آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
طلال سلمان
عن الكاتب :
طلال سلمان (مواليد 1938) هو صحافي لبناني كبير مؤسس جريدة السفير اللبنانية اليومية. شكل منذ عقود مرجعية إعلامية في الشؤون العربية واللبنانية تحظى بالتقدير، وبالتأثير في الرأي العام.

حمى الله إنتفاضة لبنان

 

طلال سلمان

بقي لبنان، بنظامه الطوائفي، خارج مسار حركة التغيير التي تجتاح الأرض العربية على امتداد أقطارها في المشرق والمغرب، بدءاً من تونس البو عزيزي، فإلى قاهرة ميدان التحرير الذي فاض بالملايين من المصريين، وصولاً الى ليبيا التي استعاد شعبها وعيه فأنهى دكتاتورية ـ القائد الإله ـ ممثلاً بمعمر القذافي، فإلى الجزائر التي ضربها الشلل والفقر مع رئيسها العاجز عن الوقوف لإصابته بالشلل، وصولاً الى السودان والدكتاتور ذي الأوسمة وعصا التخويف: الماريشال حسن البشير.
بقي لبنان أو أبقته المصالح الأجنبية، حارسة نظامه الطوائفي مُقسّم الشعب الواحد، خارج ميدان الثورة، تخاف طلائع شعبه من براعة نظامه في خلق الفتن لتقسيم الشعب الواحد الى طوائف ومذاهب مقتتلة بحيث يتم اغتيال “الوحدة الوطنية” وبالتالي مطالب الشعب وحقوقه في وطنه.

جاءت لحظة الحقيقة، فخرج اللبنانيون موحدين في العاصمة بيروت بميادينها المختلفة، كما في طرابلس التي كانت ضحية الخيبات والإهمال الرسمي والمحاولات الحثيثة لتقسيم أهلها طائفياً ومذهبياً وطبقياً، فهجرها الأغنياء ليبنوا قصورهم خارجها وأخرجوا رساميلهم الى مصارف بيروت أو الخارج، بينما بقي فقراؤها يعانون البطالة والعوز في “الفيحاء” التي كانت تدعى “أم الفقير”.. واندفعت جماهير صيدا ـ معروف سعد، ومعها صور والنبطية وصولاً إلى شبعا وراشيا، لتتصل بجماهير البقاع، بل البقاع كله بما فيه زحلة وبعلبك والهرمل والفاكهة وعرسال التي نزل اهلها إلى اللبوة، ليتكامل الحشد.
ولأول مرة في تاريخ لبنان الحديث ينزل شعبه الى الشارع في سلسلة بشرية وتظاهرات ضمت الرجال والنساء، شباباً وصبايا الورد وفتية يخافون على مستقبلهم، يهتفون ضد النظام، وضد الطائفية والمذهبية ولتأكيد وحدتهم خلف مطالبهم المشروعة.

لقد فاجأ الشعب اللبناني ذاته. انتبه، أخيراً، الى أن وطنه أصغر من أن يقسم، وان طموحاته الى غدٍ أفضل تتجاوز العصبيات والغرائز، وأن الطائفية ومعها المذهبية ليست إلا نتاج الطبقة السياسية الحاكمة لإدامة نفوذها، ودائماً على حساب الشعب وإذلاله باحتياجه اليها في حياته اليومية بحيث تذله وتديم استعباده بنفوذها الذي يجعلها بوابة التوظيف من وظيفة جندي (وليس ضابط في الجيش أو الشرطة) الى منصب المدير العام.

إن هذه الانتفاضة المجيدة التي انتصرت على من حاول تحريك الغرائز الطائفية والتي يجتمع على محاربتها الآن اهل السلطة واهل الدولار وعملاء الخارج واعداء السلم الاهلي، ما تزال جماهيرنا في الميدان صامدة خلف مطالبها المحقة.

وبالتأكيد فان اللبنانيين، لا سيما جيل الشباب منهم، قد أفادوا حقاً عبر استخلاص الدروس والعبر من التجارب الناجحة لـ”أخوتهم” في الأقطار العربية، قريبها كسوريا، والعراق، أو بعيدها جغرافياً كالجزائر والسودان، مع وقفة مطولة أمام انتفاضة تونس والضوابط التي ألزم شعبها نفسه بها تجنباً للانقسام ودرءاً للفتنة.

كذلك فان التجربة المرة لشعب مصر في انتفاضته المجيدة (ثورة كانون الثاني / يناير) قد علّمت اللبنانيين أن يكونوا حذرين ومنتبهين لخطر تقسيمهم مجدداً، طوائف ومذاهب، بحيث تتحول انتفاضتهم المجيدة، الى فتنة تدمر وحدتهم وتنهك دولتهم التي تقف عند حافة الإفلاس.

وليس من شك أن مصائب الأشقاء في ليبيا التي زالت دولتها من الوجود، أو في سوريا التي يعيش شعبها محنة قاسية منذ تسع سنوات ضربت وحدتها وأغرت به عدوها القومي، اسرائيل، كما شجعت “العدو القومي” الآخر، تركيا أردوغان، على اجتياح شمالي سوريا واحتلال بعض شرقها، مع التمدد الى بعض الجهات الاخرى في اتجاه القامشلي والرقة، بذريعة ضرب الأكراد الذين كانوا وما زالوا جزءاً لا يتجزأ من الشعب العربي السوري.

هذا من غير نسيان العراق وما يجري فيه ويدبر له من فتن وما يقوم به شعبه المفقر من انتفاضات حاشدة ومتكررة، تشمل جنوبه وغربه مع بغداد التي اعتمدها الخليفة العباسي هارون الرشيد عاصمة للدنيا، وخاطب من قصره الغيوم العابرة بقوله المأثور: إمطري حيث شئت، فان خراجك عائد إليّ.

حمى الله العراق وسوريا والانتفاضة المجيدة في لبنان من الفتن، فالفتنة تبقى دائماً، أشد من القتل.


صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2019/12/04

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد