آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
علي آل غراش
عن الكاتب :
كاتب وإعلامي

البحرين تغرق في بحر القمع والدماء

 

علي ال غراش


البحرين جزيرة تقع في وسط مياه الخليج، ورغم أنها أصغر بلد عربي، إلا أنها تشهد في كل عقد من الزمن ثورة شعبية للمطالبة بالإصلاح والتغيير ويقدم الشعب تضحيات كبيرة من أرواح ودماء واعتقالات وتهجير. وهي الأعلى على مستوى العالم في عدد المعتقلين، إذ تجاوز عددهم منذ بداية الأحداث (في 2011) 12 ألفا، ويقدر عدد الموجودين حاليا في السجون بنحو 5000 معتقل، وتجاوز عدد الأطفال الذين تم اعتقالهم الألف، وعدد القتلى من الرجال والنساء والأطفال 185 شهيدا، وعدد المهجرين بالمئات، وعدد من تم تجريدهم من جنسيتهم بنحو 434 مواطنا. وهي نسب عالية وقياسية نسبة لعدد السكان (نحو نصف مليون).
وتواصل حكومة البحرين تقديم المفاجآت الغريبة، فهي أول دولة عربية تقوم بتكريم المستعمر وتسمية قاعدة بحرية عسكرية في ميناء سلمان تحت اسم من يمثل مرحلة القمع والاستعباد للمستعمر الانكليزي (اتش ام اس جفير) كهدية (من عاهل البحرين) لبريطانيا مقابل حماية العائلة الحاكمة. ويحقق رئيس الحكومة الشيخ خليفة بن سلمان رقما قياسيا في كرسي رئاسة الحكومة حتى الآن حيث أكمل نحو 50 عاماً، وتمارس حكومته أبشع الأساليب القمعية مع كل من ينتقد أو يعارض سياستها ولو بالحراك السلمي. وتلك الانتهاكات والتي تصنف كجرائم ضد الإنسانية موثقة من قبل الهيئات والجمعيات الحقوقية رغم التعتيم على الأحداث التي شهدتها البحرين منذ عام 2011 إذ سجلت انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان على يد السلطة التي قامت باعتقالات تعسفية للقيادات السياسية والشخصيات الحقوقية، والتحرش بالنساء، وسحب الجنسية من المئات، وسقوط ضحايا بسبب التعذيب الوحشي في السجون، وإعدام عدد من النشطاء الشباب، مقدمة رسالة تصعيد خطيرة مفادها أن السلطة مستعدة لاغراق البحرين في بحر من الدماء، وهذا ما أدى إلى اشتعال نار الغضب الشعبي واندلاع مظاهرات.
لماذا تتجه سلطات البحرين للتصعيد عبر استخدام القوة المفرطة وسفك المزيد من الدماء بالإعدام؟
ولماذا تتدخل السعودية في الشأن البحريني، وتصر على دعم سياسة المواجهة والقوة ورفض الحلول السلمية؟
لماذا صمتت الدول الغربية على الانتهاكات الرسمية في البحرين؟

جسر عسكرة لا محبة

جزيرة البحرين ترتبط بالبر بساحل شرق السعودية عبر جسر المحبة الذي تغير إلى اسم الملك فهد عند افتتاحه في عام 1986، طوله نحو (25) كلم، ويقدر عدد العابرين عليه نحو (74,000) مسافر يومياً. في شباط/فبراير عام 2011 شهد هذا الجسر دخول الآلاف من الجنود والمدرعات والمعدات العسكرية السعودية للبحرين لدعم العائلة الحاكمة في المنامة لمواجهة ثورة الشعب السلمية الذي اعتصم حينها في دوار اللؤلؤة للمطالبة برحيل النظام والتغيير والإصلاح كما حدث في تونس ومصر.
دخول الجيش السعودي غير المعادلة، بسيطرته على الوضع الأمني وتأمين كافة الدوائر الحكومية والمراكز الحيوية من السقوط بيد الشعب الثائر. والتخطيط لفض الاعتصام وضرب المتظاهرين بالقوة مهما كانت التكاليف في الأرواح.
في فجر يوم الخميس الأسود التاريخي هجمت قوات عسكرية على المعتصمين في الدوار، ووقعت جريمة دموية أدت لسقوط ضحايا قتلى وجرحى، وقيام المخابرات البحرينية بحملة تشويه للمتظاهرين المعتصمين بوضع أسلحة وتصويرها، وتم نشر تلك الفضائح في برنامج “ما خفي أعظم” الذي يبث على قناة “الجزيرة” في تموز/يوليو 2019 على لسان قائد القوات العسكرية التي هجمت على الدوار المقدم ياسر الجلاهمة الذي اعترف بانه حصل على ضوء أخضر من الحكومة باستخدام القوة المفرطة وإطلاق النار، وأكد على عدم وجود أي مقاومة عنف من المعتصمين. موضحا: “لم تكن هناك أسلحة في دوار اللؤلؤة في المنامة أثناء فض الاعتصام، وتم لاحقاً عرض صور أسلحة بعد تعمد وضعها من قبل جهات أمنية بحرينية للتصوير” وملاحقة ومطاردة الثوار المصابين الذين دخلوا مستشفى السلمانية ثم القيام باقتحامه بروايات رسمية مزيفة كسيطرة الإرهابيين على المستشفى ووجود أسلحة بداخله، وخلال ذلك اليوم شهدت البحرين أبشع صور القمع الرسمي بمشاركة قوات عسكرية سعودية، فتم اعتقال الآلاف من الرجال والنساء والشيوخ والأطفال، ولم يسلم ميدان اللؤلؤة من الاعتداء الرسمي إذ قامت الحكومة بهدمه رغم انه أهم رمز وشعار وطني يمثل عدد دول الخليج بأضلاعه الستة، ويزين عملة البلد.

قرار خارجي

قرار مواجهة المتظاهرين في دوار اللؤلؤة جاء من الرياض التي ترى في أي ثورة أو حراك شعبي في البحرين خطرا على وجودها، لأنها قريبة من المنطقة الشرقية الغنية بالنفط والتي يرتبط سكانها الأصليين بالبحرين ارتباطا تاريخيا وثقافيا، وسيكون بداية لاندلاع ثورات شعبية في بقية دول الخليج.

وترى الرياض ان ضرب المتظاهرين في البحرين بقسوة ودموية، واعتقال الرموز السياسية والحقوقية والدينية، وتشويه سمعتهم في وسائل الإعلام الخليجي والعربي، ووصفهم بالعملاء والخونة والإرهابيين وربطهم بدول خارجية وبمشاريع طائفية، هو أفضل حل لإرهاب وتخويف بقية مواطني دول الخليج.

ثورة سلمية

ثورة الشعب البحريني كانت منذ بدايتها سلمية، لم تجد التغطية الإعلامية من وسائل الإعلام العربي والدعم من الشعوب العربية ومن شعوب الدول التي شهدت ثورات. لقد عمل الإعلام الرسمي في دول الخليج وخاصة السعودية التي تملك امبراطورية إعلامية واسعة لقلب الحقائق ونشر الأكاذيب، واستخدام اللعبة الطائفية البغيضة في محاولة لمنع أي تعاطف وتأييد عربي للشعب البحريني، وتصوير ما يحدث في البحرين بأنه حراك طائفي من المكون الشيعي ضد المكون السني، وان القائمين على الحراك عملاء لطهران، ولقد نجحت الرياض بمكانتها المالية والإعلامية والسياسية، في الإعلام العربي إلى تبني الروايات الحكومية الكاذبة والمزيفة.
ومنذ عام 2011 لا يزال مسلسل القوة والاعتقالات التعسفية والدماء والقتل مستمرا، ولعل أحدث جرائم نظام البحرين إعدام الشابين: علي العرب واحمد الملالي في تموز/يوليو الجاري رغم النداءات الدولية بعدم تنفيذ أحكام الإعدام لأنها قائمة على اعترافات انتزعت تحت التعذيب الوحشي، وافتقاد المحكمة للشفافية ومعايير العدالة، واندلاع مظاهرات في دول العالم ومنها في لندن التي شهدت تمكن أحد المتظاهرين، الصعود إلى سطح مبنى السفارة، مطالبا السلطات بالتراجع عن تنفيذ أحكام الإعدام، ولكنه تعرض للاعتقال من قبل موظفي السفارة والاعتداء عليه بالضرب الوحشي، وسماع صراخه من قبل القوات الأمنية البريطانية التي تتواجد أمام المبنى تطلب اقتحامه قبل وقوع جريمة قتل كما حدث للإعلامي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في تركيا.
إقدام الحكومة البحرينية على إعدام الشابين، أدى إلى حالة غضب شعبي عارم واندلاع مظاهرات في العديد من مناطق البلاد رفضا لسياسة القتل وسفك الدماء، وخلال مواجهة القوات العسكرية للمظاهرات بالقوة سقط ضحايا بين جرحى وقتيل وهو الشاب محمد المقداد. ونتيجة تجدد المظاهرات في البحرين، أرسلت السعودية قوات عسكرية جديدة لمواجهتها، ما يعني أن الرياض جاهزة للقضاء على أي تحرك شعبي بحريني ولو أدى إلى مجازر كما يحدث في اليمن! هذا الأمر مخيف جدا على مستقبل الوضع في البحرين والخليج، حيث إصرار السعودية على القوة والسلاح والرصاص والقتل للقضاء على أي معارضة ولو كانت سلمية، ورفضها لأي حلول وطنية سلمية للأزمة البحرينية بالتنازل بين السلطة والمعارضة. وقد قامت السعودية وبعض الأنظمة الخليجية وبالخصوص الإمارات بتحمل دعم العائلة الحاكمة والاقتصاد البحريني بعشرات المليارات من الدولارات، وتقديم الدعم العسكري لمواجهة الشعب، بالإضافة للدعم السياسي والإعلامي. كل ذلك لكي لا تنتقل الثورة إلى بلادها.

الغرب والانتهاكات في البحرين

رغم تفاعل المؤسسات والجمعيات الحقوقية في العالم مع ملف انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين لبشاعته، إلا ان المجتمع الدولي يتعامل مع الموضوع بمنطق لا أرى لا أسمع لا أتكلم رغم ثبوت جرائم الانتهاكات بالأدلة، وبالخصوص أمريكا وبريطانيا وبعض الدول الغربية التي تشن حروبا وتتدخل في دول بتعلة الدفاع عن حقوق الإنسان. فهي تقف مع النظام الذي يتفانى في إرضائها، وخدمة مصالحها ومصالح الكيان الصهيوني عبر تحويل المنامة لمركز للتطبيع مع دولة الاحتلال، والعداء مع إيران. النظام البحريني يقوم بتصرفات مستفزة للشعوب العربية ومضرة بالقضية الفلسطينية بدعم وتشجيع من السعودية، وللحصول على الحماية الغربية. وسياسة العائلة الحاكمة في البحرين أثبتت للعالم انها ضعيفة خاضعة للتوجهات السعودية، والإعدامات الأخيرة والتصعيد في البحرين ليست بعيدة عن الرياض فهي مصدر القرارات.

الخليجيون وأزمة البحرين

لقد دفع شعب البحرين الذي يتطلع لتشييد دولة ديمقراطية الثمن غاليا، فلا يوجد دعم من الشعوب العربية التي صدقت الروايات الإعلامية الحكومية، والشعب الخليجي خائف ومرعوب لا يستطيع البوح برأيه وانتقاد السلطات الحاكمة، فتغريدة واحدة، تؤدي للسجن لسنوات. ان ما يتعرض له أهل البحرين على يد الحكومة هو جريمة ومن العار السكوت عنها وبالخصوص من قبل أبناء دول الخليج، فالشعب البحريني جزء لا يتجزأ من الشعب الخليجي الذي هو شعب واحد والعلاقات الأسرية متداخلة.

وقد كشفت بعض النساء المعتقلات ما تعرضن له من تعذيب واعتداء وتحرش في السجون البحرينية – وهو موجود في بقية السجون الخليجية كالسعودية- حيث تحدثت الناشطة الحقوقية ابتسام الصايغ والناشطة ريحانة الموسوي حول ما تعرضتا له من تعذيب وتجريد من الملابس من قبل الجلاوزة! انها أعمال تتنافى مع أبسط الحقوق الإنسانية والوطنية، والتعاليم الدينية والقيم الأخلاقية، وعادات وثقافة أهل الخليج. شعب البحرين يستحق التضامن والدفاع عنه من كافّة مواطني الخليج والعالم العربيّ والعالم الحرّ.
أن حلّ أزمة البحرين يكمن في الحكمة وسماع الشعب واحترام إرادته كونه مصدر التشريع، وتحقيق مطالبه التي من أجلها خرج وتظاهر وقدم تضحيات كبيرة، فهناك الآلاف من المعتقلين، ومئات من القتلى والمصابين بسبب الحراك والتظاهر السلمي. هل سنرى حلا قبل أن تغرق الجزيرة ومنطقة الخليج في بحر القمع والدماء؟

جريدة القدس العربي

أضيف بتاريخ :2019/08/06

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد