آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
علي عواد
عن الكاتب :
صحافي لبناني

بديل «أندرويد» باقٍ: «هواوي» تنتصر على العقوبات

 

علي عواد

  
طرقت «غوغل» أبواب الساسة الأميركيين وحاولت جاهدة تمديد فترة السماح لـ«هواوي» (أ ف ب )


لم تصمد إدارة دونالد ترامب طويلاً أمام الضغوط المتصاعدة عليها لرفع الحظر الذي فرضته على شركة «هواوي» الصينية. ضغوط بدت في خلفيتها الخشية من آثار بعيدة المدى، من شأنها تهديد الهيمنة التكنولوجية الأميركية على العالم. لكن، على رغم تراجع ترامب عن إجراءاته الأخيرة مدفوعاً بنداءات داخلية وفشل على مستوى «تجنيد» الحلفاء الأوروبيين وعوامل أخرى، إلا أن العملاق الصيني لا يبدو أنه سيسكن إلى ذلك التراجع، بل إن المعطيات تؤكد أنه سيواصل اشتغاله على نظامه البديل، «تكيّفاً مع هذا العصر الجديد من العدائية الأميركية» على حدّ تعبير مؤسس «هواوي».
نجحت شركة «غوغل»، أخيراً، في إقناع صنّاع القرار في الولايات المتحدة بالعدول عن العقوبات التي فُرضت على شركة «هواوي» الصينية، أو في الحدّ الأدنى تأخيرها. نجاحٌ يتوّج مساراً من الضغوط التي مارستها الشركة الأميركية على إدارة دونالد ترامب، ربطاً بمخاوفها من تداعيات العقوبات التي يمكن القول إنها لو فُرضت على أي شركة في العالم، لأغلقت أبوابها في غضون أسابيع. لكن في حالة «هواوي»، يبدو الأمر مختلفاً، وهو ما ضاعف قلق «غوغل» من أن إجراءات ترامب قد تأتي بمفعول عكسي.
لفهم تلك الهواجس، يجدر الرجوع إلى المتطلّبات الأساسية التي تحتاجها أي شركة لصناعة هواتفها الذكية. بدايةً، يحتاج الهاتف الذكي إلى رقاقات إلكترونية، مثل وحدة المعالجة المركزية (CPU). ولكي تصنع الشركة ذلك، هي بحاجة إلى ترخيص من شركة «أرم» (ARM) البريطانية. هذه الشركة تنتج تصاميم للرقاقات الإلكترونية، وتبيع الرُّخص لمختلف شركات الهواتف حول العالم تقريباً (تفضل شركات الهاتف جلب التصاميم الجاهزة بدل تمويل مركز أبحاث داخلي للابتكارات في هذا الشأن)، لكن «أرم» أعلنت أنها ستوقف تعاملها مع «هواوي». وعلى رغم أنها في بريطانيا، إلا أن بعض تقنياتها تُستقدم من الولايات المتحدة، لذا شُمِلَت بالعقوبات.
كذلك، تستخدم «هواوي»، في أغلب هواتفها، شاشة خارجية من نوع «غوريلا»، تصنعها في الولايات المتحدة شركة «كورنينغ إنكوربوريتد»، التي شملتها العقوبات. أيضاً، أجهزة حفظ المعلومات، رقاقات الراديو للاتصالات اللاسلكية من الجيلين الثالث والرابع، نظام التشغيل «أندرويد» مع أغلب خدمات «غوغل» مثل متجر التطبيقات، الخرائط والبريد الإلكتروني، تطبيقات عملاق التواصل الاجتماعي «فايسبوك»، كل تلك الأشياء مُنعَت «هواوي» من الاستحصال عليها.

كيف تقلب الطاولة؟

عام 1991، تأسّست شركة «هاي سيليكون» في الصين، وتحديداً في مدينة شنزن. شركة إلكترونيات مملوكة بالكامل من قِبَل «هواوي»، تصنع، من بين منتجات متعددة، شرائح «كيرين» التي بتنا نجدها في هواتف «هواوي» الأعلى مرتبة. تقوم «كيرين» على ذكاء اصطناعي يعتمد أسلوب البرمجة العصبية (المشابه لعمل الجهاز العصبي لدى الإنسان). تشتري «هاي سيليكون» رخص تصاميم الرقاقات من شركة «أرم»، لتعود وتُنتجها مع بعض التعديلات. الجديد اليوم، أن هذه الشركة تقول إنها قادرة على صنع كل القطع الإلكترونية التي تحتاجها «هواوي»، من دون الحاجة إلى تصاميم «أرم». يمكن القول إذاً، إن «هواوي» باتت لديها القدرة على إنتاج هاتف جديد من الناحية التقنية ـــ الإلكترونية، من دون أي مساعدة خارجية. سيتطلب الأمر الكثير من الجهد وبعض الوقت، لكنه ليس مستحيلاً.

عام 2012 في شنزن، خلف الأبواب المغلقة والمحميّة من قِبَل حراس «هواوي»، بدأ مهندسو الشركة عملية إنتاج نظام تشغيل جديد بعيداً عن «الأندرويد». في غضون أشهر، ولد نظام التشغيل الجديد «أرك» (ARK). كان الأمر سرياً، لدرجة أنّ العاملين مُنعوا من إدخال هواتفهم إلى المبنى المخصص لصنع «أرك»، الذي سيُعرف في الصين باسم «هونغ منغ»، وباقي العالم باسم «أوك» (OAK). لكن تلك الجهود لم تكتمل، إذ أُخذت «هواوي» على حين غرّة، حتى إن مؤسس الشركة، رن شنغفي، قال: «لم نتوقع هذا الحجم من العقوبات دفعة واحدة». مع ذلك، بحسب موقع «فوربس»، وبعض التسريبات التي نشرتها صحيفة «غلوبال تايمز» الصينية، سيكون نظام التشغيل الجديد جاهزاً خلال فصل الخريف من العام الحالي، وسيكون أسرع بنسبة 60% من «أندرويد»، كذلك سيكون قادراً على تشغيل كل التطبيقات التي تعمل على «أندرويد»، لذا، لا حاجة لمطوّري التطبيقات حول العالم لإعادة كتابة برامجهم بلغة جديدة.

احتمال نجاح «هواوي» في التخلّي عن الـ«أندرويد» أثار رعب «غوغل»

لدى هواتف «هواوي» متجر تطبيقات خاص بها، اسمه «APP Gallery»، لم تهتمّ به الشركة في السابق كثيراً، وهو ما يظهر في افتقاره إلى العديد من التطبيقات التي يحتاجها المستخدمون.

أحد الحلول المقترحة لوضع متجر تطبيقات على نظام التشغيل الجديد من «هواوي»، متجر «أبتويد» (Aptoid)؛ متجر للتطبيقات ذو مصدر مفتوح، ويمكن أيَّ جهة أن تضع تطبيقاتها عليه، ما يجعل عملية الالتفاف على حجب تطبيقات «فايسبوك» سهلة جداً. مشكلة «Aptoid» أنّ تحديث التطبيقات عليه لا يكون عبر الشركة صاحبة التطبيق، بل عبر ما يسمى «مجتمع الـ Aptoid». لذا، نجد أحياناً أن بعض التطبيقات لم يجرِ تحديثها منذ عدة أشهر تقريباً، وبعضها الآخر منذ سنة أو سنتين. أضف إلى ذلك أن بعض التطبيقات المدفوعة يمكن إيجادها مقرصنةً، أي بالمجّان. غير أن العديد من المصادر ترجّح أنه إذا ما حصلت أي شراكة بين «هواوي» و«Aptoid»، فسينعكس ذلك بالإيجاب على المتجر، بما يحسّن من أدائه ويحمي مستخدميه من أي عملية قرصنة محتملة.

ما الذي تخافه «غوغل»؟

تتصل مخاوف «غوغل» الرئيسة بالأمن السيبراني. تزعم الشركة أنه في المستقبل، عندما تنتج «هواوي» هواتفها الجديدة مع نظام التشغيل الجديد، وإذا ما جرى التواصل بين هاتف من «هواوي» يحمل فيروسات أو مقرصن مع هاتف يعتمد نظام التشغيل «أندرويد»، فإن «غوغل» لن تكون قادرة على حماية مستخدميها من قرصنة داتا التواصل بين الهاتفين. تتحدث «غوغل» عن هذه المخاطر وكأن «هواوي» لا تهتم بأمن مستخدميها، مغفلة أن نظام التشغيل الجديد لم يصدر بعد، ولم يختبره محللو الأمن الرقمي! طرقت «غوغل» أبواب الساسة في الولايات المتحدة، وحاولت جاهدة تأخير فترة السماح لـ«هواوي» أو تمديدها لسنتين بدل الـ90 يوماً. كوّنت «لوبي» من الساسة الأميركيين يخدم قضيتها، وأتت المفاعيل سريعاً في «قمة العشرين» الأخيرة، حيث قال الرئيس الأميركي إن العقوبات ستُذلّل من أمام الشركة الصينية.
لم يحدث هذا نتيجة حسن النيات. خوف «غوغل» الحقيقي ينبع من أمرين رئيسين: أولهما أن احتمال نجاح «هواوي» في التخلّي عن الـ«أندرويد» بسهولة وسرعة أثار الرعب لديها؛ هي التي تجني الكثير من المال من دعم نظام «أندرويد» على شركات الهاتف التي تستخدمه حول العالم، في حين أن خروج «هواوي» من تحت مظلّتها سيُخسّرها ثلث قاعدة مستخدمي «أندرويد» في العالم تقريباً، ما يعني خسارة ثلث الأرباح. وثانيهما، بدء الحديث عن أن شركات آسيوية أخرى، مثل «شايومي» و«أبوبو» و«فيفو» قد بدأت بالفعل عملية اختبار نظام التشغيل «أوك» من «هواوي»، بعدما اعتاد العالم في السنوات السابقة ثنائية «أندرويد» من «غوغل» و«أي أو أس» من «أبل». لم ينسَ العالم بعد كيف ذُبحَت شركة «نوكيا» يوم اتخذت أسوأ قرار في حياتها، حين دخلت عالم الهواتف الذكية عبر نظام تشغيل من شركة «مايكروسوفت»، فيما اليوم، يبدو الوضع مواتياً لنظام تشغيل جديد للهواتف الذكية. وما تصريح بيل غايتس، مؤسس شركة «مايكروسوفت»، عن ندمه بسبب عدم التحاق «مايكروسوفت» بسوق أنظمة التشغيل للهواتف الذكية سريعاً، سوى إشارة إلى أن الثنائية المذكورة قد اهتزت، وبات هناك متسع لشركاء جدد.

حديث ترامب عن رفع الحظر عن «هواوي» لا يعني «العفو العام». لا، لن تعود الأمور كما كانت في السابق. حتى تعليق شنغفي على قرار ترامب بأن «أثره ضعيف، خصوصاً أن هواوي بدأت بالفعل تعديل أعمالها لتتكيّف مع هذا العصر الجديد من العدائية الأميركية»، وهي «ستستمر في التركيز على إتمام عملها بالشكل الصحيح»، يصبّ في هذه الخانة أيضاً. مفاعيل رفع العقوبات لم تتضح بعد، لكن بعض المصادر تقول إن الوضع الجديد سيكون كالآتي: تمديد فترة السماح لـ«هواوي»، وتسهيل شراء قطع من السوق الأميركية لا علاقة لها بتكنولوجيا الجيل الخامس للاتصالات اللاسلكية.

في المحصلة، نحن أمام شركة ولدت داخل جمهورية الصين الشعبية، استطاعت بعد سنوات قليلة على تأسيسها، أن تقف في وجه التفوق التقني الأميركي لتقول: نحن في «هواوي» قادرون على قلب المعادلات، ولقد كنا نستعدّ لمثل هذا اليوم منذ زمن. هذه تقنياتنا، الحقوا بها إذا ما استطعتم. قرار إزالة العقوبات ستتبيّن مفاعيله خلال الأيام المقبلة، فيما يبقى السؤال الأبرز حالياً: هل ستعود شركة «هواوي» إلى نظام «الأندرويد»، أم ستتجه ببطء إلى فرض نظام التشغيل الجديد «أوك»؟

صحيفة الأخبار اللبنانية

أضيف بتاريخ :2019/07/06

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد