آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. محمود البازي
عن الكاتب :
دكتوراة في القانون الخاص وعضو في كرسي حقوق الإنسان

رأس المال الجبان.. قبل الإستثمار في أرامكو عليك قراءة هذا المقال

 

د. محمود البازي

في أول خطوة رسمية قبل بيع حصص من أكبر شركة نفطية في العالم، وافقت هيئة السوق المالية السعودية في (الثالث من فبراير/تشرين الأول)، على طلب شركة أرامكو تسجيلها في البورصة المحلية.

وتنوي أرامكو وفق بيان صادر عنها من طرح الاكتتاب على شريحتين: إحداهما للمستثمرين من المؤسسات والآخر للمستثمرين الأفراد. وأضاف البيان أن النسبة المئوية للأسهم التي ستباع وسعر الشراء سيتحددان بعد فترة بناء سجل أوامر الاكتتاب.

وعلى ما يبدو فإنها ستطرح 2% من أسهمها في السوق المحلية في هذا العام و3% في بورصة عالمية في عام 2020.

ولم تضع أرامكو إطاراً زمنياً أو تحدد كم ستبيع، لكن مصادر قالت أنه من المنتظر أن يجني البيع المحلي بين 20 إلى 40 مليار دولار كمرحلة أولى.
يشوب هذه العملية الكثير من الغموض، تتمحور حول الهدف من هذه العملية وحول فعاليتها بالنسبة لجذب رؤوس الأموال العالمية للإستثمار في السعودية. وهو ما سنبحثه خلال مقالتين متتاليتين.
إذا ما بدأنا بالهدف، فالمسؤولون السعوديون وعلى رأسهم ولي العهد سمو الأمير محمد بن سلمان يقول بأنها خطوة بإتجاه رؤية 2030 لتخلي السعودية عن الإعتماد الكامل على النفط.

في الحقيقة ولنكون واضحين من البداية فأنا أؤيد وبكل قوة هذه الرؤية القائمة على التخلي عن النفط بوصفه مصدر رئيسي للموازنة في الشرق الأوسط بحيث تعتمد عليه هذه البلدان بشكل رئيسي لا بل كان السبب بأن تصبح هذه البلدان “كسولة” نوعا ما. فإيرادات النفط تُؤمن ميزانية الدولة، وبذلك تستطيع هذه الدول شراء كل ماتحتاجه من الخارج سواء في المجالات العسكرية والإقتصادية. ومع الثورة التقنية التي نشهدها في عالمنا المعاصر يجري الحديث اليوم عن استبدال النفط بالطاقات البديلة وهو الإعتماد على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. ومن المتوقع بأن تعتمد الدول الغربية بشكل كامل على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بحلول عام 2030. إن موافقتنا لرؤية 2030 لا تمنعنا من استقصاء السبب الحقيقي وراء طرح أسهم أرامكو للإكتتاب. فالسبب الحقيقي الكامن وراء هذا الإكتتاب على ما يبدو بأنه القروض والعجز الذي تعاني منه السعودية في هذه الأيام. من السذاجة بمكان الإدعاء بأن السعودية تنهار أو أن اقتصادها على حافية الهاوية ولكن من المنطقي الإشارة إلى العجز الذي تعاني منه موازنتها يوما بعد يوم خصوصا في خضام تعرضها لهجمات حوثية قاسية وتكلفة الحرب التي تشنها على اليمن. والدليل على إدعائنا هذا هو فشل الإقتصاد السعودي وخصوصا بعد تراجع قيمة النفط باللجوء إلى أسواق الدين خلال السنوات الخمس الماضية مما ساهم بإرتفاع الدين العام في السعودية إلى  610.6 مليار ريال (162.8 مليار دولار) حتى نهاية الربع الأول من هذا العام ومن المتوقع بأن يرتفع هذا الرقم إلى 180 مليار دولار بحلول نهاية 2019، بحسب تصريح لوزارة المالية السعودية نفسها في مايو/ أيار الماضي. وهنا تأتي جهود ولي العهد بالبحث عن حلول بديلة لتغطية العجز ومواجهة التحديات الداخلية في الإقتصاد السعودي. فبحسب النيويورك تايمز فإن الأموال المتوقع جمعها من طرح أسهم أرامكو للإكتتاب لن يتم استثمارها في عمليات لشركة أرامكو بل ستتدفق إلى ما يسمى صندوق الإستثمار العام the Public Investment Fund””، وهو صندوق الثروة السيادي الذي تحول إلى أداة بيد الأمير محمد بن سلمان لتنفيذ ما عجز عن تنفيذه من توليه ولاية العهد. ليس من الصعب استشفاف الأسباب الكامنة وراء إصرار الأمير محمد بن سلمان لطرح أسهم أرامكو للإكتتاب فسموّ الأمير يعاني من ضغوط داخلية بإرتفاع نسبة البطالة بين الشباب السعودي فقد بلغت بحسب تقديرات ما يقارب 12.7 %. وهو أيضا يحتاج إلى ما يقارب ال500 مليار دولار لتمويل مشروعه الضخم “نيوم” في محاولة منه لخلق فرص عمل للشباب السعودي. ناهيك عن الضغوط التي يمارسها الرئيس ترامب لكسب المزيد والمزيد من الأموال السعودية فالرجل قَرَنَ إرسال 3000 جندي أمريكي إلى السعودية بدفع الأخيرة مبالغ ضخمة لحمايتها (من البعبع الإيراني الذي زرعه الرئيس ترامب في رؤوس حكام السعودية). هذا الإصرار الذي دفع بولي العهد إلى القبول بتقييم قيمة الشركة ب1.5 تريليون دولار في الوقت الذي كان يصر سابقا على تقييمها بتريلوني دولار.

 أما من يبحث عن إيجاد بدائل للموارد الإقتصادية ومحاولة الإستغناء عن النفط فعليه أن ينظر حوله جيدا ليرى دولاً كقطر، الإمارات، والكويت وهي تتبع سياسات ثابتة وبخطى واضحة لإيصال الإعتماد على النفط إلى الحد الأدنى.

ولن يكون مثالنا القادم هو ضرب من الخيال أوإدعاء مبني على وهم إذ قلنا بأن إيران المنافسة الإقليمية للسعودية تتبع سياسات (نتيجة الضغوط الأمريكية) لتخفيض الإعتماد على ميزانية النفط بل ويجري الحديث اليوم عن موازنة خالية من النفط العام المقبل. لا أحد منا ينكر تأثير العقوبات على الإقتصاد الإيراني ولكن بالوقت نفسه يجب الإشارة إلى أنهم استطاعوا بأن يتجاوزوا العديد منها بإتباعهم سياسات الإنتاج المحلي (التي يتبعونها منذ فرض العقوبات عليهم أي أكثر من 35 عام) ومحاولاتهم لإيجاد بدائل حقيقية للنفط.

لقد حاولنا الإجابة على السؤال الأول وهو ما هو الهدف الحقيقي من وراء طرح أسهم شركة أرامكو للإكتتاب المحلي والدولي؟ بينما سننظر في السؤال الثاني والذي سيبحث حول أهم التحديات والمخاوف الإقتصادية والسياسية والحقوقية التي تواجه المستثمرين الخارجيين بهذه السوق الخطيرة. وهو ما سنبحثه في المقالة القادمة.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2019/11/07

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد