آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. وفيق إبراهيم
عن الكاتب :
باحث استراتيجي متخصص في شؤون الشرق الأوسط

مهاتير محمد يفضحُ المحمدَيْن الخليجيين؟

 

د. وفيق إبراهيم

هذه المسألة ليس مجرد مقارنة بين الأداء السياسي لقادة من الصف الاول في العالم الإسلامي.
بل تذهب الى حدود التمييز حتى بين دول تنصاع للنفوذ الأميركي، لكن ماليزيا تبدو قادرة في بعض الاحيان على اتخاذ مواقف تتناقض مع مصالح رعاتها الأميركيين فيما تعكس السعودية والإمارات نموذجين مستسلمين يفهمان حتى بالغمز والإشارة ما يريده البيت الابيض الأميركي وينفذان من دون أي اعتراض، حتى لو جاءت هذه المواقف على حساب مصالحهما.
فهل ماليزيا أقوى من اهم بلدين في الخليج؟

ماليزيا واحدة من الدول الإسلامية في جنوب شرق آسيا بنت علاقات عميقة بالأميركيين تحت ضغط الخطر الصيني والياباني والسوفياتي البعيد عنها نسبياً، لكنها نجحت ببناء دولة تقف عند بداية التقدم الصناعي قياساً بالغرب واليابان، لكنها متقدمة بالمقارنة مع العالم العربي صناعياً وسياسياً وذلك لالتزامها بالانتخابات الشعبية الوسيلة الاساسية لانتاج الطبقة السياسية التي تعاون ملكها على إدارة البلاد.

لإظهار قوة الدولة الماليزية في انتاج القرارات، يجب تسليط الضوء على مواقفها من مسألتين إيران وفلسطين.

لقد فاجأ رئيس وزرائها مهاتير محمد في مؤتمر منتدى الشباب في قطر منذ أيام عدة، العالم بأسره عندما جزم بأن العقوبات الأميركية على إيران تنتهك ميثاق الامم المتحدة وتخترق صلاحيات القانون الدولي الذي ترعاه الامم المتحدة بمفردها.

ماذا يعني هذا الكلام؟ قد يبدو مجرد رأي عابر أطلقه سياسي كان يمر بصحوة «ضمير»، لكن صاحب الموقف هو أعلى سلطة سياسية منتخبة في ماليزيا لم تعتد على إطلاق الكلام على عواهنه.

اما اهمية هذا الكلام فإنه يتجرأ على معارضة الحروب الأميركية الجديدة بالخنق الاقتصادي. وهذا اسلوب يستعمله الأميركيون حالياً لتدمير اليمن وسورية ولبنان والعراق ويؤدبون فيه الصين وروسيا وتركيا وبعض انحاء اوروبا عند الحاجة، ملوّحين باستعماله على كندا والهند واليابان.

هو اذاً أسلوب الخنق الأميركي حتى الموت، بقطع سريان الدولار العملة العالمية للاستيراد والتصدير ومنع التحويلات به الى البلدان المستهدفة، بما يقطع حركة الاستيراد والتصدير منهكاً في البداية الاقتصادات المستهدفة ومؤدياً الى تفجيرها في مراحل متوسطة.

إن هذا الاعتراض الماليزي على الحروب الأميركية الجديدة في اهدافها الإيرانية، هو عمل شديد الشجاعة فقد كان ممكناً ان لا يعيره الأميركيون اهمية لو لم يتعلق بإيران، الدولة التي اخترقت النفوذ الأميركي في العالم الإسلامي، لكن ارتباطه بالجمهورية الإسلامية يصيب الأميركيين بحنق ربما يرتد على السياسة الماليزية في مراحل لاحقة، لكن مهاتير محمد يعرف في عمق الأمور ان الأميركيين يريدون من حصار إيران إبعاد البلدان التي تريد عقد اتفاقات اقتصادية معها ومنهم ماليزيا. لذلك أكد على أحادية القرارات الأميركية وقد لا يلتزم بها اذا تمكن من الفرار من تداعياتها بدعم روسي – صيني.

هناك موقف آخر لافت للماليزيين وهو رفضهم للقرارات الأميركية بنقل سفاراتهم الى القدس واعترافهم بها عاصمة لـ»إسرائيل»، والانسحاب الأميركي من وكالة الأونروا في الضفة الغربية واعتبروا ان هذه التدابير هي إلغاء لفلسطين بشكل كامل، الى جانب رفضهم تقديم الجولان السوري المحتل هدية أميركية «للعزيزة اسرائيل»، كما قال الرئيس الأميركي ترامب.

بالمقابل زايدت كل من السعودية والإمارات على الحصار الأميركي على إيران حتى وصلتا الى حدود مطالبة أميركا وتالياً «إسرائيل» على مهاجمة إيران عسكرياً، ولا تزالان حتى اليوم تدعوان الى القضاء على ما تسمّيانه «بالميليشيات الإيرانية في اليمن والعراق وسورية ولبنان».

اي أنهما تؤيدان هجوماً أميركياً إسرائيلياً عسكرياً واقتصادياً على إيران وما تزعم أنها «اذرعة» لها في المنطقة. ولهذه المواقف ابعاد أميركية واخرى خاصة بهاتين الدولتين، فهي اولاً حامية للنفوذ الأميركي في المنطقة، ومعرقلة للتحالفات الايرانية فيها. والسؤال هنا، هو حول الاستفادة الخليجية من استعداء ايران بإنشاء محاور في الشرق الأوسط متقاتلة تضعف دوله وتجعلها ضمن القبضة الأميركية الى امد طويل.

على المستوى الفلسطيني، يبدو الموقف الماليزي لمهاتير محمد متقدّماً على موقفي السعودية والإمارات، فحتى لو لم تصدر ماليزيا موقفاً حازماً من الإلغاء الأميركي الاسرائيلي لقضية فلسطين فإن لا أحد يلومها.
لكنها تجرأت على اعلان موقف متقدم على السياسات المصرية والقطرية والأردنية ومواقف رئيس السلطة محمود عباس بالإضافة الى سلسلة المواقف الخجولة في المغرب الكبير من كازبلانكا حتى الحدود الليبية مع مصر.

هنا الى جانب السعودية والإمارات اللتين رفضتا نقل السفارة الأميركية الى القدس في موقف حبي تفهمه الراعي ترامب ليقينه أنه مجرد سطور ممدودة لا قيمة فعلية لها.

وبالفعل فإن التنسيق الأميركي الخليجي، يتطور ليشمل «اسرائيل» في حلف معادٍ لإيران وسورية والعراق وغزة وحزب الله.

فكيف يمكن اذاً حتى المقارنة بين مهاتير محمد وبين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وولي العهد الإماراتي محمد بن زايد؟

او بين بلادهم ماليزيا المحافظة على انتماءاتها ومصالحها وبين السعودية والإمارات اللتين تبيعان كل شيء مقابل استمرار حكامها في السلطة؟لا بد اخيراً من توجيه تحية الى رئيس وزراء مهاتير عسى ان يظهر مقلدون له وسط عرب الانحطاط.

جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2019/12/18

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد