آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
صالح السيد باقر
عن الكاتب :
كاتب إيراني

شمخاني سيثبت لواشنطن ان مساعيها هواء في شبك

 

صالح القزويني

زيارة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الايراني الادميرال علي شمخاني لبغداد هي الزيارة الاولى لمسؤول ايراني بهذا المستوى منذ التظاهرات والاحتجاجات التي شهدها ويشهدها العراق  منذ تشرين الماضي وحتى اليوم.
التظاهرات التي ارغمت رئيس الحكومة عادل عبد المهدي على تقديم استقالته وارغمت البرلمان على تغيير قانون الانتخابات، وكان من بين المتظاهرين من رفع شعارات ضد ايران ودعاها الى عدم التدخل في شؤون العراق، بل بعضهم لم يكتف بذلك وانما احرق القنصليتين الايرانيتين في النجف وكربلاء؛ الا أن كل ذلك لم ينقل العراق الى ساحل الأمن والاستقرار، بل كان عدم الاستقرار يراوح مكانه رغم أن ايران طيلة هذه الفترة سحبت يدها من العراق عله يتمكن اولئك الذين طالبوها بعدم التدخل أن يتوصلوا الى صيغة ترضي الجميع.
بل حتى زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر الذي عاد للعراق ومن المفترض ان تكون عودته من ايران ودعمه لمحمد توفيق علاوي تشير الى العديد من الرسائل والدلائل، ولكن رغم ذلك فان علاوي لم يستطع الحصول على دعم كل القوى والكتل العراقية فقرر الاعتذار عن تشكيل الحكومة.
المساعي التي بذلتها واشنطن من أجل ابعاد ايران عن العراق ودعمتها في ذلك بعض الدول وفي مقدمتها بريطانيا لم تبدأ من ركوب موجة ثورة تشرين والسعي الى تغيير مساراتها وشعاراتها، وانما بدأت قبل ذلك  وبالتحديد عندما بثت قناة الحرة الاميركية البرنامج الذي تناول ادارة العتبات المقدسة وكانت تستهدف بذلك رأس الهرم الشيعي المتمثل بالمرجعية، وماكادت تنتهي عملية التحريض التي قامت بها الحرة حتى بثت قناة BBC العربية برنامجا استهدف عموم الشيعة ومعتقداتهم بذريعة تسليطه الضوء على زواج المتعة واستغلال البعض لهذا الزواج.
مالذي حصلت عليه واشنطن ولندن ودول أخرى من ابعاد ايران عن العراق سوى الفوضى وعدم الاستقرار، بل لولا اتزان بعض الفصائل العراقية التي هاجم المتظاهرون مقراتها وقتلوا قياداتها واحرقوا ودمروا ونهبوا هذه المقرات لكان العراق يشهد اليوم أعتى حربا أهلية، ولا أعتقد أن جفن واشنطن ولندن سيرفان آنذاك للعراق كما هو الحال لم يرف جفنهما لما وصل اليه.
هذا لا يعني أن مطالب ثورة تشرين غير مشروعة وان تضحيات المتظاهرين ذهبت ادراج الرياح، بل على العكس تماما أن الثورة حققت نتائج مبهرة وستبقى صورها ماثلة امام أي مسؤول عراقي يتولى السلطة في المستقبل، غاية ما في الأمر أن ثمار الثورة لن تتحقق من دون وجود حكومة تنفذ مطالبها ومطالب الثورة لا تكتمل الا بتغيير الدستور العراقي الذي وضع البذرة الأولى للفساد من خلال نظام المحاصصة بين المكونات الثلاث السنة والشيعة والكرد.
الدستور العراقي يتضمن مادة يبدو ظاهرها يخدم العراق وأن الذي اقترحها برر دسها فيه، بأن العراق عانى ما عانى جراء النظام الشمولي والمركزي ولكي يتخلص الى النهاية من ذلك عليه سن قانون اللامركزية وأن يشارك الجميع في الحكم، وظاهر الموضوع جذاب ومقنع للغاية ولذلك سارع كاتبوا الدستور الى تبنيه، ولكن باطنه هو نظام المحاصصة سيء الصيت، لذلك اذا اراد العراقيون التخلص نهائيا من كل المشاكل عليهم أن يطالبوا بعد تشكيل الحكومة واجراء الانتخابات وفق القانون الجديد ان يطالبوا بتغيير المواد الملغمة في الدستور ومن بينها مادة العراق يتألف من ثلاث مكونات.
شمخاني جاء للعراق ليساعد العراقيين على تحقيق المطلب الأول من ثورتهم وهو مجيء برلمان يمثل بشكل حقيقي ارادة العراقيين، وهذا المطلب لن يتحقق من دون مجيء حكومة تسعى لاجراء الانتخابات، لذلك فانه يسعى الى التقريب بين وجهات نظر القوى والاحزاب العراقية للاتفاق على شخص يحظى باجماع الأغلبية، وصحيح أن شمخاني لا يتمتع بالكاريزما التي كان يتمتع بها الشهيد سليماني الذي كان يتولى الملف العراقي، ولكن من دون شك فانه يتمتع بذات الشرعية التي كان يتمتع بها الشهيد سليماني ان لم تكن شرعيته أكبر من الشهيد فهو ممثل قائد الثورة الاسلامية في المجلس الأعلى للأمن القومي الايراني، والمتداول في ايران ان القرار الذي يتخذه مجلس الأمن القومي يسود على أي قرار وليس لاحد أن يحيد عنه أو أن لا يمتثل له، وبالتالي فان الجميع ينضوي تحت مظلة المجلس بما في ذلك حرس الثورة الاسلامية الذي كان الشهيد سليماني يقود فيلق القدس فيه.

والى جانب أن شمخاني كان احد قيادات حرس الثورة الاسلامية ويتمتع بتجارب عسكرية وسياسية واسعة فانه يجيد اللغة العربية مما يمنحه القدرة على التفاهم مع العراقيين والتوصل الى نقاط مشتركة معهم، خاصة وان معظم القوى والاحزاب العراقية الشيعية والسنية والكردية الكبيرة ليست لديها مشكلة اساسية مع ايران، وبالتالي يمكن أن تلعب ايران دور الوسيط والمحايد في حوارات العراقيين، وبذلك يمكن الاتفاق على شخص والحصول على أغلبية البرلمان عليه، بينما الولايات المتحدة وأية دولة أخرى ليس بوسعها القيام بمثل هذا الدورلأنها لا تحظى بتأييد الاحزاب العراقية الكبيرة.
لا شك ان نجاح شمخاني في مهمته وتمخض زيارته عن اتفاق الأغلبية على شخص لرئاسة الوزراء سيوجه صفعة للسياسة الاميركية ضد ايران، ولذلك فان طهران حريصة على نجاح هذه المهمة.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2020/03/10

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد