آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
وفاء العم
عن الكاتب :
إعلامية بحرينية عملت مذيعة في تلفزيون الميادين، كتبت مقالات عدة في الشؤون الخليجية.

البحرين.. إفراجات أمنية بلا انفراج سياسي

 

وفاء العم

لماذا الآن؟ وهل تفتح السلطة في البحرين ثقباً في جدار الأزمة السياسية التي تواجهها البلاد أو هي انفراجات أمنية من دون تنازلات سياسية؟

  العفو عن 900 سجين أثلج صدور المحكومين بقضايا سياسية وأمنية وذويهم، ولكن لا يبدو أنه أثار تفاؤل المعارضين 
أصدر ملك البحرين مرسوماً بالعفو عن 900 محكوم بالسجن لدواعٍ إنسانية، فبعث الأمل في قلوب البحرينيين بإنهاء الأزمة السياسية التي عصفت بالبلاد منذ 9 سنوات. خطوة تأتي على وقع ما قد تواجهه المنامة من أزمة اقتصادية نتيجة انخفاض أسعار النفط العالمية، وعلى وقع الملف الأكثر إلحاحاً عالمياً، وهو مواجهة تفشي فيروس كورونا الذي سجلت فيه البحرين ما يقارب 143 حالة إصابة.
لماذا الآن؟ وهل تفتح السلطة في البحرين ثقباً في جدار الأزمة السياسية التي تواجهها البلاد أو هي انفراجات أمنية من دون تنازلات سياسية؟
واقعاً، يبدو أن هذه الخطوة تأتي استكمالاً لمحاولات سابقة قام بها العلامة السيد عبدالله الغريفي، الرجل الثاني بعد آية الله الشيخ عيسى قاسم، بعد أن فتح قناة تواصل مع رئيس الوزراء، والتقى به، وطلب الإفراج عن المعتقلين وتخفيف الاحتقان، تمهيداً لحوار سياسي جدي بين السلطة والمعارضة.
حينذاك لم تكن السلطة مستعدة على ما يبدو لمثل هذه الخطوة ربما بسبب تبايناتها الداخلية، كما كان مفاجئاً رد فعل الشيخ عيسى قاسم الذي أصدر بياناً فُهم منه عدم تأييده الخطوة، ما اعتبره البعض إجهاضاً مبكراً للحل عبر الملف الأمني.
في الحقيقة، ثمة أمران لافتان في خطوة الإفراج عن المحكومين، الأول أنها جاءت تحت عنوان توسيع تطبيق قانون العقوبات البديلة، وهو قانون يشترط قيام المحكومين بأعمال تصب في خدمة المجتمع، وكأن هذه الخطوة تأتي كمخرج لعملية الإفراج. 
في الشكل، يأخذ الأمر طابعاً قانونياً، باعتبار أن البحرين دولة قانون، وهو لم يأتِ عبر عفو ملكي شامل، كما جرى سابقاً، ما يبرر العملية برمتها أمام القوى المتشددة داخل البيت الحاكم وشارعه. وفي المضمون، هو محاولة لإيجاد توازن بين تحقيق انفراج أمني وإرضاء لتلك الأطراف.
الأمر الآخر أن هذه الخطوة تأتي على وقع ابتعاد رئيس الوزراء عن المشهد السياسي منذ تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، بسبب مروره بفترة نقاهة وبقائه بعيداً من مهامه الرسمية، بحسب ما أعلن رسمياً، وكأنما أريد أن يأتي الانفراج من قصر الصافرية حيث "الملك"، لا من قصر القضيبية حيث "رئاسة الوزراء".
من جانب الشارع المعارض، هذه الخطوة أثلجت صدور المحكومين بقضايا سياسية وأمنية وذويهم، ولكن لا يبدو أنها أثارت تفاؤل المعارضين، إذ يقول قيادي معارض من الداخل في قراءته لهذه الخطوة: "في تقديري، أنه بسبب استتباب الأمن منذ عدة سنوات، لم يعد النظام بحاجة إلى الإبقاء على هذا العدد الكبير من السجناء، فتكلفة وجود ما بين 4 و5 آلاف سجين سياسي وجنائي كبيرة للغاية، ونحن في فترة تقشّف. لا حاجة لإبقاء هذا العدد الكبير مع استقرار الوضع الأمني".
ويضيف: "هذا الأمر سيحقق انفراجاً أمنياً محدوداً. وبطبيعة الحال، سيَفرح عدد كبير من السجناء والأهالي، ولكن لا يبدو أن في الأمر انفراجاً سياسياً يتطلب قبل أي شيء أموراً لا أجد أثراً فيها، منها بدء مفاوضات مع المعارضة، والإعلان عن إصلاحات سياسية، وتوسيع نطاق الحريات العامة. مع الأسف، كلّ ذلك غائب في الوقت الراهن، بل إن هناك مؤشرات عكس ذلك، مثل تعميم صدر عن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في كانون الثاني/يناير المنصرم يطلب من الجمعيات الأهلية إرسال قائمة بالمرشحين في انتخابات مجالس الإدارة قبل 15 يوماً من موعد الجمعيات العمومية "للتدقيق الأمني"، وهذا غير مسبوق. وقد رفضه كثير من الجمعيات. وقبل ذلك التعميم بأسابيع، طلبت الوزارة من الاتحاد النسائي شطب عضوية عضوين في مجلس إدارة الاتحاد، بحجة سقوط حقوقهما السياسية والمدنية بعد حل جمعيتهما السياسية".
من جانب آخر، قال الشيخ عيسى قاسم، في بيان، أن لا حل سياسياً إلا بالإفراج عن جميع السجناء، لكن الإفراج عنهم يغلق ملف المعتقلين فقط، ولا ينهي الأزمة. 
في الحقيقة، لا تنتظر السلطة شروطاً من المعارضة لإنهاء الأزمة السياسية. واقعاً، هي الطرف الأقوى، فقد نجحت في تحجيم المعارضة، سواء عبر اعتقال القياديين أو بإغلاق الجمعيات وإنهاء الحياة السياسية القائمة على وجود معارضة كطرف أصيل في العملية السياسية. كما أن المرجع الديني الذي كان وجوده في الداخل يشكل عاملاً ضاغطاً أصبح خارجاً، ناهيك بغياب الضغوط الغربية، وتحديداً الأميركية، منذ فوز دونالد ترامب، ما أعطى السلطة المزيد من القوة، إضافة إلى الدعم الخليجي والوضع الإقليمي المتجه نحو مواجهة المحور الإيراني في المنطقة، باعتباره على رأس الأولويات السياسية.

عطفاً على ذلك، يقول المصدر المعارض "هذا الوضع مريح نسبياً للسلطة؛ معارضة مهمشة، موالاة تم ترويضها، ووضع اقتصادي صعب بحاجة إلى قرارات صعبة، فلا مكان للمعارضة لتناكف وتعترض، وتعبئ الرأي العام ضد إجراءات تقشفية سابقة ولاحقة، وتذكّر الناس بضرورة تقييد امتيازات النخبة الحاكمة قبل أن تصل سكين التقشف إلى لحم خاصرة المواطن".
إذاً، هو انفراج أمني، وتخفيف للضغوط الاقتصادية، وتقليل للاحتقان السياسي، ولكنه ليس خطوة نحو انفراج أو تسوية كبرى، على الرغم أن المصلحة الوطنية تقتضي غير ذلك.

لصالح موقع الميادين نت

أضيف بتاريخ :2020/03/17

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد