آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
إسماعيل القاسمي الحسني
عن الكاتب :
كاتب جزائري

متى تحط طائرة ملك السعودية بدمشق؟ وهل سينقذ الأسد الموقف؟

 

لم يعد السؤال بالنسبة لي: هل سيتجه الملك السعودي إلى سورية أم لا؟ وإنما السؤال: متى سيتوجه إليها؟ ويتبعه سؤال مرتبط به: هل سيستقبله الرئيس السوري وينقذ الموقف أم لا؟

من عجائب هذا العصر الذي نعيشه، أن ذاكرة أبناء امتنا تخطّت ذاكرة الحوت كما يقال، قد يبدو عنوان المقال وموضوعه شططا في العقل وهذيان خيال جامح، مع أن عام 2009 يعني سنتين فقط قبل اندلاع الأزمة السورية، كان الملك السعودي عبد الله يحط الرحال في دمشق، ويمشي كتفا لكتف مع الرئيس بشار الأسد، هذا الأخير لم يتغير، لم تسقط عليه صفة الدكتاتورية والوحشية حينذاك من سماء الإعلام، بل كان حليفا ورئيسا متميزا ومحترما، وشرّف الملك السعودي بالاستقبال والمرافقة إلى بيروت.

ودون إطالة على القارئ، نظام الحكم في السعودية بات في ورطة ومأزق خانق حقيقي، وأعتقد أنه من السبل النادرة الآن ليخرج من الوضع الحرج الذي يعانيه، هو المسارعة في مراجعة مواقفه جميعها حيال كل ملفات الشرق الأوسط، بداية بإيران فسورية وختاما باليمن، وهذه المراجعة العميقة والجذرية التي من بين شروط نجاحها الإسراع، ذلك لأن الوقت لم يعد في صالح السعودية، تنتهي بالضرورة وحتما عند أبواب قصر الروضة بدمشق، ومن عتباتها أبوابه الحلول، وترتخي الحبال التي طوّق النظام السعودي بها عنقه على نحو حلقات خانقة.

فالنظام السعودي كان قد راهن عام 2011 على سقوط الرئيس بشار الأسد قبل نهاية السنة، وأعلن موقفه بنزع الشرعية عنه، وذهب أبعد من ذلك بإعلان الحرب عليه في كل الساحات وبكل الأدوات، خارجا بذلك عن كل مواثيق جامعة الدول العربية ومعاهداتها، ضاربا عرض الحائط كل القوانين والأعراف الدولية؛ حينها أي عام 2011، سجلنا موقفنا نحن كذلكم بكل وضوح بأن الرئيس بشار الأسد لن يسقط ولن يتنحى، وخاتمة الدوامة الدموية التي فرضت، هي العودة للقيادة السورية، شاء من شاء وأبى من أبى؛ لم يكن موقفنا هذا مبنيا على أوهام ولا مجرد كلام إنشائي، ولم يكن دعما لغويا وتبعية عمياء للقيادة السورية، كما حاول البعض أن يقرأ الصورة مقلوبة، وإنما كان عن علم بكثير من معطيات الواقع الميداني وتوازنات القوى الدولية، التي استخف بها خصوم سورية، أولم يأخذوها في الحسبان، وكان من بينها تماسك الجيش العربي السوري، وتلاحم القيادة بكل أذرعها، فضلا عن طبيعة الشعب السوري، الذي في أغلبه يتميز بالشمم والإباء والنخوة، ويرفض بشكل قاطع التدخل الأجنبي وبالأخص منه العدو، عدو الأمس واليوم كالفرنسي والأمريكي، وهناك عوامل أخرى لا يتسع المقال لذكرها؛ هذا على الصعيد الداخلي، وأما على الصعيد الخارجي، فقد اعتمدنا في قراءتنا على الموقف الروسي ومصالحه الإستراتيجية، والذي شعر بالغدر في القضية الليبية، ولم يتبقى له في البحر الأبيض المتوسط إلا الجزائر وسورية، وهنا لا محالة سيرمي بكل ثقله وقوته، لمنع سيطرة الولايات المتحدة على هذين الموقعين، وإن دعت الحاجة للمواجهة العسكرية. نعم لقد قالها فلاديمير بوتين منذ ثلاث سنوات ولم يلقي لها المعنيون بالا: “ضرب دمشق يعني ضرب موسكو”؛ ليس من باب التهديد اللفظي وإنما تسطيرا لحدود حركة قوى التحالف على سورية؛ وبموازاته موقف إيران الذي لم تختره فقط من بناء على المبادئ والقيم والوفاء لسورية، كل ذلك صحيح لكن يعززه الأمن القومي الإيراني ذاته، الذي لن يكون في مأمن على الإطلاق إن فرضت الحالة الليبية على حليفه، علما بأن تلكم الحالة قابلة بطبيعتها، للتمدد في العراق إلى تخوم إيران؛ ويزيد من قوة هذين القطبين الموقف الجزائري وما يعنيه عربيا وإقليميا، ماديا ومعنويا، وموقف الصين وكوريا ودول البريكس عموما.

بعد تمام الخمس سنوات من المكابرة والقفز على الواقع، ألا يحق القول بأن قراءتنا كانت موضوعية وواقعية، وقراءة أنظمة الخليج كانت مجانبة للصواب؟ حين ابتدع الساسة مؤتمر جنيف، وألقوا جميعا ثقلهم السياسي والدبلوماسي والمالي من أجل خلع الشرعية عن القيادة السورية، واعتبارها عصابة لا يمكن مجرد الحوار معها، ونذكر حينها كيف منعت السعودية مشاركة إيران، واعتبارها محتلا لسورية، بل وعلى أساس هذا الطرح سعت لبناء تحالف لتحرير سورية؛ حينها قلنا كذلك هنا، لن يغير مؤتمر جنيف قيد أنملة من أرض الواقع، ولما بشروا بجنيف 2، قدّرنا ساعتها بأنه ما لم يكن مؤتمر “دمشق” وليس غير دمشق، فكل القراءات التي يطرحها الساسة ليست أكثر من أوهام تسوق بضاعة للحمقى، ومجرد أماني لن تتحقق لدى أصحاب النوايا الحسنة؛ وأذكر في هذين المفصلين، كيف اتهم رأينا بالهذيان والهرطقة التي لا معنى لها؛ وكلي رجاء اليوم بأن يكون من خالفنا الرأي والقراءة حينها، سواء أكان مرد ذلك معلومات مغلوطة، أم خيارا مؤسسا على رؤية بدت حينها واقعية، قد انتبه الى الخطأ ويراجع الحساب، على الأقل إن لم يكن ذلك من باب العلم بالشيء، فليكن من باب التبعية المستديمة للغرب، فكما انساق وراء الأفلام الكرتونية الغربية أيامها التي برعت في بثها فضائيات الفتن، فعليه أن يتبعه وهو يرى اليوم بأم عينيه انقلاب المعادلة لدى صناع القرار، من قولهم بضرورة رحيل الأسد لحل الأزمة السورية، إلى قولهم بضرورة بقاء الأسد.

طبعا يسوّق زعماء الغرب جريمتهم بحق سورية، على أن المعارضة السورية ذاتها هي من ورطتهم وأمدتهم بمعلومات خاطئة، وسيحمّلون الأنظمة العربية في الإقليم ذات التهمة، وهذه بالنسبة لنا بضاعة مردودة، فواقع الأمر أن الغرب استغل معارضة صورية لتحقيق ثلاث غايات، أولها تسويق أسلحة نوعية والاستفادة من تجربتها الحية في الداخل السوري، فضلا عن انجاز صفقات سلاح بالمليارات لدول الخليج، وثانيها شغل الأمة عن قضيتها المركزية “فلسطين” التي وصلت لحائط مسدود، وبات الوضع ينذر بصدام حقيقي بين العدو الإسرائيلي من جهة، والشارع العربي من جهة أخرى (2010 تونس أول انجاز منع السياح الإسرائيليين – 2011 مصر أول عمل إغلاق سفارة العدو الإسرائيلي وما استتبع ذلك)، والغاية الثالثة إسقاط القلعة السورية، التي كانت تضم أكبر مخزون بشري فلسطيني خارج الأراضي المحتلة، وتضم جميع فصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة؛ ولا شك أن الغرب استطاع إلى حد بعيد تحقيق الغايتين الأوليتين، لكن الغاية الثالثة تعذر تحقيق أصلها، وإن كان قد أصاب بعضا منه، غير أن هناك أمرا آخرا تحقق للمقاومة ولسورية، أعظم بكثير من مكسب الغرب وإسرائيل لا يتسع كذلك المقال لعرضه.

في هذه الدوامة التي أقحمت السعودية نفسها فيها، وجعلت من كيانها رأس الحربة فيها، خسرت الرهان الأول بامتياز، بعد كل محاولات التهديد والابتزاز التي مارسها الأمير بندر بن سلطان مع روسيا، وقد شعرت حد الصراخ بالغدر الأمريكي، حين علمت بحوار حليفها الاستراتيجي مع من اعتبرته عدوا استراتجيا إيران، حوار ومفاوضات على حدودها دون علمها، أفضى للاتفاق النووي الشهير؛ أرادت القيادة السعودية مع عهدها الجديد، أن تصنع لذاتها صورة قوية بالتحالف العربي والإسلامي، كرد اعتبار ورسالة لحليفها تبطن تخطيئه في التخلي عنها، وهنا جاءت شماعة “الحوثيين” في اليمن، ورفعت القيادة السعودية صوتها عاليا، لتشكيل تحالف عربي إسلامي لاسترداد حديقتها الخلفية، طبعا كان الأمر مدبرا مع الحليف الأمريكي، هذا ما صرح به عادل جبير أيام كان سفيرا، لكن الأمريكي حين أعدّ وأعطى الضوء الأخضر للعدوان على اليمن، فإنما ليحقق أمرين، أولهما الكشف الحقيقي لميزان السعودية ومدى ثقله في العالمين العربي والإسلامي، والذي ظهر ضعيفا للغاية حتى لا نقول متهالكا، قد تآكل جراء عوامل التعرية السياسية، والثاني هو إغراق اليمن في فوضى دموية وتدمير هائل للبنى التحتية، ما يحرم اليمنيين من بناء دولة قوية يتأتى لها استغلال باب المندب، الذي يعتبر شريانا بالغ الأهمية للتجارة الدولية؛ وهنا أخفقت السعودية ثانية بشكل مدوي، وانهارت صورتها لدى الرأي العام العربي والإسلامي، وسقطت كل حساباتها التي وضعت على اعتبار تحقيق نصر حاسم لا يتجاوز الشهر من العمليات.

بعد كل هذا وبعد ارتفاع أصوات من داخل الأسرة الحاكمة تنادي بالتغيير، يمس الأشخاص والسياسات؛ وبعد الأزمة الخطيرة التي تفجرت مع عيد الأضحى، إن صح الادعاء الإيراني بأن هناك شخصيات رفيعة دبلوماسية وعلمية قد اختفت، وأثبتت إيران بالأدلة القطعية للعالم صحة روايتها، فأي مخرج للنظام السعودي من كل هذه الإخفاقات والكوارث !!!؟ هنا استحضر ردود الرئيس بشار الأسد، وهو في خضم الحرب الطاحنة عليه وعلى بلده، كلما سئل من قبل وسائل الإعلام الغربية العريقة، والتي تزاحمت لتسجيل لقاء معه، عن موقفه من السعودية، كان لافتا بالنسبة لي، ردوده الدبلوماسية العالية، وانتقاءه للمفردات بعناية بالغة، وخلاصتها أنه لا يحمل عداء ولا كراهية للسعودية ولا حتى لنظام حكمها، ويعبر عن استعداده لعودة العلاقات متى راجعت السعودية موقفها.

أعتقد جازما أنه لن يخرج السعودية من ورطتها في اليمن، لارتباط – كما تدعي السعودية ذاتها- علي عبد الله صالح وأنصار الله ومن معهم بإيران وحزب الله، ولن ينجيها من مصيبة الضحايا الإيرانيين التي باتت ككرة اللهب تزداد اضطراما يوما بعد يوم، ولا من الهزيمة النكراء على أرض سورية، كما أقر الغرب أخيرا من هرمه إلى توابعه، إلا سورية التي تمثل طوق النجاة الوحيد في الساحة، لما تملك من قوة وتأثير في الساحات الثلاثة؛ فهل يختار الملك سلمان منطق الحكمة والعقل، ونرى قريبا طائرته رابضة بمطار دمشق؟ وهل الرئيس الأسد على استعداد لأن ينقذ نظام الحكم في السعودية مقابل تراجع الأخير عن سياساته؟ وكما كان من يخالفنا الرأي يعتقد جازما أن بقاء الأسد أكثر من عام في سدة الحكم وصموده مجرد وهم نحن نسوقه ونزينه للقراء، وكما كان من يخالفنا الرأي يعتبر يقينا أن مؤتمر جنيف هو المدخل الوحيد لحل الأزمة السورية، وأن القيادة السورية وإيران وروسيا لا يملكون من الأمر مثقال ذرة، ويتهمنا في هذا الشأن بالسريالية والخيال الجامح؛ أعلم اليوم أنهم يرون زيارة الملك سلمان لسورية ضربا من التهريج الفكري والعبث اللفظي؛ وشخصيا كما رأيت من قبل، أرى بأن هذه الخطوة وارد التحقق فضلا عن كونها واجبة، شريطة أن يمسك الملك بلجام الحكمة السياسية الواقعية، ويفيق من أحلام اليقظة التي أطبقتها عليه بطانة السوء.

 

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2015/10/01

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد