تطول!

صحيفة الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2016/03/14

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد