آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الوهاب الشرفي
عن الكاتب :
‏‏‏محاسب قانوني معتمد ، رئيس مركز الرصد الديمقراطي (اليمن) ، كاتب ومحلل سياسي .

ما وراء تسريب الإمارات إعادة نشر قوتها في اليمن؟ وهل تخلت عن السعودية لتواجه ورطتها منفردة؟

 

عبدالوهاب الشرفي

سُرّب قبل الأمس تصريح عن من وصف بالمسئول الإماراتي الرفيع بأن الأمارات تعيد نشر قواتها في اليمن وأنها ستتحول من الأسلوب العسكري إلى أسلوب العمل على السلام ، وكان هذا التصريح المسرب مصمما بطريقة خاصة ترتب عليها عدم وضوح كامل لما الذي تقوم به الإمارات بالتحديد ، فقرأه البعض قرار بالانسحاب وقراه البعض انه تقليص للقوة الإماراتية في اليمن و البعض قرأه مناورة سياسية أو تكتيك حربي و غيره .

كانت الإمارات بعد الضربة القاسية التي راح ضحيتها أكثر من مئة عسكري إماراتي في مأرب في بداية العدوان على اليمن قد إعادة تريب حضورها العسكري في اليمن بشكل هيكلي وسحبت جنودها و سحبت الأسلحة النوعية التي كانت قد دخلت المعركة مع جنودها و لم تعد المشاركة الإماراتية في اليمن إلا بعدد من القيادات العسكرية في غرف  العمليات وعدد من الاستخباريين يديرون المشهد الأمني والإداري في مناطق سيطرتها جنوب اليمن دون ظهور ، وبالتالي فالحديث عن انسحاب الإمارات من اليمن أمر قد تم وجرجرت ألياتها وخيباتها منذ وقت مبكر ، وأي تصور لانسحاب حاليا لن يعني إلا سحب ما تبقى من قيادات عسكرية وعناصر استخبارية تتولى السيطرة المركزية على تحرك القوات التي انشئتها من اليمنيين تحت مسمياة النخب و الأحزمة الأمنية و حراس الجمهورية .

يغطي التحالف السعودي حربه على اليمن بإعادة ” الشرعية ” لكن بات مفهوما للجميع أن هذا عنوان لا أكثر بينما الحرب لها أجنداتها البعيدة عن ” شرعية و ما شرعية ” ، ويصدق هذا بحق السعودية وحق الإمارات لكن السعودية تعمل لأجندتها بشكل مؤارب لا يظهر بسفور تصادمه مع عنوان الدخل في اليمن لإعادة ” الشرعية ” بينما الإمارات تعمل لأجندتها بشكل سافر وواضح و فاضح وتصتدم مع التمكين ” للشرعية ” بشكل مباشر و تخوض مع هذا الطرف سجالا بل كان قد وصل لصدام لغير مرة .


ما تفعله الإمارات في اليمن و جنوبه بدرجة محورية ليس إعادة ” الشرعية ” نعم ولكنه ليس غامضا أيضا ، فما تفعله في اليمن هو ذاته الذي تفعله في مختلف الملفات التي تدخلت فيها الإمارات من الملف المصري إلى الليبي إلى غيرها من الملفات ، وهو ذات الصراع الذي تديره تحت يافطة مواجهة الإخوان وان كان محله اليمني  هو حزب الإصلاح اليمني الذي يمثل النسبة الغالبة في تركيبة ما تسمى ” الشرعية ” ، و على ذلك فمسألة سحب مابقي للأمارات من قيادات وعناصر استخبارية من اليمن لن تحدث إلا إذا تخلت عن مشروعها في اليمن ولن تتخلى عن مشروعها في اليمن الأقرب إليها إلا إذا تخلت عن مشروعها في الملفات الأخرى التي تعمل فيها ، أي لن تسحب قياداتها و عناصرها الاستخبارية إلا إذا تخلت عن دورها الإقليمي بالأساس وهذا قطعا لم يحدث وبالتالي لا سحب حتى لما هو باق للإمارات في اليمن  .


شيئ من التأمل في التسريب الإماراتي يكشف أن هذا التسريب مصمم بحرفية وأنه ناتج عن حسابات تمت للدور الإماراتي في اليمن خلال المرحلة القادمة ، و هذا التسريب ذكر إعادة نشر قوة الإمارات في اليمن وليس انسحاب وهذا أمر ليس لأول مرة تقوم به الإمارات فهي تستبدل من قياداتها وعناصرها بآخرين من وقت لأخر، ومن قراء التسريب على أنه انسحاب بنى ذلك على أن التسريب تحدث عن التخلي عن العمل العسكري إلى العمل على السلام ، لكن الأمر ليس كذلك لاعتبارات أن ذلك يتطلب تخلي الإمارات عن الدور الذي تلعبه في الإقليم ككل .

التسريب الإماراتي لم يأتي دون مقدمات فمن يتابع الملف اليمني يعرف أن الإمارات قامت بالفعل بتحركات في إطار مابقي لها من قوة في اليمن بالفعل ، وإذا كان الأمر ليس انسحابا ولا سحب للقيادات و العناصر في اليمن فما هو الذي تم بالفعل ؟ ، وربما ان التسريب هو خير من يقدم إجابة لهذا السؤال فما تم في إطار مابقي من قوة الإمارات في اليمن ليس واحدا فقد وصفه التسريب بأنه تكتيكي في بعضه و استراتيجي في بعضه الآخر .


سحبت الإمارات مابقي لها من قوة في مأرب الخاضعة لسيطرة سلطة ” الشرعية ”  والمركز الحيوي الأول لحزب الإصلاح اليمني في البلد و هذا الانسحاب وصفته بالتكتيكي وإعادة نشر قوتها باتجاه جبهة الساحل الغربي وهذه الإعادة لنشر القوة وصفتها بالاستراتيجي.

قبل هذا التسريب وأثناء إعادة نشر القوة الإماراتية كانت التصريحات من طرف الحراك الجنوبي الانتقالي الممثل الرسمي للوجود الإماراتي في جنوب اليمن تطلق التهديدات بأنها ستطهر محافظة حضرموت ملوحة بذلك باتجاه قوة سلطة هادي في المحافظة ، كما تخوض القوات الحراكية ” النخب ” صراعا باتجاهات مختلفة في شبوة منها ضد قوات سلطة هادي ومنها ضد مكونات اجتماعية رافضة للدور الإماراتي في الجنوب اليمني ، وفي غمرة هذه التلويحات و المواجهات كانت الآليات العسكرية تتدفق إلى الجنوب بشكل ملفت انتظره البعض في جبهة الساحل الغربي لكنه لم يصل إلى هناك و ضاع أثره في محافظات الجنوب نفسها .

ليس فقط تدفق السلاح وزيادة العسكرة لأبناء الجنوب و التموضع وبدء صراعات على الأرض وإنما كان هناك عمل ملحوظ في سبيل استكمال بنية الحراك الجنوبي الانتقالي و استكمال وحدات تنظيمية تتبعه رسميا تغطي كامل رقعة جنوب اليمن ، ومرابطة التفاصيل يضعنا أمام احتمال قوي أن هناك ماهو مخطط وتزمع الإمارات أن تخرجه في محافظات الجنوب وأن هذا الأمر أن تحقق فلن يكون إلا ضد قوة هادي أو ماتسمى ” الشرعية ” وكل من هو غير راض عن الدور الذي تلعبه الإمارات هناك ، وكما هو أسلوب الإمارات في العمل بتجهيز القوة الموالية لها ثم إطلاقها لمعركتها عند ذلك كما حدث مثلا مع قوة ” حفتر ” في ليبيا فان  سمات هذا الاحتمال قائمة في جنوب اليمن وان الإمارات تخطط لإطلاق الموالين لها بعد اكتمال تجهيزهم عسكريا وتنظيميا ضد قوات ” هادي ” في الجنوب و هذا هو الذي فرض سحب مابقي لها من القوة في مأرب كي لا يكونوا عرضة للانتقام على خلفية الصراع الذي يفتح ضد ” الشرعية ” – و حزب الإصلاح المكون الرئيس فيها – في المحافظات الجنوبية ، ولهذا وصفت سحب قواتها هناك بالتكتيكي لان معركتها التي تخوضها في اليمن مسايرة مع معاركها في غير ملف في الإقليم لازالت مستمرة و لن تتخلى عنها وفقط هي تتحوط لقوتها الباقية بين يدي الأصلاح كي لا تتكرر تجربة قوتها في مأرب التي حصلت في بداية العدوان على اليمن .

يتولى ” غريفث ” العمل بتركيز على جبهة الساحل الغربي لليمن وفي إطار ما يعرف باتفاق ” استوكهلم ” ، وأثناء عمله هذا يجري تفاهمات مع الحوثيين تمت على الأرض ، و زار ”  غريفيث ” روسيا مؤخرا بعد تواري الموقف الروسي في الملف اليمني بعد أحداث صنعاء التي قتل فيها الرئيس اليمني السابق صالح وهو ما يعني أن موقفا روسيا من جبهة الساحل متوقعا من جديد ما قد يعيق العمل العسكري باتجاه مدينة الحديدة كما حصل من قبل ، وان ما يفعله ” غريفث ” ربما هو الأنجع والأسهل في ظل هذا التوقع لترتيب وضع جبهة الحديدة من العمل العسكري .


في ذات الوقت تشهد المنطقة توترا عاليا على خلفية الملف الإيراني وهذا يفرض إعادة ترتيب القوة الإماراتية ككل للجهوزية لأي تطورات قد تفاجئ في المنطقة والإمارات تحتفظ بقيادات عسكرية وعناصر استخبارية مؤهلة لإدارة الحرب في اليمن و تجربتها قد صقلت أكثر ،  والتطورات في الإقليم تجعل الحاجة لها داخل الإمارات مقدمة على الحاجة لها في اليمن كما أن هذه القيادات والمناطق التي تتموضع فيها تفرض وجود أسلحة خاصة في مقدمتها بطاريات صواريخ الدفاع الجوي و تطورات الإقليم تجعل حاجة الإمارات الدولة لهذه الأسلحة أكثر من الحاجة في اليمن ولهذا غيرت من تلك القيادات و العناصر وبدلتهم بآخرين وإعادة نشرهم في مناطق اقل احتمالا لتعرضهم للخطر أو قصرت دورهم الرئيسي على محافظات الجنوب حيث معركتها الرئيسية و سحبت الأسلحة الخاصة لتشغيلها في دولتها .

منذ رمضان المنصرم تقريبا دخلت قوة أنصارالله مرحلة جديدة ودخل الخدمة الطيران المسير بدور مستمر و كذا صواريخ جديدة ذات أمدية تطال الأراضي الإماراتية و أنواع جديدة أيضا منها الكروز بعد اقتصار الصواريخ على الباليستي وتحدث انصارالله عن مرحلة جديدة و عن أهداف محددة ستستهدف في دول العدوان وليس السعودية وحسب ، وهذا الأمر يطرح أن تفضل الإمارات النجاة بنفسها من أي ضربات تطال منشأت حيوية لها قائما و ما قد يعرضها بدرجة رئيسية لذلك هو جبهة الساحل الغربي الذي سيرد أنصارالله على أي هجوم فيها بالضرب في الداخل الإماراتي حتما  ، ولكون المعركة الرئيسية للإمارات هي مع الإصلاح  فستفضل أن تقتصر بأعمالها العسكرية وتواجد قياداتها وعناصرها على المحافظات الجنوبية وتتخلى عن الجبهات التي تتواجه فيها مع قوات أنصارالله وتنسحب عمليا من الحرب ضدهم تاركة السعودية لحالها في هذه المواجهة خصوصا في ظل المنافسة الحادة بينهما في المحافظات الجنوبية التي تحسب فيها على السعودية فرض بقاء حكومة ” معين عبدالملك ” في عدن و العمل المحوري في محافظة شبوة و كذا قبلها المواجهة في ملف سقطرى و السماح بتوجيه رسالة من ” هادي ” للأمم المتحدة تشكو بالإمارات ، وليس هناك ما يمنع أن يتم التخلي عن جبهة الساحل مقابل عدم الضرب في الداخل الإماراتي أمرا اتفاقيا مع أنصارالله لحساسية ملف الحديدة بالنسبة لأنصارالله أيضا  .


تبعا لكل هذه العوامل في جبهة الساحل الغربي وصفت الإمارات إعادة نشر قواتها هناك بالاستراتيجي أي أنها اتخذت قرار استراتيجيا في حربها في اليمن تخلت بموجبه عن دورها في المعارك ضد أنصارالله وتخلت عن السعودية بالتبعية وستقتصر  فقط على معركتها في المحافظات الجنوبية ضد قوات ” الشرعية ” التي تراها في جوهرها حزب الإصلاح الذي هو بدوره إخوان اليمن والخصم الرئيس للإمارات في الإقليم ككل وليس في اليمن فقط .

تظل هذه القراءة منطلقة من تسريب تم تداوله بشكل كبير وليس موقفا رسميا أعلنته الإمارات ،  وهو يمثل إعادة تموضع في الملف اليمني باتجاه الوضع الذي تراه الإمارات هو الأسلم لها مع تمسكها بمعركتها التي تخوضها في الإقليم ككل ، و لكونه تسريبا خبريا يظل للتصورات أن ذلك خدعه ضمن ترتيب لمهاجمة الحديدة أمرا مطروحا ولو باحتمال ضئيل ولا يجب إغفاله حتى تتبين الأمور تماما من خلال الواقع وأين تنتهي عملية إعادة التموضع التي دخلتها الإمارات .


صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2019/07/11

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد