آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. محمود البازي
عن الكاتب :
دكتوراة في القانون الخاص وعضو في كرسي حقوق الإنسان

حوار العرب مع إيران ممكن وواجب

 

د. محمود البازي

بقي أسبوع واحد على موعد انعقاد القمتين اللتين دعا إليهما العاهل السعودي الملك سلمان. فالملك سلمان “وجه الدعوة لأشقائه قادة دول مجلس التعاون وقادة الدول العربية والإسلامية، لعقد قمتين خليجية وعربية إسلامية طارئة في مكة المكرمة يوم الخميس 30 مايو 2019، لبحث الاعتداءات التي تعرضت لها السعودية وتداعياتها على المنطقة”.

نحاول في مقالتنا هذه الإجابة على سؤالين محوريين هما:

هل حقق التشاور مع الأخوة العرب والمسلمين أهدافه، وهل استطاع الاستمرار بتشكيل “تحالف عربي-إسلامي” ضد اليمن، حتى يتم الدعوة اليوم للتشاور لإيجاد تحالف ضد ايران؟

أليس لدى السعودية ودول المنطقة من خلفها، إلا خيار قرع طبول الحرب ضد إيران؟ وترى من هو الخاسر في مثل هذه الحروب؟

إن الأوضاع في منطقتنا اليوم تعاني من تشنج حاد للغاية، فمن استهداف لناقلات النفط في الإمارات، إلى الحشد العسكري الأمريكي-الإيراني في منطقة الخليج واستهداف مصاف النفط السعودية من قبل الحوثي. في زخم كل هذه المعضلات يدعو الملك سلمان لقمة خليجية، عربية وإسلامية لبحث هذه الأوضاع الخطيرة. وهي خطوة إذا نظرنا إليها بشكل تجريدي، تعتبر خطوة مهمة ومحمودة للغاية في سبيل تنسيق المواقف. ولكن بعد إمعان النظر في هذه الخطوة سنكتشف أنّ هذه القمة فارغة المضمون، ومحكوم عليها بالفشل قبل بدأها، وباعتقادي: هي كأغلب القمم العربية سينتج عنها تنديد وتهديد ووعيد دون خطوات عملية وواقعية في سبيل حل الأزمات التي تعاني منها منطقتنا.

الأطراف المدعوة هي الدول العربية في المقام الأول: 1) سوريا لن تحظر القمة بسبب محاولة الحذف الذي تتعرض له دائما، وإلى اليوم لم تُعد السعودية علاقاتها مع الدولة السورية أسوة بجراتها الإمارات أو عمان أو حتى البحرين. ولعل “الجبير” لا زال يردد جملته المشهورة: “الأسد سيرحل إما سياسيا وإما عسكريا”. ولست هنا في مقام الدفاع عن الحكومة السورية بل أصف سذاجة الرجل الذي لا يزال يتمتع بموقع مرموق في السياسة الخارجية السعودية. 2) قطر: هل تمت دعوة قطر؟ وإن تمت دعوتها من سيحضر هذه القمة؟ في أخر قمة تمت ارسال دعوة من الملك سلمان إلى أمير قطر (9/12/2018) لحضور قمة مجلس التعاون، قام أمير قطر الشيخ تميم بإرسال وزير الدولة للشؤون الخارجية لينوب عنه في هذه القمة. والأن وقد تفوقت قطر على الحصار، وازدهر اقتصادها بشكل لا يوصف وارتفع معدل الناتج القومي الاقتصادي وحقق المنتخب القطري كأس أسيا، أعتقد أن الشيخ تميم سيرسل رئيس بلدية الدوحة لحضور هذه القمة، ومرة أخرى هذا ليس تقليل من رئيس بلدية الدوحة (الذي لا أعرفه)، بل هو توضيح حول الأعراف الدبلوماسية. 3) اليمن: مشكلة السعودية في اليمن هي اعتقادها أن الحوثي يجب أن يُلغى من الساحة اليمنية، نعم نحن نعارض بعض التصرفات الحوثية ولكن هل يعني هذا أنهم ليسوا مكّون ضخم في الداخل اليمني؟ الإجابة لا. هم مكون معترف به في اليمن ويسيطر على العديد من المحافظات اليمنية ولا تزال السعودية غارقة بأحلامها باقتلاعه من جباله ونسيت مقولة من قال عن اليمن بأنه مقبرة الغزاة. 4) فلسطين: يبدو أن الفلسطينيين يترقبون ضربات موجعة بعد انتهاء رمضان ولذلك سيكون تمثيلهم ضعيفا إلا إن قرر محمود عباس، عكس ذلك 5) المغرب: عندما سعى المغرب لاستضافة كأس العالم لعام 2026 فوجئ المغاربة بتصويت السعودية للملف المشترك لأمريكا، كندا والمكسيك. لن ننكر أن هناك دولا عربية أخرى صوتت ضد المغرب إلا أن العتب على السعودية أكبر لانها تعتبر نفسها القائد الإسلامي والعربي.

6) الكويت وعُمان: الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت (حفظه الله ورعاه) والسلطان قابوس سلطان دولة عمان (حفظه الله ورعاه)، هذين الشخصين يعلمان العالم معنى السلم والتعايش السلمي وهما يتبعان سياسة “الحياد الإيجابي” وهي سياسة تدعو لخفض التوتر والتوسط بين الأطراف المتنازعة إذا أمكن. ولذلك تتمتع هاتين الدولتين باستقرار جيد ويتمتع المواطن هناك برفاهية عالية ولذلك لا يوجد من يقرع طبول الحرب في هاتين الدولتين بل هما يوظفان قدرتهما لمساعدة الدول الأخرى مثل المساعدات التي يقدمونها للاجئين ومتضرري الكوارث وغير ذلك.

7) الإمارات: الإمارات العربية المتحدة وبقيادتها الواعية والحكيمة تعلم جيدا أن نشوب حرب في المنطقة ليس لمصلحة أي دولة من الدول المجاورة. فالاقتصاد الإماراتي القوي يعتمد في قسم كبير منه على عائدات النفط والسياحة لذلك لا يمكن أن تنشب حرب على الحدود دون أن تتأثر بها الإمارات. لذلك القيادة الحكيمة معنية تماما بخفض التوتر والابتعاد عن المشادّات بين الأمريكان والإيرانيين.

لن نكمل بتعداد قائمة الدول التي لن تحظر أو سيكون تمثيلها ضعيف لإن القائمة طويلة للغاية.

أما من الناحية الإسلامية: سنكتفي بذكر تركيا فقط بوصفها دولة إسلامية كبرى ولها ثقل عالمي وإقليمي. يوميا يهاجم الإعلام السعودي الدولة التركية ورئيسها رجب طيب أردوغان بسبب أو بدون سبب، بل وفي الأونة الأخيرة يبدو أن السعودية جعلت الاقتصاد التركي هدفا نصب عينيها، اذ بدأت تحرض المستثمرين الخليجيين، من الاستثمار في الاقتصاد التركي، وعدم السفر إلى هناك نتيجة لافتقار معايير الأمن والسلامة هناك بحسب وصف الإعلام السعودي. كل هذه الهجمات الشرسة ضد تركيا مصدرها قضية جمال خاشقجي. التي لا يريد السعوديون فك ألغازها وينتظرون من الأتراك التغاضي عن مثل هذه الجريمة.

بعد التحليل السريع والمختصر لمواقف الدول نجد أن السعودية فقدت القدرة أو أنها لم تمتلك القدرة يوما على تحقيق إجماع عربي-إسلامي ضد قضية واحدة على الأقل. وبالعودة إلى الائتلاف العربي الإسلامي الذي شكلّته السعودية يوما ما لحرب اليمن لم يبقى منه شيء. فالإمارات وكعادتها تسعى لحفظ مصالحها في اليمن بأقل الخسائر (هذه سياسة براغماتية بامتياز) ولا ضير فيها إن تم فتح باب الحوار كذلك. أما السعودية فهي غارقة في المستنقع اليمني وأراضيها تتعرض لهجمات من الداخل اليمني.

وللإجابة على السؤال الثاني سنقول إن العربية السعودية، لا أعلم لماذا تخاف من الحوار والتفاوض؟ ترامب وهو رئيس أقوى دولة في العالم وصاحب أكبر البارجات الحربية وحاملات الطائرات يكرر الدعوة للتفاوض مع الإيرانيين مرتين في اليوم، صباحا ومساء “مثل دواء السعلة” ولا يخاف من التفاوض والحوار بل ويصر مرارا وتكرارا أن أمريكا لا تنوي الدخول بحرب مع إيران بل تسعى لجرّ إيران لطاولة المفاوضات.

لماذا نظن نحن العرب أن التفاوض أو الحوار يقلل من شأننا أو يكسر من هيبتنا. لماذا كل هذا التهور في السياسات العربية؟ إن الإمارات يبدو أنها فهمت الوضع جيدا وهي اليوم بمنأى عن كل هذه الأحداث. هذا الاقتصاد القوي وتلك البلاد السياحية وذلك العمران الرائع لا ترغب بحرب مدمرة مع إيران، لا ناقة لها بها ولا جمل. والسعودية بدورها قامت بتحركات في بعض القضايا الصغيرة كإرسال مساعدات للحكومة الإيرانية لمساعدة متضرري السيول وفي حادثة أخرى أنقذت سفينة إيرانية بطاقمها (26 شخصا) كانت عالقة في البحر الأحمر. لماذا نكون دعاة حرب وليس دعاة سلم وصلح للحفاظ على ما استطاعت بلداننا أن تصل إليه. إن مشتركاتنا مع إيران كثيرة فهي دولة مسلمة وهي دولة جارة. السعودية كونها قوة إسلامية في المنطقة يجب أن تتعامل بمنطق أكبر وتواجه التحديات والأزمات في المنطقة بعقلانية أكبر وذهنية أوسع.
 
يمكننا الحوار مع إيران، لإن الإيرانيين لديهم باع طويل بالمفاوضات، فهم فاوضوا المجتمع الدولي لسنوات عديدة للتوصل إلى الاتفاق النووي. والإيرانيون لديهم نفس طويل جدا في مجال الحوار والمفاوضات يمكن الاستفادة منه لحل بعض المشاكل العالقة. وعلى سبيل المزاح فإذا أردت أن تعرف كم “طولة بال الإيرانيين” عليك أن تعلم أن الإيرانيين على عكس كل شعوب العالم عندما يرغبون بتناول وجبات سريعة (وهي معروفة من اسمها وجبات سريعة لتوفير الوقت) يقضون ساعات طويلة في الزحام من جنوب إلى شمال طهران (ساعتين أو ثلاث ساعات) للوصول إلى مطعمهم المفضل ليتناولو وجبتهم بعشر دقائق.

الطاولة مليئة بالخيارات للتعامل مع إيران إحداها التفاوض والحوار المباشر أو الغير مباشر. وعلى ما يبدو أن “جواد ظريف” كررها كثيرا،0 معربا عن رغبة إيران بالحوار مع جيرانها. إن من يريد أن يشن حربا ضد إيران عليه أن يتحمل وحده نتائج هذه الحرب ونحن العرب نستطيع أن نتجنب نتائجها الخطيرة ونحول دون أن تقع كارثة نحن بغنى عنها في المنطقة. وفي كلمة واحدة ومختصرة فإن الحوار ممكن وواجب.


صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2019/05/26

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد