آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. وفيق إبراهيم
عن الكاتب :
باحث استراتيجي متخصص في شؤون الشرق الأوسط

لبنان بحاجة لمعادلة جديدة...

د. وفيق إبراهيم الانسدادات التي تعطّل العمل الحكومي، بسبب الخلاف على بعض نقاط الموازنة المقترحة أو على معالجة «جريمة قبرشمون» أو أيّ موضوع خلافي آخر بين «قوى السلطة»، تعكس انسداداً كبيراً يُخفي انهيار «معادلة حكم» أصبحت رميمة أكثر من خلافات على الاستئثار بمغانم.المؤكد حتى الآن، هو هروب الأطراف الأساسية من مناقشة الداء الفعلي ومواصلتها الهروب نحو شعارات عمومية لا تفكّ مسألة شديدة التعقيد.فاتهام كلّ من حزب الله بتأجيج الصراع الدرزي ـ الدرزي وجبران باسيل بافتعال خلافات لتحسين شعبيته وتهيئة الأوضاع لتوليه رئاسة الجمهورية بعد انتهاء مرحلة الرئيس عون، واعتبار سورية مسؤولة عن محاصرة الوزير السابق وليد جنبلاط، وصولاً إلى اتهام إيران برعاية التآمر على الحلف السعودي ـ الأميركي في لبنان…كلّ هذه الاتهامات لا تخفي وجود علّة بنيوية في معادلة الحكم اللبنانية أوصلتها إلى حالة عجز في إدارة النزاعات بين قواها الداخلية، فلا سورية جاهزة لإدارة لبنان وتعتبر أنّ حزب الله وحلفاءها الآخرين جديرون بتعبئة هذه المهمة، أما إيران، فلم يسبق لها أن أطلقت تصريحاً واحداً يتعلق بتفصيل سياسي او اقتصادي داخلي لبناني، ما يدلّ على مدى ثقتها بحلفائها الداخليين الذين يتعاملون مع ضغوط خليجية وأميركية وأوروبية و»إسرائيلية» تتناوب على لبنان، بعزيمة أمام الخارج وصبر أيوب أمام الخارج فيما الساحة الداخلية مفتوحة لموفدين أميركيين وسعوديين وإماراتيين وسفرائهم في لبنان، يختالون فيها ويرعون لقاءات ومقابلات و»صبحيات» ومناسف، لا يمكن أن تقبل بها دولة في العالم تحرص على الحدّ الأدنى من سيادتها.أين هي المشكلة؟هناك «آلية ميثاقية» يجري استخدامها لإخفاء فساد وانحرافات قوى السلطة بنظام حكم طائفي. وهناك استناد داخلي على الرعاية الإقليمية والدولية، فتجتمع هاتان السمتان لإنتاج معادلة الطائف والدوحة وما قبلهما، لذلك تتسم كلّ مرحلة حكم داخلية في لبنان، بموازين القوى الدولية والإقليمية، فتستفيد القوى المتكئة على تقدّم تغطيتها الخارجية على منافسيها الخارجيين، فتؤسّس إدارة حكومة أو رئاسة جمهورية تبيح لها السيطرة على المغانم الأساسية للدولة، مقابل مقدار قليل لقوى الداخل التي تراجعت تغطيتها الخارجية.هناك من لا يريد في لبنان أن يعترف انّ الحلف الأميركي ـ السعودي يتراجع في الإقليم. وبموجب التقليد اللبناني، فإنّ عليه مجاراة هذا التراجع متخلياً عن احتكاره لإدارة البلاد مقفلاً أبواقه الخطابية السمجة التي تهاجم في كلّ ساعة إيران وسورية ولأسباب غير لبنانية، على الإطلاق. فهل هناك من يعتقد انّ مصادر القوة الاجتماعية للتيار الوطني الحر هي من مواطنين أجانب غير لبنانيين، مصدّقاً أنّ حزب الله إيراني وجمهوره في الجنوب والبقاع وبيروت ميليشيات فارسية!؟الخلل إذاً موجود في معادلة حكم لم تعد جديرة بإدارة لبنان، حتى الطائفي، فكيف يستطيع هذا النظام احتواء إصرار من بعض قواه، على عدم الاعتراف بموازانات القوى الجديدة، ملوّحاً بالاستعداد لاستعمال الشارع والتدخل الخارجي، مستفيداً من الضغط الأميركي والتهديدات الإسرائيلية، والحرب على إيران..امام عجز «آلية الحكم» عن احتواء تفلت أطرافه، هو عجز بنيوي يؤدّي الى تعطل إدارة الدولة على الرغم من فسادها وطائفيتها وضعفها.فتبدو البلاد بحاجة إلى آلية جديدة قادرة على مواكبة التطورات الداخلية والخارج معاً. ولا بدّ هنا من التأكيد على أنّ خيارات الحكم غير الطائفية هي طوباوية في المرحلة الحاضرة، لأنها غير قابلة للتطبيق في بلد تربّي المدارس الخاصة فيه الأجيال على أنماط مذهبية متنافسة، فيتخرج الطالب عضواً كامل المواصفات لحزب مذهبه الطائفي، لذلك فإنّ الحلّ المدني يحتاج الى بدايات في مناهج التعليم تفصلها بشكل كامل عن التعليم الطائفي، على أن يليها إقرار قانون انتخابات يجمع الناس ولا يفرقها.لذلك فالمطلوب أولاً إشعار المسيحيين أن إلغاء الطائفية لا يستهدف تذويبهم في إطار المذاهب الإسلامية، وهذا غير ممكن إلا بحلّ تدريجي يحفظ الحضور النيابي للمسيحيين حتى اكتمال حلقات الاندماج الوطني الذي يحتاج الى مراحل إعدادية ضرورية.في المقابل هناك حاجة لحكومة تدير البلاد في هذه المرحلة الانتقالية، فلماذا لا يجري تسليمها لفئات مستقلة تؤمن بقوة القانون والدستور ولا ترفع شعار «المدنية» لإثارة ذعر الأقليات كما فعل أخيراً أحد النواب الذي طالب بنظام مدني في وقت يُصرّ حزبه فيه، على احترام أبواب المناطق وخصوصياتها وهي أبواب إقطاعية ومذهبية بكلّ تأكيد…الملاحظ إذاً انّ الانسداد في نظام الطائف بنيوي لسبيين: رفض القوى الطائفية الركون الى النتائج الديموقراطية لأيّ تصويت، وخضوعها لسياسات التحريض الإقليمية، واستمرارها في السيطرة على مواقع الإنتاج في الدولة.أما بديلها فهو تدريجي يكسب ثقة الناس ويشعرهم بأنّ الأهداف لا تريد كسر شوكتهم، بل إعادة بناء داخلية للبناني يجب أن ينتقل من الانتماء المذهبي الى الانتماء الوطني.فهل هذا ممكن أم أنها أضغاث أحلام؟ موازنات القوى الداخلية هي لصالح قوى الطوائف المتحكمة بكلّ شيء، لكن أزمتها الحالية تضغط عليها لتنازل تدريجي عن بعض مكتسباتها في محاولة للمحافظة على بقية أرباح تعتقد أنها قادرة على استخدامها لإعادة الإمساك بكلّ شيء.جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2019/07/27

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد