آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. محمد صادق الحسيني
عن الكاتب :
كاتب وباحث إيراني

هل يرتكب ترامب حماقة شنّ غارات على إيران بعد أن قهره القائد “كوفيد التاسع عشر”…!؟

 

محمد صادق الحسيني

حملة صحافية أميركية معادية لإيران على قاعدة اختفاء شخص أميركي منذ سنوات…!
هل ستكون هذه القضية الشمّاعة التي ينوي ترامب ورهطه استخدامها ضدّ إيران لشنّ هجمات ضدّها؟ يتساءل مراقبون ومطلعون على خفايا الحرب السرية الأميركية ضدّ إيران، والذين يذهب بعضهم الى الاعتقاد بأنّ المناورات الأخيرة الأميركية الإماراتية والشائعات حول احتمال قيام واشنطن بتوجيه ضربات أميركية انتقامية ضدّ مراكز استراتيجية معينة في إيران تترافق مع تدبير انقلاب ضدّ العملية السياسية العراقية برمّتها قد تكونان في السياق نفسه!
الأمر يصعب تصديقه من حيث موازين القوى التي لا تسمح لترامب المنكسر المهزوم ذلك، لكن الطبيعة العدوانية والمقامرة للنظام الأميركي لا سيما في عهد ترامب قد تجعل ذلك احتمالاً وارداً!
فما هي طبيعة هذه الحملة اليكم التفاصيل:
1 ـ عندما تقوم مجلة “ذي ناشيونال انتِرِست” (The National Interest) الأميركيّة بنشر مقال مطوّل ومفصّل جداً، يوم 26/3/2020 بقلم الكاتب الأميركي ماتيو بيتي (Mathew Petti)، حول عميل سابق متقاعد لـ “أف بي أي” (FBI) الأميركي، اختفى بتاريخ 9/3/2007 أثناء وجوده في جزيرة كيش الإيرانية، فلا بدّ أن تكون هناك دوافع جدية لهذا الاهتمام المتجدّد بهذا الشخص، الذي يدعى روبرت ليفينسون (Robert Levinson).
2 ـ وعندما يصرّح وزير الخارجية الاميركي، مايك بومبيو، بتاريخ 10/3/2020، تعليقاً على الدعوات، التي تكرّرت من جانب جهات دولية، لرفع الحصار عن إيران، لمساعدتها او تمكينها من مواجهة وباء كورونا، بالقول: إنّ على كلّ دولة تريد تقديم مساعدة إنسانية لإيران أن تطالب النظام بالمعاملة بالمثل، ايّ تقديم لفتات إنسانية مقابلة كالإفراج عن العديد من المواطنين الأميركيين المحتجزين هناك دون وجه حق.
3 ـ انضمام مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، روبيرت أوبراين (Robert O’Brien) للجوقة، التي تعزف على وتر المفقود ليفينسون، يوم 26/3/2020 وإدلائه بتصريح يقول فيه إنّ ليفينسون ربما يكون قد مات منذ زمن بعيد، لهو مؤشر إضافي على أنّ هذا الاهتمام المفاجئ بموضوع هذا العميل السري، له أسباب تتخطى المجال الإنساني المحصّن بشكل كبير.
4 ـ أما ما يعزز هذا الافتراض، بأنّ البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية يستخدمان هذه الورقة لشنّ حملة منسّقة ضدّ إيران، بهدف التمهيد لاتخاذ إجراءات معينة ضدّها، غير العقوبات الاقتصادية، نقول إنّ ما يعزز هذا الافتراض هو اهتمام الرئيس الأميركي شخصياً بهذا الموضوع، وتأييده تصريحات أوبراين، حول احتمال وفاة هذا العميل الأميركي المفقود، وذلك في تغريدة لترامب نشرت مساء الأربعاء 25/3/2020. وكذلك اهتمام بومبيو شخصياً بالموضوع وتصريحه المُشار إليه أعلاه بهذا الشأن. وهو ما يعطي الأمر دفعاً كبيراً ويعمل على تحويله الى قضية دولية، خاصة إذا ما أضاف المرء الى ذلك طرح الولايات المتحدة ادّعاء احتجاز إيران لخمسة مواطنين أميركيين (أربعة منهم من أصل إيراني) وربط ضرورة إطلاق سراحهم بانتشار كورونا في إيران.
5 ـ كما يجب التذكير بعودة مسؤول في الخارجية الأميركية، قبل أيّام، للادّعاء بأنّ إيران كانت قد وعدت الولايات المتحدة بالتعاون معها، للكشف عن مصير روبرت ليفينسون في وقت سابق، الأمر الذي نفاه الناطق السابق باسم الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، بتاريخ 10/3/2018، وهو ما يدلّ على انّ الإدارة الأميركية تتحرّك بناءً على مخطط لاستثمار هذا الموضوع، ضدّ إيران، في أمر أكبر بكثير من القضايا الإنسانية او حتى الدعاية الإعلامية المضادة لإيران.
6 ـ وهنا لا بدّ من التأكيد على أنّ الإدارة الأميركية لا تملك أيّ معلومات دقيقة، حول مصير هذا الشخص، وذلك لأنها (الإدارة) قد أبلغت صحيفة “نيويورك تايمز”، بتاريخ 25/3/2020، انّ استنتاجاتها تشير الى أنّ ليفينسون قد توفي قبل بعض الوقت (دون تحديد تاريخ معيّن). ايّ انّ الإدارة قد خلقت قضية، من خلال استنتاجاتها، المستندة الى طيف من المعلومات، بما في ذلك معلومات إيرانية تمّ اعتراضها من قبل وسائل الاعتراض (التجسّس) الأميركية.
بينما تؤكد وكالة “أسوشيتدبرس” الأميركية، حسب ما نقلته عنها مجلة “ذي انتريست” الأميركية، يوم الخميس 26/3/2020، بأنّ مصدر المعلومات، حول وفاة هذا الشخص، هو وزارة الخارجية الإيرانية…! الإدارة الأميركية تتقن الكذب، لكن على المعنيين الإيرانيين إجراء تحقيق جدي لديهم للتأكد من وجود عميل آخر يكون هو مَن سرّب من داخل إيران للإدارة الأميركية خبر وفاة ليفينسون بغضّ النظر عن صحة المعلومات من عدمها.
7 ـ وفِي كلّ الأحوال فإنّ صحيفة “نيويورك تايمز” ووكالة أنباء “أسوشيتدبرس” تؤكدان أن الإدارة الأميركية قد أبلغت، قبل أسابيع، عائلة ليفينسون بوفاته في السجون الإيرانية.

في الوقت الذي يؤكد فيه الناطق أو ناطق باسم الخارجية الأميركية، مورغانتو أورتاغوس (Morgan Ortagus)، تعليقاً على إعطاء الحكومة الأميركية إجازة من السجن، من ضمن 70 ألف سجين إيراني، لضابط سابق في سلاح البحرية الأميركية، يدعى ميخائيل وايت (Michael White)، قال اورتاغوس، بتاريخ 19/3/2020، انّ الولايات المتحدة تدعو إيران للإفراج الفوري عن جميع المواطنين الأميركيين المحتجزين في إيران وتدعوها أيضاً للوفاء بوعدها في التعاون، مع واشنطن، للكشف عن مصير ليفينسون.
لكن يبقى السؤال:
8 ـ من هو روبرت ليفينسون؟
إنه ضابط سابق /متقاعد/ في مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي (FBI)، تمّ تجنيده من قبل مجموعة من المحللين، في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وفي كسر لقوانين هذه الوكالة، التي تمنع ذلك، حسب ما أوردته وكالة “أسوشيتدبرس” الأميركية، (تمنع قيام المحللين بتجنيد أشخاص من خارج الوكالة وتكليفهم بمهمات تجسّس)، وتمّ تكليفه بالسفر الى جزيرة كيش وجمع معلومات حول إيران لصالح الولايات المتحدة.
وعندما اختفى من الجزيرة بتاريخ 9/3/2007 رفضت وكالة المخابرات المركزية التطرق الى اختفائه وافتراض علاقة لها بالموضوع ولمدة أشهر عديدة. لكن الأمور تغيّرت عندما اكتشف الكونغرس الأميركي هذا الموضوع، حيث انفجرت إحدى أكبر فضائح المخابرات المركزية الأميركية، وذلك لأنّ الوكالة قد طردت ثلاثة محللين وعاقبت سبعة آخرين بعقوبات إدارية. كما دفعت لعائلة ليفينسون مبلغ مليونين ونصف مليون دولار مقابل ان لا تقوم العائلة بمقاضاة “سي أي آي”.
علماً انّ الرواية الرسمية الأميركية حول كلّ هذه القضية بقيت ثابتة ولم تتغيّر، رغم معرفة البيت الأبيض والخارجية الأميركية ومكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI)، بعلاقات ليفينسون مع “سي أي آي”. تلك الرواية التي تقول إنّ هذا الشخص هو مواطن عادي سافر في رحلة عمل الى جزيرة كيش الإيرانية واختفى هناك!
إصرار ترامب على العودة الطبيعية للعمل الحكومي والمجتمعي في الولايات المتحدة الأميركية والسيطرة على وباء كورونا في أواسط نيسان/ أبريل كحدّ أقصى دفع بأصحاب الخيال الى الاعتقاد بانّ ترامب يحضر لضربات متتالية لإيران في الأسبوع الأول من نيسان/ أبريل، وذلك على غرار ضربة الـ “تي فور” في سورية، ليخرج من بعدها بطلاً قومياً بعد فشله في الحرب على كورونا او ما بات يسمّى بـ “القائد كوفيد التاسع عشر”…!
ولكن اذا ما فعلها ترامب فعلاً فيكون قد ارتكب غلطة العمر..
لأنّ من يبدأ الضربة الأولى في مثل موازين القوى الراهنة قد تكون هي ضربته الأخيرة والتي تخرجه من المسرح السياسي الى الأبد!
بعدنا طيبين قولوا الله.

جريدة البناء اللبنانية

أضيف بتاريخ :2020/03/28

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد