آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
صالح السيد باقر
عن الكاتب :
كاتب إيراني

لماذا تصر إيران على أن أميركا لن تشن الحرب عليها؟

 

صالح القزويني

منذ عدة شهور ويعلن المسؤولون الإيرانيون وفي مقدمتهم قائد الثورة الإسلامية آية الله السيد علي خامنئي أن الإدارة الأميركية لن تقدم على شن الحرب ضد إيران.

ويمكن أن يكون هذا الكلام منطقيا قبل القرار الذي اتخذته الإدارة الأميركية بإرسال حاملات الطائرات والسفن الحربية وقاذفات القنابل الاستراتيجية، ولكن بعد القرار ووصول هذه القطع إلى المياه الخليجية فإن الحديث عن استبعاد شن القوات الأميركية الحرب ضد إيران سيدخل في إطار التكهنات التي تحتاج إلى أدلة دامغة لإثباتها.

المتابعون لسياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب يدركون جيدا أن أحد ركائز هذه السياسة هي سحب القوات الأميركية واعادتها للبلاد لما يترتب على بقائها مبالغ كبيرة تستنزف ميزانية الولايات المتحدة، خاصة إذا عرفنا أن ترامب يبذل مساع حثيثة لحسر النفقات غير الضرورية.

إرسال حاملات الطائرات والسفن والقاذفات يشكل ضربة موجعة لسياسة ترامب المالية، غير أن تهديد إيران بإغلاق مضيق هرمز وصفقة القرن وابتزاز دول المنطقة استوجب إرسالها.

فمن جانب فإن واشنطن تريد توجيه رسالة حازمة لطهران بأنها ترفض المساس بأمن الطاقة وعرقلة وصول ناقلات النفط إلى الزبائن لذلك قررت إرسال حاملات الطائرات والسفن والقاذفات، ومن جانب آخر فإن واشنطن تريد الإعلان عن ما يسمى بصفقة القرن وتمريرها ولا تريد لفت الأنظار لها وإنما لفت الأنظار لأزمة أخرى مصطنعة لذلك أرسلت سفنها وطائراتها للمنطقة، ومن جانب ثالث فإن إرسالها يخدم وتيرة التصعيد الأميركية ضد إيران والتي ترمي في الأساس إلى ابتزاز دول المنطقة وحلبها، خاصة إذا عرفنا أن دول المنطقة علقت تقديم الأموال لترامب على شن الحرب على إيران وإسقاط نظامها.

هذه أسباب ثانوية تجعل إيران تستبعد وقوع الحرب ضدها، وهناك أسباب أساسية تمنع ترامب من القيام بشن الحرب على إيران وهي:

أولا: أن ترامب الذي طالما أعلن أن بلاده انفقت 7 تريليون دولار على المنطقة (الحرب في العراق وأفغانستان وليبيا) ولم تحصل على شيء لا يريد توريط نفسه بتريليونات أخرى، خاصةأن إيران تختلف كليا عن هذه البلدان، وبالتالي فإن الحرب ضدها لن تكون كالحرب ضد صدام حسين أو القذافي أو طالبان.

ثانيا: إن الحرب تستلزم الإعداد لها، كإعداد الرأي العام الأميركي والمجتمع الدولي وموافقة الكونغرس، بالإضافة إلى الإعداد العسكري الذي يستلزم فترة لا تقل عن 6 شهور، وكذلك رصد ميزانية خاصة بهذه الحرب، وكل هذه المقدمات لم يقدم عليها ترامب.

ثالثا: إن الانتخابات الأميركية على الأبواب ومن المفترض أن تنتهي ولايته في 20 يناير 2021، فإذا خاض الحرب في الوقت الراهن فإن مصيره سيكون على يد عفريت، إذ يتعين عليه حسم كل شيء خلال سنة واحدة بما فيها الإعداد للحرب، فهل سيكون قادرا على تحقيق انتصار كاسح على إيران خلال سنة ليعتبره الأميركيون مؤهلا لدورة أخرى من رئاسة البلاد؟

لذلك فإن خوض الحرب مع إيران سيكون مغامرة كبيرة لا يمكن لترامب أن يحسم نتائجها، ومن المؤكد أن هذه المغامرة إذا خاضها ستؤثر بشكل مباشر على مستقبله وانتخابه لدورة رئاسية جديدة.

رابعا: ترامب حقق مكاسب كبيرة للوضع الاقتصادي للشعب الأميركي ولذلك فإن مستوى شعبيته ارتفعت في الآونة الأخيرة، مما يرفع حظوظه في الفوز بالانتخابات القادمة، ومن المؤكد أن أية مغامرة بالحرب ستطيح بكل المكاسب التي حققها.

خامسا: إن ترامب رجل أعمال وتاجر ويبحث عن المال، لذلك فإن أولويته هي الضغوط السياسية والاقتصادية وليس الحرب، ووفقا لما يعلنه فإن العقوبات التي فرضها على إيران بدأت تؤتي أكلها، فإذا كانت كذلك فهل من المعقول أنه يلجأ لخيار الحرب التي لا يدري ما هي عواقبها؟

سادسا: وفقا لتجربة الحرب الأميركية على العراق فإن الرئيس الأميركي السابق بوش لم يقدم عليها إلا بعد أن تأكد أنه لن يواجه ردا كبيرا من قبل النظام العراقي السابق، فبعد أن تلقت واشنطن كل المعلومات عن الأسلحة العراقية وقامت الأمم المتحدة بتدمير أسلحته الاستراتيجية شن الحرب على العراق، مما يشير إلى أن الولايات المتحدة لن تقدم على أي حرب لو لم تتأكد أن فرص الانتصار فيها أكثر من 70 بالمئة، بينما واشنطن لا تعلم مالذي تمتلكه إيران من أسلحة وقدرات، وكذلك قدرة حلفاءها على الأضرار بالمصالح الأميركية فضلا عن أن تدمير الأسلحة الاستراتيجة الإيرانية شبه مستحيل، لذلك فمن المستبعد أن تقرر شن الحرب على إيران.

هذه الأسباب الأساسية والثانوية تجعل إيران تستبعد الحرب عليها، ولكن ذلك لا يعني أنها لا تعد نفسها لأي احتمال حتى لو كان ضئيلا باندلاع الحرب، فالإيرانيون يحسبون حسابا لهامش التهور الأميركي أو وقوع الخطأ في الحسابات، لذلك في الوقت الذي يقولون فيه أن أميركا لا تريد الحرب وأنهم لا يريدون الحرب ولكن مع ذلك فإن طهران لديها الاستعداد الكامل للرد على أي عدوان.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2019/05/29

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد