آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

إيران تفِي بوعودها وتُؤكّد جدّيتها بتخصيبها لليورانيوم بمُعدّلات عالية..

عبد الباري عطوانأوفَت السلطات الإيرانيّة بوعدها، وبَدأت في استئناف تخصيب اليورانيوم اعتبارًا من يوم أمس الاحد، وبنسبة أعلى من المُتّفق عليه في الاتفاق النووي الذي جرى التوصّل إليه بينها وبين القِوى العُظمى عام 2015، وتُفيد تقارير شِبه رسميّة إلى أنّ مُعدّلات التّخصيب قد تصِل إلى 20 بالمئة في الأيّام القليلة المُقبلة.تنفيذ هذا الوعد، أو التهديد، مع انتهاء مدّة الـ60 يومًا التي أعطتها السلطات الإيرانيّة للدول الأوروبيّة التي طالبتها الاستمرار بالالتِزام في الاتّفاق رغم الانسحاب الأمريكي، يُؤكّد أنّها مُصمّمةٌ على التنصّل بشكلٍ تدريجيٍّ من بُنوده، الواحِد تلو الآخر، حتى يتم تخفيف العُقوبات المَفروضة عليها، وعودة نفطها إلى الأسواق العالميّة، أو الأوروبيّة على الأقل دون عوائِق.السيد عباس عراقجي أعطى اليوم الاثنين الدول الأوروبيّة مُهلة جديدة مِقدارها 60 يومًا لتخفيف العُقوبات، وإلا فإنّ إيران ستنتقل إلى تنفيذ المرحلة الثالثة من الاتفاق، وهي قد تعني من وجهة نظر بعض الخُبراء إضافة أكثر من عشرة آلاف جهاز طرد مركزي،  وتخصيب اليورانيوم بنسب قد تصل إلى 90 بالمئة وهي النسبة اللازمة لإنتاج رؤوس نوويّة، إذا تطلّب الأمر، وتأكّد أنّ كُل هذه الضّغوط لم تنجح في رفع الحِصار أو تخفيفه.***الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أعلن عن إرسال كبير مُستشاريه إلى طِهران غدًا الثلاثاء، في رسالةٍ عاجلةٍ إلى القيادة الإيرانيّة سعيًا لتخفيف التوتّر، ولكن من غير المُتوقّع أن يكون لهذه الرسالة أيّ تأثير إلا إذا كانت تحمل تعهّدًا جديًّا أوروبيًّا بخطوات عمليّة لرفع الحِصار، أو عدم التزام أوروبا وشُركائها بالعُقوبات الأمريكيّة على إيران.احتجاز بريطانيا لناقلة نفط تحمل 300 ألف طن من النفط الايراني كانت في طريقها إلى مياه البحر المتوسط عبر مضيق باب المندب، كان القشّة التي قصَمت ظهر بعير الصّبر الإيراني، ودفعت القِيادة الإيرانيّة إلى البدء في تخصيب اليورانيوم دون تردّد، وفق مُعدّلات أعلى من المَنصوص عليها في الاتفاق، فهذا الاحتجاز لم يكُن قانونيًّا ووفق قرارات صادرة عن الأمم المتحدة ومجلس أمنها الدولي، وإنّما وفق عقوبات أوروبيّة مفروضة على سورية التي من المُفترض أن تكون هذه النّاقلة مُتوجّهة إليها، وهو ما نفته السلطات الإيرانيّة.بريطانيا هي أحد ثلاث دول أوروبيّة وقّعت الاتفاق النووي، واحتجازها ناقلة إيرانيّة بطلبٍ من الرئيس دونالد ترامب وإدارته، يعني أنّها تقف في الخندق الأمريكي في مُواجهة إيران، ولا نستبعِد أن تكون الدولتين الأخريين، أيّ فرنسا والمانيا، تقِفان الموقف نفسه دون إعلانٍ رسميّ.السلطات الإيرانيّة وصفت هذه الخطوات البريطانيّة بأنّها عمليّة “قرصنة”، وتعهّدت بالرّد، ولكن دون أن تُوضِح عن مضمونه، ولن نُفاجأ إذا ما جاء هذا الرّد مُماثلًا، أيّ احتجاز ناقلة بريطانيّة في مضيق هرمز، أو استهداف سفينة أخرى من قبل حُلفاء إيران في البحرين الأحمر أو المتوسط، فالنّاقلة بالنّاقلة، والمضيق بالمضيق، والبادِي أظلم، مثلَما يقول مسؤولون إيرانيّون.التّصعيد هو العُنوان الأبرز، والأدق توصيفًا لتطوّرات الأيّام الأخيرة، فإقدام إيران على التّخصيب تأكيد على جديّة مواقفها، واستِعدادها للوصول إلى نهاية الشّوط، أيّ الحرب إذا اقتضى الأمر، ورسالتها إلى خصميها الأمريكي والإسرائيلي وحُلفائهما العرب واضحة، تقول مُفرداتها أنّها ستُقاوم الحِصار بشتّى الطّرق والوسائل، ولن ترفع الراية البيضاء أمام التّهديدات الأمريكيّة مهما تعاظَمت قوّتها.الأمر الغريب، والمُثير للغضب في آن، أن يتّهم المسؤولون الأمريكيّون، وعلى رأسهم الرئيس ترامب إيران بخرق الاتفاق النووي، ويُكرّر آخرون، خاصّةً في أوروبا، ووكالة الطاقة الذريّة في فيينا، وينسى هؤلاء جميعًا أنّ إدارة ترامب هي التي انسحبت كُلِّيًّا من الاتّفاق، وأنّ إيران استمرّت بالالتزام به لأكثر من عام، على أمل أن يُوجّه العالم المُنافق كلمة لومٍ واحدة إلى هذه الإدارة، ويُدين عُقوباتها، ويُطالبها بالالتزام بتوقيعها وكل تعهّداتها بالتّالي.إيران بموقفها الصلب في مُواجهة هذين القوّتين الأمريكيّة والأوروبيّة، تُحاول وضع حد لغطرستهما، وإجبارهما على احترام الاتّفاقات التي يعقدانها، ومع دول العالم الثالث خُصوصًا، إيران تتحدّث باسم الفِلسطينيين الذين وقّعوا اتّفاق أوسلو مع إسرائيل قبل 26 عامًا، ولم يُنفّذ بندًا واحدًا منه، وباسم العِراقيين الذي جرى احتلال بلادهم تحت ادّعاءات كاذبة ومُفبركة حول أسلحة الدمار الشامل، وباسم الليبيين الذين تعرّضت بلادهم لقصف سجّادي من حلف “الناتو” وطائراته وتحويلها إلى دولةٍ فاشلةٍ انتقامًا من رئيس أراد الدينار الذهبي الإفريقي بديلًا عن الهيمنة الماليّة الفرنسيّة والأوروبيّة، وباسم مُعظم السوريين الذين أرادت أمريكا وحُلفاؤها العرب تمزيق دولتهم، وإزالتها عن الخريطة كقُوّةٍ إقليميّةٍ ترفُض الخُنوع للإملاءات الإسرائيليّة وتتنازل بالتّالي عن أراضيها والأراضي الفِلسطينيّة.***من الذي أعطى أمريكا الحق بفرض عُقوبات يمينًا وشِمالًا لكل دولة، عُظمى كانت أو صُغرى، ترفُض إملاءاتها وهيمنتها على النّظام المالي العالمي؟، ومن الذي أعطى أوروبا الحق في منع الوقود والطّعام عن أكثر من 40 مليون سوري وعِراقي و70 مِليون إيراني؟هذا العالم الغربي الذي تتزعّمه أمريكا وإسرائيل لا يحترم تعهّداته، ولا الاتّفاقات التي يُوقّعها، ولهذا يجِب الوقوف في خندق إيران التي تُحاول تصحيح هذا الوضع الاستِكباري الأعوج، وتضع كلمة النّهاية لمُسلسلاته الاستفزازيّة، سواء اتّفقنا معها أو اختلفنا، فقد طفَح الكيل، ولا بُد من انتفاضةٍ عالميةٍ تضع حدًّا لهذا الاستِخفاف، ولهذهِ المهازل.صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2019/07/09

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد