آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. باسم عثمان
عن الكاتب :
كاتب فلسطيني

إلى متى سياسة الانتظار والترقب في فلسطين؟


باسم عثمان
يمكن صوغ برنامج كفاحي وطني مُتكامِل، ضمن استراتيجية وطنية شاملة، من خلال تصعيد ودعم كل أشكال المقاومات الشعبية وتعميمها، وخوض حرب استنزاف ضد المستوطنين، مع استمرار المقاطعة الإقتصادية، إلى جانب حملة منظّمة في المحاكم الدولية لمُحاسبة إسرائيل على جرائمها ضد الشعب الفلسطيني.

السياسة الرسمية الفلسطينية سياسة انتظارية، تترقّب المُبادرات الأميركية لاستئناف العملية السياسية، وتَحْجم بالمقابل عن رسم سياسات خاصة بها، في الوقت الذي تتسارع فيه خطوات الجانب الإسرائيلي، لفرض الأمر الواقع ميدانياً، عبر عمليات التوسّع والضمّ الاستيطاني، وإطلاق المُبادرات والمشاريع السياسية التي تخدم أهدافه وبالتنسيق الكامل مع الإدارة الأميركية.


إن الحال المُزرية التي وصلت إليها تطوّرات القضية الفلسطينية وأزمات مشروعها الوطني سببها الارتهان لخيار المفاوضات، وإهمال الخيارات الأخرى، وقد فشلت المفاوضات في التوصّل لأية نتيجة مُرضية بسبب ضعف الحال الفلسطينية من جهة، وتعنّت الموقف الإسرائيلي ومُراوغته من جهةٍ ثانية، والتغيّرات الاقليمية العاصِفة بالمنطقة، خاصة وأن الكفاح المُسلّح بات خياراً صعباً، وخيار الانتفاضة الشعبية الشامِلة في هذا التوقيت، أي في ظلّ الموقف الإقليمي والدولي والداخلي الفلسطيني المُعقَّد والصعب، سيكون خياراً طوباوياً في حال لم تتوافر له مقوّماته وأدواته وروافِعه الوطنية والجماهيرية والمجتمعية المدنية وكل أشكال الدعم والصمود مادياً وسياسياً.
وأمام مشهد الحال الفلسطينية الراهِنة، حيث الانقسام الداخلي، وتآكُل الشرعيات، وتغييب دور منظمة التحرير، وتعطيل مشاريع إصلاحها وتفعيلها، وغياب البرامج الوطنية التوافقية، على أساس الوحدة الوطنية الداخلية لضمان وحدة الحقوق المشروعة ووحدة التمثيل للكيانية الوطنية الفلسطينية كمُعادِلٍ سياسي ومعنوي في ظلّ الشتات الجغرافي وتعقيدات القضية الفلسطينية وتشابُكها مع بُعدها الاقليمي، وانحسار الدور الشعبي والجماهيري وسببه ضعف أداء القيادة السياسي والمجتمعي، تبرز الحاجة المُلّحة لتبنّي استراتيجية فلسطينية شاملة، تعمل على استنهاض كل عناصر القوَّة داخل المجتمع الفلسطيني, وإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية. 


الخطوط العريضة للاستراتيجية الفلسطينية

أيّة استراتيجية وطنية لا بدّ من أن ترتكز على فكرة مواصلة النضال والمقاومة الوطنية بكافة أشكالها، بحيث إذا أخفق مسار كفاحي مُعيَّن، يتوجّب تبنّي المسار البديل، وأن يتأسّس برنامج النضال الوطني على فكرة تعزيز صمود الشعب الفلسطيني فوق أرضه، وممارسة كافة أشكال المقاومة، والنضال ضد كل تجلّيات سياسات الاحتلال الاستيطانية والعنصرية، وأن تتواكب المقاومة الوطنية الفلسطينية في مساراتها المُوازية والمُتّصلة على امتداد جغرافية التواجُد الفلسطيني في الداخل والشتات. 
فإذا كان الهدف المُعلَن لفلسطينيي الأرض المحتلة هو إقامة دولة مستقلّة، وكانت مطالب فلسطينيي 48 هي المساواة، ومطالب فلسطينيي الشتات هي العودة؛ فإن الاستراتيجية الفلسطينية الشاملة، يجب أن تتضمّن هذه الأهداف العادِلة، وتصوغ برامجها الكفاحية على أساسها، بحيث تحافظ على وحدة الشعب من خلال وحدة حقوقه، لأن تهميش أية فئة من الشعب الفلسطيني داخل الوطن أو خارجه سيؤدّي إلى تقويض الهوية الوطنية الجامعة.  
كما يجب على الاستراتيجية الوطنية الفلسطينية أن تواصل كفاحها لبناء المجتمع الفلسطيني وتنمية كيانه السياسي بكل مُتطلّباته الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية.   
وعند الشروع بصوغ استراتيجية فلسطينية شاملة، وهي مهمة وطنية مُلِّحة، ينبغي التحرّك في ضوء ما تسمح به موازين القوى والمُعادلات السياسية التي تحكم الموازين الدولية، أي التحرّك وفق الحدود التي يسمح بها المجتمع الدولي وقراراته الأممية ذات الصلة، وأن يتحمَّل مسؤولياته القانونية والسياسية والإنسانية تجاه الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، ولكن بأجندةٍ سياسيةٍ واقعيةٍ ووطنية. 


خيارات الفلسطينيين

1-مواصلة النضال من أجل بناء دولة فلسطينية مستقلّة على حدود الـ67، وعاصمتها القدس، وضمان حلّ عادل لقضية اللاجئين، وهو ما يُعرَف بحل الدولتين، وهو الحل الوحيد المطروح حالياً، رغم علامات أفول هذا الحل في الوقت الراهِن، وذلك بسبب تعثّر المفاوضات الثنائية والتعنّت الإسرائيلي الرافِض له والانحياز الأميركي المُعلَن لصالح إسرائيل ونكوص بعض الدول العربية وخاصة الخليجية منها على اعتبار أن القضية الفلسطينية تمثّل جوهر الصراع العربي – الإسرائيلي، لصالح خارطة تحالفات إقليمية جديدة ونظام شرق أوسطي جديد.

2-التوجّه لخيار الدولة الفلسطينية الديمقراطية الواحدة على كامل فلسطين التاريخية، وهذا يتطلّب تبنّي النهج النضالي المختلف، بأدواته وروافِعه وأساليب كفاحه، وهو تحدٍ فلسطيني وعربي ودولي.
السؤال الذي يطرح نفسه: هل أزمة المشروع الوطني الفلسطيني تكمُن في عدم استحقاق الخيار الأول لغاية الآن رغم التعقيدات الذاتية والموضوعية لاستحقاقه؟ أم في عدم اعتماد الخيار الثاني وتكلفته الباهِظة دولياً وإقليمياً وحتى فلسطينياً؟ أم في نمط العقلية السياسية للقيادة الرسمية الفلسطينية واعتمادها الخيار الوحيد وهو المفاوضات الثنائية؟ وحتى في ذلك: فإذا كانت الأزمة في المسار والتكتيكات التفاوضية، فيمكن تحسين الشروط والأداء!.
أما إذا كانت في الخيار نفسه، فينبغي التوقّف كلياً وتبنّي استراتيجيات وطنية جديدة  وذلك على ضوء المُراجعة النقدية الشاملة لكل الخيارات السابقة وبرامجها وتجاوز ثغراتها وبإرادةٍ سياسيةٍ ووطنيةٍ خالصة.
وعلى الفلسطينيين (في حال عودة المفاوضات) اشتراط تغييرات وأوراق تفاوضية جديدة، منها التمسّك بالمرجعية الدولية كإطارٍ قانوني، وأن تحصل مُسبقاً على اعتراف دولي (أو أميركي) بالدولة الفلسطينية بحدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس، وهو البديل السياسي لصفقة القرن، وأن تسير هذه المفاوضات وفق جدول أعمال مُعيَّن وبسقفٍ زمني مُحدَّد ومُنضبِط لرقابة دولية، وإذا تعذَّرت الاستجابة لهذه الشروط، حينها يمكن التوجّه لكَسْرِ خيار المفاوضات المباشرة الثنائية والتحوّل إلى مسار المفاوضات الجماعية للحل الإقليمي الشامل على قاعدة المبادرة العربية للسلام.
غير ذلك هو خيار التدويل (تدويل القضية الفلسطينية)، ووضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته القانونية والسياسية لإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، أو التوجّه إلى مجلس الأمن (أو الجمعية العامة) لاستصدار قرار الاعتراف بالدولة الفلسطينية وإلزام إسرائيل بإنهاء الاحتلال، أو عقد مؤتمر دولي لإقرار تسوية عادلة على قاعدة الشرعية الدولية، أو تُبادِر السلطة الوطنية الفلسطينية في إطار خطّة مُنسَّقة مع جامعة الدول العربية والرُباعية الدولية والتوجّه إلى الأمم المتحدة بطلب وضع الأراضي الفلسطينية تحت نظام الوصاية الدولي .
بالاستناد إلى هذه الرؤية، يمكن صوغ برنامج كفاحي وطني مُتكامِل، ضمن استراتيجية وطنية شاملة، من خلال تصعيد ودعم كل أشكال المقاومات الشعبية وتعميمها، وخوض حرب استنزاف ضد المستوطنين، مع استمرار المقاطعة الاقتصادية، إلى جانب حملة منظّمة في المحاكم الدولية لمُحاسبة إسرائيل على جرائمها ضد الشعب الفلسطيني، وحملة سياسية دبلوماسية وإعلامية في المحافل والمنظمات الدولية. 

لصالح موقع الميادين نت

أضيف بتاريخ :2019/09/09

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد