آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
حسن المصطفى
عن الكاتب :
كاتب وباحث السعودي

تفجيرات بروكسل: الأنانية ونسيان الآخر!


حسن المصطفى ..

    شخصياً، لا أعتقد أن هنالك مراجعة جادة وحقيقية للأفكار التي تولد الإرهاب قد بدأت بشكل مؤسس ومنظم في المجتمعات المسلمة. فحتى الساعة نحن خاضعون لمنطق ردات الأفعال، والإدانات السريعة، والمواقف الأخلاقية الاعتذارية، التي هي أقرب إلى "تبرئة الذات" منها إلى شعور حقيقي بعمق المأساة، والمسؤولية تجاه ما يحدث من إرهاب بات يهدد سلامة الإنسانية وعلاقاتها.

حتى تلك الإدانات التي صدرت من جهات وأفراد عدة، تحمل في طياتها طابعا "أنانيا"، لا ينظر إلى "الضحية" وما نالته من أذى، وإنما يبدي خشيته تجاه ما سينتج من أعمال محتملة ضد "المسلمين" في أوروبا، وما قد تتعرض له المحجبات أو المنقبات.. فيما البعض يتحدث عن قلقه على صورة الإسلام التي شوهت!. وجميعها مواقف تدور حول "الذات" والخوف عليها، لا عن "الآخر" والضرر الكبير الذي أصابه، ما يشي بأن هنالك عدم اكتراث تجاه "الغير"، وعدم اعتداد بإنسانيته وكينونته ووجوده، إلا من خلال تأثير ذلك على "الذات" سلبا أو إيجابا.

إن السؤال الذي يوجه لهذا النوع من الإدانات المستترة، هو: ماذا لو لم يكن هنالك ضرر على المسلمين أو صورة الإسلام مما حصل؟

وماذا لو أن التفجيرات التي وقعت في بروكسل لن تؤدي لأن ترتفع نبرة اليمين المتطرف في أوروبا تجاه الوجود الإسلامي ومظاهره، من حجاب ومساجد وشعائر، هل سيكون هنالك حينها موقف مختلف، ولن يكون هنالك أي حاجة للتنديد والاستنكار، ولن نحتاج للتعبير عن حزننا ورفضنا لما حصل؟!.

إن الموقف تجاه القتل والعنف، يجب أن يكون واضحا وصريحا، وهو أن الإنسان له قيمته، بوصفه كائنا موجودا، له حقوقه واحترامه، بغض النظر عن جنسه أو دينه أو عرقه أو لونه. فالسلاح يجب ألا يُشهر تجاه أي مسلم، أو مسيحي، او يهودي، أو بوذي، أو لا ديني.. لأن "الإرهاب" عمل مخالف للقانون، ينتهك القيم الإنسانية التي تنظم العلاقة بين المجتمعات البشرية.

"ليس من حق أي شخصن بأي حال من الأحوال، أن يحقد على شخص آخر في شأن متعه المدنية، لا لسبب، إلا أنه ينتمي إلى كنيسة أخرى، أو يؤمن بدين آخر"، يقول الفيلسوف الإنجليزي جون لوك، مضيفا "كل الحقوق والامتيازات التي تخص هذا الشخص، من حيث هو إنسان، أو من حيث هو مواطن، من اللازم أن تكون محفوظة له، دون أن تنتهك". مشددا على أن "الحقوق والامتيازات لا علاقة لهما بالدين. ومن ثم يجب ألا يلحق هذا الشخص أي عنف أو ضرر سواء أكان مسيحيا أم وثنيا".

مسألة الحق في الوجود والاختيار الحر، هي أساس ما يتحدث عنه جون لوك، وهو ما بنيت عليه تاليا الشرعة الدولية لحقوق الإنسان. لأن "الدين" شأن فردي، يخص الإنسان وحده، ويرتبط بقناعاته وإيمانه. إلا أنه لا يحق له أن يفرضه على الآخرين بالقوة أو الإكراه، أو يجعله محددا لعلاقته بالمحيط الاجتماعي من حوله. لأن العلاقة في الدولة الحديثة بين الأفراد، علاقة ذات طابع تعاقدي مدني صرف.

المجتمعات الإسلامية لا تزال تعاني من مشكلة في معنى "الهوية"، وفي علاقتها مع "الآخر". من هنا "تستدعي مساءلة الذات، المساءلة عن الآخر. وتستدعي حركية الهوية الاعتراف بالآخر، من حيث إنه مختلف حد التناقض (أحيانا)، ومشارك في المعرفة والحقيقة"، كما يرى أدونيس، معتبرا أنه "دون ذلك لا تكون الذات نفسها إلا توهما، أو انتفاخا مرضيا".

هذا "الانتفاخ المرضي" الذي حذر منه أدونيس، السبب الرئيس له، هو الاعتقاد ب"الاكتمال"، وأن الهوية هي معطى ناجز، تام، نأخذه كما تشكل في العصور الأولى للرسالة قبل 1400 عام، كما هو!. دون أن نعي أن "الإنسان يبدع هويته، فيما يبدع فكره وعمله". وهو الوعي الذي يغيب عن "العقل الجمعي" في المجتمعات المسلمة، ويدفعها إلى مزيد من الأصولية والانغلاق على الذات، بغية الحفاظ عليها مما تتوهم أنه خطر يهدد وجودها ونقاءها!.

صحيفة الرياض

أضيف بتاريخ :2016/04/02

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد