آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
نور الدين أبو لحية
عن الكاتب :
كاتب وأستاذ جامعي جزائري

ما وراء خطاب السيد خامنئي للعرب

 

نور الدين أبو لحية

وصف مُرشِد الثورة الأبعاد الحضارية التي ينبغي للشعوب مُراعاتها للتخلّص من كل أشكال الهيمنة، ويمكن تلخيصها في عدد من الأبعاد.

من خلال تحليل القسم العربي من خطبة الجمعة التي ألقاها مُرشِد الثورة في إيران السيِّد علي خامنئي بتاريخ 17/1/2020، نرى الكثير من الطروحات المهمَّة التي تُحدِّد الأهداف والأبعاد الاستراتيجية لمحور المقاومة، ومن أهمّها ضرورة مواصلة المقاومة العسكرية لمواجهة الصلف الأميركي وعملائه وذيوله في المنطقة.
وقد بيَّن السيِّد خامنئي إمكانية ذلك، فـ"الحرس الإيراني دكَّ بضربةٍ متقابلةٍ أوليةٍ صاروخيةٍ القاعدة الأميركية، وسَحَق أبّهة تلك الدولة الظالِمة المتكبِّرة وغطرستها"، لكنه لم يكتفِ بذلك، بل بيَّن أنَّ أهداف محور المقاومة أعظم من أن تنحصر في المجال العسكري أو أن المجال العسكري مجرَّد بُعد من أبعادها، يهدف إلى تحرير كل المنطقة من الهيمنة الأميركية عبر استعمال كل الوسائل الممكنة، كما عبَّر عن ذلك حين عدَّ الضربة الموجّهة إلى أميركا مجرَّد صفعة، وأنَّ الهدف الاستراتيجي هو إخراجها من المنطقة.
وثمة أهداف أبعد من ذلك - كما يرسمها مُرشِد الثورة الإسلامية - تليها أو تتزامن معها، هي تحقيق نهضة حضارية جديدة للأمَّة تنطلق من التخلّص من كل آثار الهيمنة الغربية على الشعوب الإسلامية، والتي وصفها بقوله: "القوَّة الغربية بالاعتماد على العلِم والتقنية، والسلاح العسكري، والإعلام الكاذِب، والأساليب السياسية الماكِرة، استطاعت أن تُهيمِن على بلدان المنطقة. ومتى ما اضطرت إلى الجلاء من بلدٍ إثر نهضة شعبية، فإنها لن تكفّ قَدْر ما استطاعت عن التآمر، والاختراق التجسّسي، والسيطرة السياسية والاقتصادية، وزرعت الغدَّة السرطانية الصهيونية في قلب بلدان غرب آسيا، وعمدت إلى وضع بلدان المنطقة في تهديدٍ مستمر".
بناءً على ذلك، وصف الإمام خامنئي الأبعاد الحضارية التي ينبغي للشعوب مُراعاتها للتخلّص من كل أشكال الهيمنة، ويمكن تلخيصها في الأبعاد التالية:

البُعد الوحدوي والتوعَوي

هو أول الأبعاد وأهمّها، ذلك أنَّ أميركا لم تكن لتتسلَّط على شعوب المنطقة لولا استعمالها سياسة التفريق الطائفي أو العِرقي والفِتَن والحرب الناعِمة، كما عبَّر عن ذلك بقوله: "الامتحان العسير الذي مرَّت به سوريا، والفِتَن المتوالية في لبنان، والأعمال الاستفزازية والتخريبية المستمرة في العراق، نماذج لذلك.. الاغتيال الصريح لأبي مهدي القائد الشجاع للحشد الشعبي وقائد الحرس الكبير قاسم سليماني نماذج نادِرة لهذه الفِتَن في العراق.. هؤلاء يريدون أن يحقِّقوا أهدافهم الخبيثة في العراق عن طريق إثارة الفِتَن والحروب الداخلية، وبالتالي تقسيم العراق وحَذْف القوى المؤمِنة والمناضِلة والمُجاهِدة الوطنية".
ويُشير السيِّد خامنئي بذلك إلى ضرورة توافر مقاومة أخرى غير المقاومة العسكرية، وهي التوعية وبثّ مفاهيم الوحدة بين شعوب المنطقة، ما يحميها من آثار الفِتَن التي يبثّها محور الشر والفتنة الذي تقوده أميركا وعملاؤها.
وقد أشار إلى الدور المنوط بالعُلماء في تحقيق ذلك، فقال: "على العالم الإسلامي أن يُزيل عوامِل التفرقة. وحدة عُلماء الدين قادِرة على أن تكتشف أسلوب الحياة الإسلامية الجديدة".
وأشار كذلك إلى دور وسائل الإعلام، فقال: "التنسيق بين وسائل إعلامنا بإمكانه أن يُصلِح جذور الثقافة العامة، والتلاحُم بين قوانا العسكرية سيُبعِد المنطقة كلها من الحروب والعدوان".

البُعد العِلمي والتقني

لقد أشار إليه السيِّد خامنئي عند حديثه عن النهضة الحضارية الجديدة، فقال: "تعاون مجتمعنا من شأنه أن يرتقي بالعِلم والتقنية، وبذلك تستطيع أن تضع أساس الحضارة الجديدة".
ليس المقصود بالعِلم والتقنية في خطابات السيِّد خامنئي ما يُحقِّق التفوّق العسكري فحسب، وإنما التقدّم العِلمي والتِقني في كل المجالات أيضاً. ولذلك، يرى في خطاباته الكثيرة أن صِراع الغرب، وخصوصاً صراع أميركا مع إيران، ليس لأجل تخصيب اليورانيوم، وإنما لأجل ما تحقّقه على يد عُلماء إيرانيين، وبقُدراتٍ محلية، وهو ما قد يسمح بتطوّر عِلمي في مجالاتٍ أخرى كثيرة.
تتجلّى أهميّة هذا البُعد في كونه السلاح الأكبر الذي تواجه به الغطرسة الأميركية والغربية، والتي تستغلّ تقدّمها العِلمي والتِقني في الهيمنة على الشعوب، بدلاً من خدمتها والتعاون معها. 
ويُشير السيِّد خامنئي في خطاباته الأخرى عند ذِكر الحضارة الجديدة إلى أهمية البُعد الأخلاقي والروحي الذي لم يتوافر في الحضارة الغربية. وبذلك، فإنّ العِلم والتقنية اللذين يسعى محور المقاومة إلى تحقيقهما في الواقع، لا يقصد بهما الهيمنة والسيطرة، وإنما خدمة الإنسانية.
ولهذا، يذكِّر كثيراً بحُرمة استغلال التقدّم التقني النووي في صناعة الأسلحة الذرية، لمُنافاته مع الأبعاد الأخلاقية والإنسانية، على عكس النظرة الغربية التي أجازت لنفسها صناعة هذا السلاح واستعماله، بسبب افتقادها إلى البُعد الأخلاقي.

البُعد الاقتصادي

وهو البُعد الثالث الذي أشار إليه. وقد عبَّر عنه بقوله: "الارتباط بين أسواقنا سيُحرِّر اقتصاد بلداننا من سيطرة الشركات الناهِبة"، وهو بذلك يُشير إلى أن أميركا ومحور الشر، بناء على فَهْمِهم الخاطئ للحضارة، استغلّوا الاقتصاد في الهيمنة على الشعوب والسيطرة عليها، ولذلك يُهدِّدون كلّ دولة تريد أن تخرج من سُلطانهم بالمقاطعة الاقتصادية.
ولعلّه يُشير بذلك أيضاً إلى التهديدات الأميركية للعراق بالحرب الاقتصادية في حال رغبته في إخراج قواعدها.

البُعد الاجتماعي

وهو من أهم الأبعاد، وقد أشار إليه بقوله: "تبادُل الزيارات بين شعوبنا سيُقرِّب القلوب والأفكار، ويخلق روح الوحدة والمودَّة بينها".
وتتجلّى أهميّته في كونه المظهر الأكبر للخروج من الهيمنة الغربية، ذلك أنَّ الغرب منذ استعماره للمنطقة، استطاع أن يضع الحواجز الكبيرة بين الشعوب، حتى لا تتحقَّق وحدتها أو يحصل أيّ تعاون بينها.
وأول القائمين على تحقيق هذا البُعد في الواقع هم العُلماء ووسائل الإعلام، الذين يستطيعون عبر الدعوة إلى الوحدة والقِيَم المُرتبطة بها إزالة كل الحواجز التي تحول بين الشعوب وتحقّقها.
وقد ختم السيِّد خامنئي كلمته للعرب بقوله: "العالم الإسلامي لا بدّ من أن يفتح صفحة جديدة، والضمائر اليقظة والقلوب المؤمِنة يجب أن تُحيي الثقة بالنفس في الشعوب، ويجب أن يعلموا أن طريق نجاة الشعوب هو في التدبير والاستقامة وعدم الرهبة من العدو".
ويُنبّه سماحته هذه الشعوب إلى ما يُشاع عن إيران ودورها في المنطقة من الخِدَع التي يستعملها الغرب، فإيران هدفها مصلحة المنطقة، ولا تسعى إلى أيّ نفوذ فيها، ويقول: "إعلام العدو يتّهم إيران بإثارة حروب بالنيابة، وهذه فريّة كُبرى، فشعوب المنطقة قد استيقظت، وقُدرةُ إيران في مقاومتها الطويلة أمام خُبْثِ أميركا قد تركت أثرها في الجوّ العام للمنطقة وفي معنويات الشعوب".

الميادين نت

أضيف بتاريخ :2020/01/25

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد