آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. محمود البازي
عن الكاتب :
دكتوراة في القانون الخاص وعضو في كرسي حقوق الإنسان

من عليه أن يغير سياساته في المنطقة.. السعودية أم إيران؟ وهل الولايات المتحدة مستعدة لشن حروب جديدة في الشرق الأوسط؟

 

د. محمود البازي


قال مُورط السياسة السعودية كما أحب أن أصفه، عادل الجبير، إن بلاده مقتنعة بتورط إيران في هجمات أرامكو التي وقعت منتصف أيلول/سبتمبر الماضي.

جاء ذلك خلال كلمة للجبير في مؤتمر صحفي، بالعاصمة البريطانية لندن، حسب ما نقلته قناة العربية السعودية.

على الرغم من الأحداث التي تجري اليوم في الشارع اللبناني والعربي إلا أن تصريح الرجل استوقفني لخطورته على المنطقة. أرسل ولي العهد السعودي رسائل متناقضة بخصوص الحوار مع إيران فهو من جهة اتبع نهج عقلاني وقال إن الحل مع إيران هو حل سياسي، وبالتالي دخلت وساطات بين الدولتين إما طوعيا أو بطلب من ولي العهد السعودي تمثلت هذه الوساطات بجهود عراقية وباكستانية. ومن جهة أخرى طلب الرجل إرسال جنود أمريكيين إلى السعودية وهو ما تحقق حيث أرسلت الولايات المتحدة ما يقارب 3000 جندي أمريكي دفعت السعودية مقدما لقدومهم لحماية السعودية.

هذا النهج المتردد يضر بالمصالح السعودية بشكل خطير، فالسعودية وساستها إلى اليوم لم يدركوا أن الحل في المنطقة هو حل سياسي ينبع من مبدأ الحوار أولا وآخيرا. أما اعتقادهم بأن الولايات المتحدة ستحميهم فهذا إدعاء باطل وسندلل على ذلك بالبراهين:

 • تدّعي الولايات المتحدة بأنها المصدر الأول للمعلومات الإستخبارتية في المنطقة وأنها نشرت معداتها الأمنية وأنظمة الرادار في العديد من دول الخليج، بما في ذلك قاعدة العديد الجوية القطرية، وكذلك في العراق والبحرين. وهنا يجب القول أنه من المستحيل أن الولايات المتحدة لم تلاحظ أو لم تتنبأ بوقوع هجوم أرامكو. خصوصا أن الولايات المتحدة كانت قد أعلنت بأنها زادت من أنظمة الرادار وأجهزة المراقبة بعد الهجمات على ناقلات النفط في الخليج التي حدثت قبل أشهر قليلة؛

 • استفادت الولايات المتحدة بطريقة أو بأخرى من استهداف أرامكو لأن واشنطن أصبحت أول منتج للنفط في العالم بفضل ما يعرف ب”النفط الصخري” وبدأت الولايات المتحدة في توسيع صادراتها النفطية. وبعد دخولها لأسواق النفط العالمية كمصدّر، تسعى الولايات المتحدة جاهدة لتصبح موردا موثوقا به للنفط وتحديد حصتها في الأسواق العالمية، وكاتت المملكة العربية السعودية منافس رئيسي للولايات المتحدة قبل هجمات أرامكو أما الآن فقد أصبحت الولايات المتحدة المصدرة الأولى للنفط عالميا بمقدار 12 مليون برميل يوميا. وللبرهنة على ذلك يمكن الإشارة لتقرير نشرته إدارة معلومات الطاقة الأمريكية في مايو حول “النفط: توضيح حول النفط الخام ومشتقاته” ” Oil: crude and petroleum products explained”. كذلك يمكن الإشارة لتصريحات تلميحية من جانب آلان غيلدر، من مركز “وود ماكينزي”، الذي أشار إلى احتمالية فقدان السعودية مركزها كمصدر موثوق للنفط.

 • تخوض الولايات المتحدة حربًا تجارية مع الصين، والصين مستورد ثابت يعتمد على نفط العربية السعودية، ونتيجة لذلك، فإن انهيار المملكة العربية السعودية سيضر بالصين ويفيد الولايات المتحدة في النهاية؛

 • خلصت الولايات المتحدة، بناءً على تقديرات إستخباراتية دقيقة، إلى أن اقتصادها لن يتأثر بالصدمات النفطية الجديدة في العالم. ويدعم الدليل على هذا الادعاء بيان نائب رئيس الاحتياطي الفيدرالي ريتشارد كلاريا؛

 • كانت المملكة العربية السعودية تعول على بيع أسهم شركة أرامكو في أسواق الأسهم العالمية، مثل بورصة نيويورك أو بورصة لندن أو طوكيو، وكانت حريصة على زيادة قيمة الأسهم وبيعها لتمويل برنامج 2030. الهجوم على أرامكو قلل بشكر كبير من قيمة هذه الأسهم مما جعل السلطات السعودية تؤجل عرض أسهم الشركة للبيع؛

 • ترامب، الذي تعرض لانتقادات كبيرة من قبل الرأي العام المحلي ومن الديمقراطيين بسبب اعتماده على صقور يتبعون اليمين المتطرف مثل جون بولتون وداعين للحرب، تحرك كخطوة أولى وعزل بولتون؛ وكخطوة ثانية يمكن الإدعاء بأن ترامب في سياق ترويج نفسه كرجل سلام قد يكون تغاضى عن إخبار المملكة أو تجاهل حمايتها حتى يقول بأنه على الرغم من أن الهجوم شاركت به إيران إلا أنه لا يفضل خيار الحرب.

بعد كل ما ذكرناه من أدلة سابقاً يبقى السؤال المهم وهو هل ستحمي هذه الأموال الطائلة السعودية من إعتداءات مستقبلية؟ الجواب بشكل قاطع لا. فترامب يغرد يوميا عن أن ملوك السعودية لولا حمايته لسقطوا خلال إسبوعين. وإن كنا نعتبر أن هذه التصريحات لها بعد داخلي تساعد ترامب في الحملة الإنتخابية إلا أن هذه المقولة سقطت بعد هجمات أرامكو إذ وقفت الولايات المتحدة كمتفرج وألقت بالكرة في الملعب السعودي. واقتصرت على تشديد عقوبات ضد البنك المركزي الإيراني.

في حين أن بعض المسؤولين الأمريكيين، مثل وزير الخارجية بومبيو، قد اتهموا إيران رسمياً بالتورط في الهجوم على أرامكو، أعلن البنتاغون أنه أرسل مجموعة إلى المملكة العربية السعودية للشروع في تحقيقات لمعرفة من المسؤول عن هذه الهجمات؛ وهذا إن دل فسيدل على أن الولايات المتحدة لم تعد معنية أبدا بأمن السعودية وأنها لن تخوض حربا أبدا من أجل السعودية إلا أنها حاضرة لإستثمار الأموال السعودية بخلق وظائف في الداخل الأمريكي.

وعود على بدء؛ ما الخطير في تصريحات “مُورط السياسة الخارجية السعودية عادل الجبير”؟ نقول بعد كل ما ذكرناه من أدلة نود التأكيد بأن الولايات المتحدة لم تعد مهتمة بما يجري بالشرق الأوسط ولن تخوض حربا مكلفة أبدا إلا إن تعرضت مصالحها شخصيا للخطر. وكل خطر يهدد السعودية أو غيرها لن يدفع الولايات المتحدة لخوض حرب سواء ضد إيران أو غيرها. الخطير فيما قاله الجبير هو بصفتك دولة لها سيادة فعندما تتهم طرف بشن هجمات ضدك أنت مجبر على اتخاذ تحرك بنفس الشدة وبنفس الطريقة. لذلك فالسعودية المنهكة من حرب اليمن والتي تعاني من هجمات على عصب الحياة، غير قادرة على شن أي هجمات حتى ضد الحوثيين أنفسهم. ولذلك يجب إخراس “الجبير” لإنه عاد ويعود كل مرة لتوريط السعودية. وعلى ولي العهد أن يمارس نوع من الحنكة ويجعل المسار التفاوضي والحواري مع إيران يأخذ مجراه. فعلى ما يبدو أن الإيرانيون مستعدون للحوار ويمكننا الإشارة لآخر تصريح من وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف حيث قال بأنه مستعد للسفر إلى الرياض إذا ما تهيأت الظروف لذلك لبحث الملفات العالقة.

وكنصيحة بدون جمل؛ أَخرِسوا الجبير فالرجلُ فقدَ عقله.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2019/10/23

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد