آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. وفيق إبراهيم
عن الكاتب :
باحث استراتيجي متخصص في شؤون الشرق الأوسط

محنة العراق بين الأسباب الداخلية والتدخل الخارجي


د. وفيق إبراهيم
يتدحرج العراق بسرعة من أزمة تبدو سياسية في ظاهرها، الى قضية وطنية كبرى تهدّد بالتحوّل الى صراع مكشوفبين أقاليم عرقية ومذهبية.
هذا لا ينفي السمات الطبقية والسياسية للانتفاضة الشعبية التي تجتاح العراق منذ ثلاثة أشهر متواصلة في المناطقالجنوبية وبعض أنحاء العاصمة بغداد وجوارها.
ما يُشجّع على استيعاب أفضل لحركة جماهيرية عفوية ضاقت ذرعاً بالفساد السياسي الذي يدكّ أرض الرافدين منذ2003 تقريباً ويحرم أهلها من المياه العذبة والبنى التحتية وفرص العمل والحياة الكريمة ويستوعب أكثر من ضرورةالفصل بين هذه الانتفاضات المحقة وبين انخراط سياسي فيها لا ينتمي اليها، إلا بالتحريض والعمل على تأجيجهالتصبح مبرراً لصراعات قد تؤدي الى تمزيق العراق الى اكثر من كانتونات.
وإلا كيف نفهم حركة رئيس الجمهورية برهم صالح الذي رفض تطبيق المادة 76 من الدستور العراقي التي تنصّ علىتسليم الرئيس اسم المرشح لرئاسة مجلس الوزراء على أن يكون منبثقاً من الكتلة الأكبر في المجلس النيابي.
وبما أن الدوائر الدستورية أفتت بأن كتلة «البناء» التي يترأسها هادي العامري هي الأكبر، فكان لزاماً على الرئيس برهمصالح إعلان مرشحها اسعد العيداني رئيساً للحكومة ومكلفاً بتشكيلها.
لكنه وفي إطار مناورة لم يصدقها أحد، أعلن رفضه هذا التكليف، وهذا ليس من حقه الدستوري، مؤكداً في رسالة الىرئيس المجلس النيابي الحلبوس استعداده للاستقالة مستولداً بذلك نيراناً اضافية تزيد من حدة الاضطرابات التي أدّتحتى الآن الى نحو 500 قتيل وآلاف الجرحى، في تظاهرات مفتوحة اندس فيها مأجورون يطلقون النار على المتظاهرينوالقوى الأمنية معاً، وتبين أن الفاعلين هم من بقايا حزب البعث التابع للرئيس السابق صدام حسين، ومندسّين محسوبينعلى الاخوان المسلمين وبعض الإماراتي، بالاضافة الى الدور الأميركي الواضح الذي يتدخل في العراق انطلاقاً من تسعقواعد عسكرية تنتشر من الحدود السورية وحتى أعالي كردستان.
ان كل الاطراف السياسية الإقليمية والدولية ذات صلة بالأزمة العراقية، وجدت فرصتها التاريخية السانحة لتتدخل ببعدوحيد وهو القضاء على بنى سياسية عراقية متحالفة مع ايران وسورية، هذا فضلاً عن قوى عراقية ككتلتي «سائرونوالحكمة» التي تعتقد أن هذه التظاهرات قد تتيح لهما احتكار رئاسة مجلس الوزراء من المنافسين في حركة «البناء».
هناك ايضاً لاعب مهم وهو المرجعية الإسلامية العليا التي لا تمارس السياسة إلا من زاوية مصلحة عموم العراقيين وأمنالبلاد.
لكنها لا تستطيع الولوج في لعبة اختيار الأسماء المناسبة، لما تشكله من ضرر بالإجماع العراقي حولها، لذلك نجدهامأزومة لكنها نجحت في دفع مجلس النواب الى الموافقة على قانون انتخابات جديد، وتضغط لإجراء انتخابات عاجلةلإعادة انتاج طبقة سياسية جديدة تتلاءم مع مطالب الانتفاضة الشعبية، وبذلك تكون المرجعية قد اسهمت في مشروعلحل الازمة الشعبية الداخلية ووضعت حداً لتدخلات القوى الداخلية التاريخية المهزومة وارتباطاتها الإقليميةوالأميركية.
ويبدو أن القوى السياسية العراقية تفضل الدخول في معادلة تشكيل حكومة جديدة لتهرب من انتخابات تبدو نتائجهاالمرتقبة بأنها لمصلحة الانتفاضة الشعبية.
ضمن هذا السياق، يجب استيعاب ان ما فعله برهم صالح هو مزيد من تأزيم الأزمة لمصلحة إحداث فراغ دستوري فيمجلس وزراء ينتج القرار في العراق، وممارسة لعبة التعطيل يندرج في إطار السياسات نفسها التي يلعبها الاميركيونفي العراق، فكيف يمكن لبرهم أن يذهب هذا المنحى وهو الذي يعرف مدى ارتباط الإصلاح الداخلي بالصراع بين المكوناتالعرقية والمذهبية والاحتلال الاميركي والادوار الخليجية والتركية، كما يعرف ايضاً ان كردستان التي ينتمي اليهامحكومة من آل البرزاني الذين ينهبون موازنتها ونفطها ويبيعونه لتركيا، وهو لا يجهل أن آل البرزاني يتحضّرون لاعلاناستقلالية اقليمهم نسبياً وربما الى حدود الانفصال الكامل، لذلك فإن اعتكافه في كردستان يأتي مثابة تشجيع علىالتقسيم وتشجيع لقوى الوسط على انتهاج الأسلوب نفسه، وهنا يأتي فوراً مدى التأثير الأميركي على برهم وأمثاله.
هل هذا يعني ان الانتفاضة الشعبية ليست اصيلة؟ إنها اكثر من ذلك لأنها تأتي رداً على فساد سياسي تشكل القوىالتي حكمت العراق منذ 2003، عمودها الرئيسي، وهي نفسها التي تشكل الغالبية النيابية وتتحالف مع إيران التي لاعلاقة لها بهذا الفساد.

ما هو المطلوب اذاً؟ ليس معقولاً أن تتقدم كتلة البناء بترشيح أسعد العبداني محافظ مدينة البصرة المحرومة من أبسط أنواع الخدمات العامة، حتى من مياه الشرب، ويوجد فيها أعلى نسبة بطالة وفساد، فجاء هذا الترشيح ليشكل تحدياً للمتظاهرين الذين يشكل أهالي الجنوب نحو 90 بالمئة منه، وعاصمتهم البصرة التي تحوّلت في الخمس عشر عاماً الاخيرة أرضاً يباساً جافة تحتاج الى كل شيء وتحتجب ويعمها فقر غير مسبوق.العراق الى أين؟نصيحةالمرجعية بالانتخابات العاجلة ضرورة،على أن يليها تشكيل للحكومة وفق ترشيح من تختاره الكتلة الأكبر،واستعادةالممكن من الأموال المنهوبة، بذلك يجري تجديدالطبقةالسياسية التي يجب أن تحكم العراق ببرنامج عمل عنوانه إنقاذأرض الرافدين من الفقر المدقع والاحتلال الأمريكي.

جريدة البناء اللبنانية
 

أضيف بتاريخ :2019/12/29

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد