آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
طالب الحسني
عن الكاتب :
كاتب وصحفي يمني

السعودية تحارب نفسها في اليمن

 

طالب الحسني

السعودية تحارب نفسها بأشكال متعددة في اليمن ، الأمر ليس تركيب جمل ، إنها محاولة لتفسير سلوك الرياض منذ منتصف 2017 في محافظة المهرة بوابة اليمن الشرقية الحدودية مع سلطنة عمان ، والسلطنة الهادئة منذ 100 عام على الأقل ، حتى بعد طرد الإحتلال البريطاني 63-67 وتعاعقب حكومات الجبهة الوطنية ثم الحزب الاشتراكي وصراع الحزب طوال عقدين ونصف ، بقيت هذه المحافظة خارج الصراع العنيف رغم كونها استراتيجية من حيث الموقع والجغرافية السياسية ، مطلة على البحر العربي وحدودية مع دولتين ، السعودية وسلطنة عمان .
سنعزل هنا المحافظة عن اليمن  لفهم أوسع للسلوك السعودي :
أي خبير سياسي أو جغرافي أو اقتصادي يعرف المحافظة وموقعها بالنسبة للسعودية سيقول لك هذه الجغرافيا تشكل منطقة أطماع للرياض والإمارات ، إذا أضيف لها الخلاف السعودي العماني ستكون منطقة اشتباك مصالح جوسياسية ، تنطبق هذه الأهمية على مدن كثيرة بالنسبة لدول مجاورة ، هذا النموذج موجود في العالم ، لكن من حق هذه المدن والمساحات أن تحتفظ بسيادتها واستقلال الدولة التي هي جزء منها ، أكثر من ذلك أن القوانين الدولية تكون أكثر تشددا وحساسية إزاء مناطق مثل هذه لخلق حالة من الاستقرار وضبط الأطماع ، السعودية تدرك ذلك وكل الملوك السابقين للملكة كانوا أيضا يفهمون حساسية أن ” يقفزوا ” لضم هذه المحافظة  أو بسط السيطرة عليها ، على الرغم من أن اليمن سواء قبل الوحدة 1990 أو بعدها مر بمراحل صراع وضعف الدولة المركزية كأحد الأسباب التي فكرة التوسع السعودي  .
هذه الشبكة من التعقيدات  يتم تجاوزها حاليا في عهد العاهل السعودي سلمان ونجله محمد بن سلمان ، وما يجري في محافظة المهرة اليمنية أن السعودية تريد وضع يدها عليها وفرض نفوذ ليس سياسي بل عسكري ووجودي وتطويعها للأمر الواقع كمرحلة أولى يتبعها تنفيذ مشاريعها الاقتصادية والعسكرية والسياسية ، واحد وأكبر هذه المشاريع الإطلالة على البحر العربي وتوسيع موانئ نشطون ومد خط أنابيب نفط ومياه بطول قرابة 1000 كيلو متر ، وبالتالي نقل نفطها إلى هذه الموانئ والتخفيف من الإعتماد على مضيق هرمز وأيضا التقليل من تكلفة ” الصراع ” مع إيران .
التموضع بهذا الشكل سيجر إلى بناء شبكة من المعسكرات و القواعد العسكرية ، ستكون هذه قريبة وعلى حدود سلطانة عمان .
 هل تدرك السعودية أن تنفيذ هذا التمدد السياسي والعسكري وعلى حساب ثلاث دول ، اليمن وعمان وإيران سيكون ممكنا ودون أن يجر إلى حرب بل ربما حروب مستقبلية ؟! هل يكفي لتنفيذ هذا التوسع وجود عبد ربه منصور هادي والشرعية المزعومة في الرياض وتحت سيطرتها ، وهي حتى الآن لم تستطع حسم المعركة العسكرية العدوانية على اليمن ؟ّ!
الصدام مع قبائل المهرة أول هذه الحروب وأخطرها ، وما يحصل حاليا هي بداية الشرارة ، يجب أن تقرأ الرياض أن رفض معظم قبائل المهرة وانتفاضتهم وثورتهم ضدها منذ منتصف 2017 لمنع تموضعها العسكري وتنفيذ مشاريعها على حساب سيادتهم واستقرار المحافظة وحمل السلاح في وجه وجودها العسكري سيمتد طويلا وسيحمل نتائج عسكية تماما ، استخدام القوة العسكرية المفرطة والتحليق بالحوامات العسكرية فوق سكان المحافظة والتعامل بكم كبير من الاستعلاء والغطرسة مثلما يحصل حاليا ومنذ اسبوع لفرض التواجد في معبر الشحن وصيرفيت بالقوة  وهو سلوك لم يحصل تأريحيا سيجعل كل الوجود العسكري للسعودية في المحافظات الجنوبية اليمنية طعما سهلا للمقاومات التي تتولد حاليا في معظم المحافظات ، كما أنه يعزز الشعور بأن السعودية والإمارات تنفذان سلوكا احتلاليا واستعماريا واضح المعالم وليس له علاقة بما تقول الرياض أنه ” مساعد” لإعادة ” شرعية ” لا يؤمن بها 90% على أقل تقدير من سكان الجمهورية اليمنية في كل جهاتها الأبع .

ما تمارسه السعودية في اليمن يمكن أن ينطبق على دولة عظمى لديها القوة الكافية على أن تتحول إلى قوة احتلال تمارس هيمنة على جزء واسع ومهم من دولة أخرى وتملك مقومات البقاء بالقوة في هذه المناطق التي تحتلها وبالتالي عندها القابلية أن تتحمل أعباء مواجهة ثورات ومقاومات متعددة دون أن يتأثر المركز ، هذا الأمر لا ينطبق على السعودية فهي هنا تلعب دورا أكبر من حجمها بكثير ، على الأقل هذا ما تشعر السعودية به الرياض خلال الـ 5 السنوات من تدخلها في اليمن ، ليس بمقدور السلطات في المملكة أن تقول هذه الحرب التي تحولت إلى مستنقع لم تؤثر على مركزها الاقليمي والدولي وواقعها الاقتصادي والعسكري والسياسي في العالم ومنطقة الشرق الأوسط على الأقل ، أكثر من ذلك أن استمرار الحرب بهذا المستوى 5 سنوات أخرى قد يقود إلى سقوط السعودية نفسها ، هذا النوع من النفوذ لم يعد يفكر به أحد بما في ذلك الدول التي تستطيع ، هذا النفوذ أيضا تقليدا لم يعد يصلح في هذا القرن ، لقد تغيرت مفاهيم السيطرة والتحكم بسياسات دول أخرى ، تغيرت أيضا الأدوات ، العالم حاليا يشهد تغييرا جذريا في أشكال وأنماط النفوذ ، لا يعتمد على القوة العسكرية والقواعد والجنود والعربات والتسليح الجاف .
السعودية فعلا تحارب نفسها في اليمن ، لا يشير سلوكها إلى أنها تساعد سياساتها المفترضة بما في ذلك حماية أمنها القومي والوطني ، تجربة حربها على اليمن وقيادتها للتحالف ” العربي ” المزعوم الذي لم يتبقى سوى الرياض فيه  يشكل النموذج الذي يتم الاستشهاد والتدليل به على أنه واحد من النماذج الفاشلة ,  أليس من الموجبات أن تسأل القيادة السعودية لماذا تقوم باستنبات ثورات ضدها في كل مناطق تواجدها في اليمن ؟ !

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2020/02/20