آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. وفيق إبراهيم
عن الكاتب :
باحث استراتيجي متخصص في شؤون الشرق الأوسط

«إسرائيل» تستشعر حرباً إقليمية فَتَقلقُ من حزب الله

 

د. وفيق إبراهيم

«إسرائيل» عينها على الخليج لكن هواجسها لبنانية لأنها تعرف أن الرصاصة الأولى في الخليج لن تكون إلا صافرة البدء بعمليات وازنة تستهدف عدوانيتها براً وبحراً وربما تكتشف بالصدفة أن العربدة في الأجواء أصبحت خطيرة. وهذا عِلمُهُ عند اصحاب العلم العسكري.

لماذا أرسل جيش الكيان الإسرائيلي تهديداً بأنه قاب قوسين أو أدنى من استهداف حزب الله؟ وهل يكشف المهاجم عادة لخصمه عن خطته مسبقاً؟ أم أنه يريد ردعه؟

المعلومات التي وردت من الكيان الإسرائيلي في فلسطين المحتلة تزعم بأن جيشه على وشك مهاجمة حزب الله في لبنان وسورية، وقالت إنها وضعت خطة لقصف 300 هدف كافية لشلِ قدرة الحزب الهجومية.

هنا يذهب الاستنتاج الأول بسرعة إلى أن «إسرائيل» بصدد محاربة حزب الله بالغارات الجوية والقصف الصاروخي، ما يستبعد فكرة الاجتياحات البرية والتي لا تزال الوسيلة الوحيدة للسيطرة الكاملة على الخصم. والدليل هنا أن الروس في سورية نفذوا أكثر من مئة وعشرين ألف غارة جوية على مواقع الارهاب الذي كان مسيطراً على أكثر من مئة ألف كيلومتر مربع.

لا شك في أنه ترنّح متلقياً ضربات بنيوية في الأفراد والمواقع لكن الجيش السوري متحالفاً مع حزب الله ومنظمات شعبية أخرى تمكّنوا من تحرير الأرض والإمساك بها وإعادة تأهيلها لإعادة استيعاب المدنيين ومنع الإرهابيين من العودة اليها.

وهذا يعني ضرورة التكامل في الحرب بين وظائف الغارات و»حتمية الحسم البري».

فكيف تكتفي «إسرائيل» بالتلويح بالقصف الجوي؟

وتستبعد البري والبحري؟ هذا علمه أيضاً عند النكسات البرية التي لحقت بها أثناء اجتياحها للبنان في 2006، وعلمه أيضاً في سفينتها الحربية التي تلقت قبالة سواحل لبنان صاروخاً جهادياً أصابها في «أمّ بطنها»، فكادت تغرقُ لولا تمكنِ الإسرائيليين من إعادة سحبها إلى فلسطين المحتلة، وهذه الحادثة تؤرّخ لاختفاء الأساطيل البحرية الإسرائيلية من المدى البحري للبنان والتوقف الكامل عن عربدتها في مياهه الإقليمية.

للتعمّق يتبيّن أنّ «إسرائيل» تربط بين محور متشكل من حلف كبير يبدأ من لبنان وسورية وغزة والعراق إلى اليمن وإيران وهي لا تخطئ أبداً في هذا الربط.

كما تعتبر أنّ انطلاق الحرب في الخليج مؤشرٌ لاندلاعها باستهداف «إسرائيل» في بلاد الشام ومن غزة إلى لبنان.

الأمر الذي يفرض عليها توجيه رسائل تهديدية في اتجاهات شتى، فتكلف مصر وقطر بضبط قطاع غزة بالإمساك به عن طريق التجويع حيناً والإمداد الغذائي حيناً آخر والقصف الإسرائيلي الشديد مرة ثالثة.

وتعتبر أنّ الحشد الشعبي في العراق مؤسسة جهادية لديها وظيفتان، ضرب الإرهاب داخل العراق بالتحالف مع الجيش العراقي وسورية، أما الوظيفة الثانية فهي مكرّسة للاحتلال الأميركي للعراق،

لجهة أنصار الله فهم اختصاص تلك الهمجية السعودية الإماراتية التي تجتاح اليمن وتقتل أهله منذ سنين خمس.

حتى وصل الحوثيون إلى درجة تهديد السعودية في داخلها والتأثير على استمرارية المعادلة التاريخية التي تقوم منذ العام 1945 على مبادلة التغطية الأميركية للخليج بالنفط والاقتصاد والأهمية الدينية.

لذلك يبقى حزب الله في دائرة الحرب المباشرة مع «إسرائيل»، لكنه لم يعد كما كان عليه لبنان في مرحلة تعامله مع «إسرائيل» 1948 1999 يتلقى الاعتداءات والاحتلالات ولا يردّ، فمعارك الحزب معها في 2000 و2006 أفهمتها أنّ المعادلة تغيّرت، السنّ بالسنّ والهجمة بمثلها وربما أكثر شراسة منها.

إنّ هذه المعادلة تنحو بدورها نحو التراجع فدور حزب الله في سورية واقتداء عشرات حركات المقاومة والدول بنموذج جهاديته وتأثيره الثقافي عليها، هي العوامل التي تضعه نصب عيني الاهتمام الأميركي، فمكاتب الدراسات الغربية تعتبر أنّ العالم العربي يصبح أداة كاملة لهم لولا الحلف بين حزب الله والدولة السورية والحشد الشعبي وأنصار الله، فهؤلاء لا يزالون على عقيدة تحرير مناطقهم من النفوذ الأميركي لمنع الاستسلام لـ »إسرائيل» وتحقيق صفقة القرن بوظائفها الثلاث: إلغاء القضية الفلسطينية، تدمير البنيان العربي المقاوم والتحضير لحلف عربي إسرائيلي يعتبر إيران عدوة الدول ويعمل لتنفيس الظاهرة الاقتصادية الصينية قبل تحوّلها جزءاً كبيراً من القوى الأساسية في العالم معاقباً روسيا بالحدّ من حركتها في الشرق الاوسط والبلقان وأميركا الجنوبية.

المطلوب إذاً ضبطٌ إسرائيلي لحزب الله في مرحلة تنفيذ صفقة القرن، فكان هذا التهديد الإسرائيلي فهل له فائدة؟

إذا كان يريد إثارة الذعر في حزب الله فهو لم ينجح بذلك، لأنّ الحزب معتاد على قتال «إسرائيل» وأصبح متخصّصاً بحركتها العسكرية وأزمتها السياسية وهو يعلم أيضاً أنّ «إسرائيل» تعرف انّ الامتداد العسكري لحزب الله أصبح على مساحات وازنة من لبنان وسورية ويتخذ من ظاهر الأرض وباطنها مكامن ليومٍ مع «إسرائيل» لن يكون أقلّ من يوم الحشر.

لماذا اذاً هذا التهديد الإسرائيلي؟

إنه أولاً للزوم الداخل الإسرائيلي المرتعب من تداعيات محتملة لحرب الخليج في مناطقه، خصوصاً وأنه راقب بأم العين كيف استطاع قطاع غزة الصغير مقاومة ماكينة القصف الإسرائيلية جواً وبراً بما يؤذيها مدركاً عاصمته تل أبيب بالصواريخ، فكيف يكون الحال مع إمكانات عسكرية واحتراف قتالي يمثله حزب الله؟

هذه إذاً رسالة تطمين للداخل الإسرائيلي ومحاولة لتمرير قمة البحرين بإظهار القوة الإسرائيلية.

للتوضيح فـ »إسرائيل» تعرف أنّ ضرب 300 هدف في لبنان لا يؤدّي إلى إلحاق ضرر بنيوي بترسانة حزب الله، هذه الترسانة التي أكد الحزب أنها موجهة نحو كامل الأهداف الحيوية عسكرياً واقتصادياً في فلسطين المحتلة.

هناك دور جديد أساسي لقائد الجيش اللبناني الذي وجّه تحية إلى المقاومة في عيدها مؤكداً دور الجيش في تحرير الأراضي اللبنانية المحتلة، وهذا حدث تاريخي هام أن تقف الدولة إلى جانب حزب الله في مجابهة القصف الإسرائيلي، هذا إذا كان القصف جدياً وليس مجرد صوت يترك صدى من دون أثر.

«إسرائيل» إلى أين؟ الإجابة ليست عندها أو لدى الأميركيين بل في فوهات صواريخ المقاومة وسورية، والجيش اللبناني الوطني الرافض للسياسات الانبطاحية بالنأي بالنفس عن الوطن.

جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2019/05/25

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد