آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. محمود البازي
عن الكاتب :
دكتوراة في القانون الخاص وعضو في كرسي حقوق الإنسان

احتجاز ناقلة النفط الإيرانية من الناحية القانونية وأثره على الملاحة البحرية

 

محمود البازي

تأخذ ردود الفعل الإيرانية حول احتجاز حاملة نفط إيرانية منحى تصاعدياً وتشديداً في اللهجة ضد الحكومة البريطانية. قامت سلطات جبل طارق باحتجاز سفينة كانت محمّلة بالنفط ومتّجهة إلى سورياـ مؤكّدة أن ذلك يمثل خرقاً للحظر المفروض على سوريا.
قال رئيس حكومة جبل طارق، فابيان بيكاردو، إن "هيئات الموانئ وفرض القانون في جبل طارق احتجزت ناقلة نفط تحمل النفط الخام إلى مصفاة بانياس في سوريا، وهي ملك لكيان يخضع لعقوبات الاتحاد الأوروبي.

ولفت إلى أن حكومته وجدت أسباباً وجيهة للاعتقاد بأن حمولة السفينة، التي تحمل إسم "غريس 1"، تخرق عقوبات الاتحاد الأوروبي المفروضة على سوريا.

على الطرف الآخر صعّد المسؤولون الإيرانيون اللهجة مُطالبين بالإفراج عن السفينة فوراً. ويتعرّض المسؤولون الإيرانيون لضغوط داخلية تطالبهم بالتحرّك الفوري للإفراج عن حاملة النفط. فصحيفة "كيهان" صاحبة التوجّهات المحافظة خاطبت حكومة بلادها قائلة: "اقتصر رد الحكومة الإيرانية، على استيلاء القراصنة الثعالب الكهلة على ناقلة النفط الإيرانية اقتصر على استدعاء السفير البريطاني وحفنة من التغريدات. ما يتوقعه الرأي العام في إيران هو إغلاق مضيق هرمز بوجه ناقلات النفط البريطانية وسفنها والإستيلاء عليها، كمعاملة بالمثل وهذه الإجراءات هي مشروعة بالكامل".

وعلى إثر وقف حاملة النفط ثارت الشكوك حول من المقصود بهذا الوقف هل هي سوريا أم إيران؟ في البداية وبالنظر إلى التصريح الذي أدلى به رئيس حكومة "جبل طارق" نلاحظ أن الرجل لم يذكر كلمة إيران ابداً في سعي منه لإيهام الرأي العام على أن عمله ما كان إلا تنفيذا لعقوبات الإتحاد الأوروبي على سوريا. من جهة أخرى قال بيكاردو إنه بعث رسالة إلى رئيسي المفوضية الأوروبية والمجلس الأوروبي توضح تفاصيل العقوبات التي طبّقها. وبدورها قالت الخارجية البريطانية "نرحّب بهذا العمل الحاسِم من قِبَل سلطات جبل طارق التي عملت على تطبيق نظام عقوبات الاتحاد الأوروبي على سوريا".

إلا أن تصريح وزير الخارجية الإسباني جوسيب بوريل قلَبَ الموازين رأساً على عقب حيث قال: "إن الولايات المتحدة طلبت اعتراض ناقلة النفط. وقال نحن في صدَد دراسة الظروف التي رافقت هذه المسألة، لقد كان هناك طلب وجّهته الولايات المتحدة إلى المملكة المتحدة لاعتراض ناقلة النفط". حيث يوضح هذا التصريح بشكل جليّ لا لُبس فيه أن المُستهدَف كان إيران، وأن البحرية البريطانية كانت تنفّذ طلباً أميركياً.

احتجاز حاملة النفط الإيرانية عمل غير مشروع من الناحية القانونية:
من الناحية القانونية هل يحقّ لحكومة جبل طارق أو كما تتم تسميتها بالإنكليزية (Gibraltar ) احتجاز السفينة؟ وهل المبرّرات التي استند إليها رئيس الوزراء قانونية؟
الجواب يبدأ من المستندات القانونية التي أشار إليها رئيس حكومة جبل طارق حيث قال في بيان مكتوب: في نطاق ممارسة الصلاحيات الممنوحة لي بموجب المادة 5 من لائحة العقوبات لجبل طارق التي أُقرّت عام 2019، وبعد أن تقرّر أن هناك أسباباً معقولة للقيام بذلك، فقد قمنا بتحديد السفينة التالية باعتبارها سفينة محدّدة “specified ships” وتخرق العقوبات المفروضة على سوريا".
تحت بند "عقوبات الشحن" وبإسم ملاحظة تنصّ المادة الخامسة من لوائح عقوبات 2019 لجبل طارق على مايلي:

   يجوز لرئيس الوزراء اعتبار سفينة على أنها سفينة محدّدة بنشر إشعار رسمي في الجريدة الرسمية وذلك في حال كانت لديه أسباب معقولة للشك في أن السفينة التي عينها في الإشعار باعتبارها سفينة محدّدة، تشكل خرقاً للعقوبات المفروضة من قِبَل الإتحاد الأوروبي أو من المحتمل أنها تشكل خرقاً لعقوبات فرضها الإتحاد الأوروبي". 

إذا الإستناد القانوني في توقيف حاملة النفط الإيرانية مبتنٍ على أن السفينة إما أنها خرقت أو أنها من المحتمل أن تخرق العقوبات التي فرضها الإتحاد الأوروبي على سوريا.
وبالعودة إلى العقوبات التي فرضها الإتحاد الأوروبي تتّضح هشاشة هذا الإستناد وأن وقف حاملة النفط تم بطريقة تعسفية وغير قانونية.
أقرّ المجلس الأوروبي في 2 سبتمبر 2011، قانون عقوبات شامل يستهدف كيانات وشخصيات سوريّة إلى جانب استهداف النفط السوري حيث ورد في المادة السادسة من هذا القانون ما يلي:" يُحظر استيراد وشراء ونقل النفط والمُنتجات النفطية التي منشأها أو تم استيرادها من سوريا".
 

كما قرّرت أيضاً توسيع قائمة الأفراد والكيانات (الذين يطلق عليهم "الأشخاص المعينون") الذين يخضعون لتجميد الأصول والعديد من العقوبات الأخرى على البنك المركزي السوري وغيره من الشخصيات والكيانات السورية ولن نناقش هذا الموضوع لإنه خارج نطاق بحثنا. هذه العقوبات الأوروبية ضد استيراد النفط السوري التي تعتبر مهمة لأن الاتحاد الأوروبي كان يعتبر من أكبر الأسواق المستوردة للنفط السوري سابقاً. بلغ إنتاج سوريا من النفط قبل الأزمة حوالى 385،000 برميل من النفط يومياً، وكانت سوريا تصدّر حوالى 150،000 برميل يومياً، يذهب معظمها إلى الدول الأوروبية، وخاصة هولندا وإيطاليا وفرنسا وإسبانيا. الجدير بالذكر أن سوريا قامت بتصدير 3.1 مليار يورو من النفط الخام والمنتجات النفطية إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2010م. (92 % من إجمالي صادراتها إلى أوروبا).  هذا وقد أعلن الاتحاد الأوروبي، أيار/مايو الماضي، قراره بتمديد مدة العقوبات والتدابير التقيدية، والتي تستهدف أشخاصاً ومؤسّسات واستيراد النفط الخام من سوريا حتى الأول من حزيران/يونيو 2020. إذاً نصّ المادة السادسة من قانون عقوبات الاتحاد الأوربي ضد سوريا واضح للغاية ولا يدع مجالاً للشك أن الإجراءات التي قامت بها حكومة جبل طارق ومن خلفها البحرية البريطانية هي إجراءات تعسّفية وغير قانونية ، إذاً أن المستهدّف من هذه العقوبات هو صادرات النفط السوري إلى الاتحاد الأوروبي ولم يرد ذكر توريد النفط إلى سوريا في أي بند من بنود قانون العقوبات الأوروبي لعام 2011م.
أما مَن يحاول القول بأن عقوبات النفط مفروضة مسبقاً على إيران. فيجب أن نخبرهم بأن هذه العقوبات تم تعليقها بشكل كامل بعد الإتفاق النووي الإيراني ولا توجد أية عقوبات على النفط الإيراني سوى العقوبات الأميركية الأحادية الجانب وهذه العقوبات هي خارج إطار الإتفاق النووي الإيراني الذي لم يمت بعد.

الدور الأميركي في احتجاز حامِلة النفط وخطورة هذا الموقف:
كانت هذه أول عملية من نوعها منذ إقرار الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة العقوبات النفطية على سوريا في عام 2011، إذ لم يسبق أن قامت السلطات الأوروبية بأيّ إجراء عملي مثل هذا.

وعملت واشنطن خلال الأشهر الماضية على التضييق على الواردات النفطية إلى سوريا، وقد عمدت القطع البحرية الأميركية المنتشرة في البحر الأبيض المتوسّط خلال العامين الماضيين، على اعتراض ناقلات النفط المتّجهة إلى سوريا، وقيّدت بياناتها من دون احتجازها، الأمر الذي أثار قلق شركات شحن النفط، إلا أن المقصود من عملية وقف حاملة النفط ليس سوريا بل إيران كما ذكرنا آنفاً. الحكومة الأميركية انسحبت من الاتفاق النووي الإيراني وقامت بفرض عقوبات اقتصادية على إيران بشكل أحادي، واستهدفت بشكل أساسي قطاع النفط الذي يعتمد عليه بشكل كبير الاقتصاد الإيراني. إلا أن العقوبات الأميركية في مجال النفط كانت ضد الشركات والدول التي يتم توريد النفط الإيراني إليها، ولم تلجأ واشنطن أبداً إلى اعتراض حاملات النفط الإيرانية . تشكّل هذه السابقة (طلب الولايات المتحدة من بريطانيا اعتراض ناقلة النفط الإيرانية غريس 1) سابقة خطيرة للغاية وهي تهدّد بشكلٍ أو بآخر الأمن والسلم الدوليين. وهي تعارض تماماً ما يصفه الرئيس دونالد ترامب بالدعوة للتفاوض، إذ لا يفهم من هذه التحرّكات إلا شيء واحد وهو عجز العقوبات الاقتصادية ومحاولة اعتراض حاملات النفط الإيرانية في البحر وهذا ما لا يبشّر بخير أبداً.

الردّ الإيراني:

إيران اليوم تتمتّع بموقف قانوني ممتاز فعلى الصعيد القانوني تستطيع إيران كخطوةٍ أولى أن تقدّم اعتراضاً على هذا الإحتجاز بحجّة عدم الولاية القضائية لجبل طارق، وإدعائهم سيكون مبنياً على النزاعات طويلة الأمد بين إسبانيا وجبل وطارق وبريطانيا. فالولاية القضائية هي للسلطات الإسبانية.  ومدريد بدورها لا تفوّت أية فرصة لإثبات سيادتها على مياه مضيق جبل طارق وهو النزاع القديم الذي ما فتئ يوتّر العلاقات بين البلدين. وبموجب اتفاقية أوتريشت، تسيطر المملكة المتحدة منذ سنة 1715 على مضيق جبل طارق، وتُقرّ تلك الاتفاقية على أن المياه الخاضعة للسيادة البريطانية لا تتعدّى الميناء البحري ومياهه الداخلية، بينما تُصرّ لندن على أن حدودها البحرية تصل حتى ثلاثة أميال بحرية خارج نطاق المضيق. وتُشير المعطيات المتوّفرة إلى أن السفينة الإيرانية كانت تُبحر على مسافة تزيد عن أربعة كيلومترات من المضيق في منطقة تزوّد السفن التي تعبر المضيق.

كمرحلة ثانية يمكن للإيرانيين الاعتراض على استدلال رئيس حكومة جبل طارق إذ أن المادة الخامسة من قانون عقوبات جبل طارق لا تخوله الحق باحتجاز سفينة لا تنتهك المادة السادسة من قانون عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد سوريا الذي تمّ إقراره عام 2011م.

وهذا الإجراء هو إجراء تعسّفي وغير قانوني ينجم عنه ما نودّ ذِكره وهو المرحلة الثالثة وهو المطالبة بتعويض الخسائر التي تكبّدتها حاملة النفط خلال عملية وقفها غير المشروعة وغير القانونية ومطالبة قبطان السفينة والبحارة على متنها بالتعويض عن الضرّر المادي والمعنوي نتيجة الاحتجاز غير المشروع وفقاً للقوانين والأعراف الدولية التي تنظّم سَيْر السفن في المياه الإقليمية وأعالي البحار.
إن تصرّف السلطات البريطانية وامتثالها لطلب الولايات المتحدة قد يُهدّد الملاحة البحرية في العالم ، فاليوم يتوعَّد الإيرانيون أن هذا الاحتجاز لن يمرّ من دون رد. على الجانب الآخر فإن شركة "بي بي" البترولية تتحسّب لارتدادات حادثة احتجاز ناقلة النفط الإيرانية في مياه جبل طارق. بحسب وكالة بلومبرغ.
حيث قرّرت شركة "بي بي" البريطانية إبقاء ناقلة نفط داخل مياه الخليج خشية أن تقوم إيران بالاستيلاء عليها، كردّ فعل على قيام سلطات جبل طارق مؤخراً باحتجاز سفينة مُحمَّلة بالنفط الإيراني وإخضاع أفرادها للاستجواب.
وكانت سفينة "التراث" البريطانية، القادِرة على حمل نحو مليون برميل من النفط، مُبحِرة باتجاه محطّة البصرة في جنوب العراق، عندما غيَّرت مسارها بشكلٍ مُفاجئ، وتوجَّهت إلى قبالة السواحل السعودية، وكان ذلك في السادس من شهر تموز/يوليو الجاري.

سنراقب المشهد عن قُرب ونتمنّى أن يُطلَق سراح حاملة النفط كي لا تتحوَّل مياه البحار إلى ساحة صِراعات وعمليات قرصنة غير مشروعة.

لصالح موقع الميادين نت

أضيف بتاريخ :2019/07/17

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد