آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. محمود البازي
عن الكاتب :
دكتوراة في القانون الخاص وعضو في كرسي حقوق الإنسان

أسعار النفط سترتفع.. وعلى السعودية ألّا تُلدغ من جحر ترامب عشر مرّات

 

د. محمود البازي


في عام 2018، استُقبل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في واشنطن استقبال الأبطال وتمّ الترويج له على أنه الثوري ضد النظام والمدافع عن حقوق المرأة والحريات العامة في بلد تسلّطت فيه القيادة الحاكمة منذ تأسيس الدولة السعودية الجديدة (يجب القول بأن لوبيات العلاقات العامة التي تمولها السعودية لعبت دورا بالترويج لهذه الزيارة سواء في واشنطن أو في لندن). لم يلبث محمد بن سلمان أن أهدر هذه الفرص بين يوم وليلة وذلك نظرا لقلة التجربة والإنفعالات الزائدة والغرور اللا متناهي الذي يمتلكه الأمير الشاب. ففي عهده تمّ قتل جمال خاشقجي بطريقة بشعة في محاولة لإسكات أي صوت مخالف، وفي عهده تمّ محاصرة الجارة الخليجية قطر وانهارت مع هذا الحصار الآمال التي كانت معلقة على الوحدة الخليجية (الظاهرية)، وفي عهده تم اعتقال الناشطات الحقوقيات السعوديات وتمّ قتل الآلاف والآلاف من المدنيين في اليمن.
كل ذلك لم يمنع السلطة السياسية في البيت الأبيض من الدفاع عنه نظراً للأموال الطائلة التي يقدمها الرجل للرئيس ترامب والتي يستثمرها ترامب في تأمين فرص عمل في الداخل الأمريكي. هذه الفرص هي المتغيير الأساسي التي وصل من خلالها الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض، والتي تعتمد حملته الإنتخابية عليها بشكل مباشر في الإنتخابات المقبلة في نوفمبر القادم. ناهيك عن المساعدة المجانية التي يقدمها ولي العهد لترامب وصهره كوشنر وهي الترويج لصفقة القرن، وسوق العقل العربي نحو تقبّل التطبيع مع اسرائيل.
الذي حدث بعد تلك الزيارة هو ظهور فيروس كورونا وتغييره لقواعد وموازين القوى في المحاور العالمية. حيث دفع ظهور هذا الفيروس إلى تعطيل التجارة وإغلاق الحدود وإغلاق المرافق الإقتصادية مما ساهم بظهور أزمات اقتصادية حادة في بلدان العالم المتقدم. لم تكن دول الشرق الأوسط ومن بينها السعودية بعيدة عن هذه التأثيرات، ولكنّ السعودية وفي توقيت حرج للغاية قررت خوض حرب أسعار نفطية مع روسيا مما ساهم بإنهيار أسعار النفط إلى مستويات غير مسبوقة. وعلى الطرف الآخر من البحار ساهمت هذه الحرب بإنهيار أسواق النفط الأمريكية مما دفع الرئيس ترامب (الذي سكت ما يقارب الشهر الكامل على هذه الحرب ظناً منه بأنها تصب في مصلحته) للتهديد بمعاقبة السعودية وعلى إثر ذلك سحبت الولايات المتحدة عدد من بطاريات الباتريوت من السعودية واحتجت بأنّ ايران لم تعد تشكل خطراً على المصالح الأمريكية في المنطقة.
لا نحاول سرد وقائع تاريخية في هذا المقال وإنما نحاول القول بأنّ السعودية وولي عهدها لا يتعلمون الدروس أبداً. ولا يطبقون قول الرسول: “لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين”. فهاهم يتلقون اللدغات واللسعات مرة تلو الآخرى.
تتراوح أسعار النفط اليوم بين 35 و36 دولاراً للبرميل. وهي أسعار لا تعجب السعودية ولا تلبي حاجاتها ولاموازنتها في ظل مديونية مرتفعة للغاية. وفي نظرة سريعة إلى أرقام الديون السعودية ننقل عن وزارة المالية السعودية قولها:
“بلغت الديون المباشرة القائمة على الحكومة في نهاية مارس 2020 (723.5) مليار ريال سعودي (192.9 مليار دولار أمريكي) منها (399.5) مليار ريال سعودي (106.5 مليار دولار أمريكي) ديون محلية و (324) مليار ريال سعودي (86.4 مليار دولار أمريكي) ديون خارجية”.
على عكس ما يتوقعه الجميع من بقاء أسعار النفط على هذا النحو، نغّرد نحن خارج السرب ونتوقع بأن ترتفع هذه الأسعار خلال الثلاثة أشهر القادمة وتعود إلى مستويات قريبة من المستويات السابقة. وعلى أسواء تقدير ستعود الأسعار إلى أكثر من 60 دولار، وذلك لإن الدول بدأت العودة تدريجيا إلى الحياة الطبيعية (على الرغم من وجود كورونا) بحيث بدأت الدول تعتمد استراتيجية التعايش مع الفيروس وتخلّت عن استراتيجية الإغلاق. وبحسب ما نتوقع فإن لدى الدول النفطية فرصة ما يقارب 12 سنة لبيع النفط بأسعار معقولة قبل التحول إلى الطاقات البديلة والنظيفة. وذلك لإن فيروس كورونا مدد المدة التي كان من المتوقع فيها الإعتماد على الطاقات البديلة وحلولها محل النفط على أقل تقدير لمدة عامين (كنا نتوقع حلول الطاقات البديلة محل النفط خلال عشر سنوات).
السعودية وبوصفها من الدول التي يعتمد اقتصادها أولاً وآخيرا على بيع النفط. عليها أن تغير سياساتها بشكل كامل وجذري ويمكن لنا أن نقدم لها نصائح طويلة المدى:
1- التخلي عن تملّق ترامب. فترامب لم يقدم أي مساعدة للسعودية في مناسبات عديدة تعرضت فيها السعودية لهجمات مباشرة من الحوثيين. في الآونة الأخيرة ظهرت تقارير تفيد بأنّ السعودية وقعت صفقة شراء ألف صاروخ من شركة “بوينغ” الأمريكية. ناهيك عن الفضيحة الجديدة لكل من ترامب والسعودية، حيث طرد ترامب مفتش في وزارة الخارجية الأمريكية لإنه يحقق في صفقات بيع أسلحة أمريكية للسعودية وفي تجاوزات قام بها وزير الخارجية الأمريكية “مايك بومبيو”.

إلى متى يجب أن تقطع السعودية عن مواطنيها، وترفع نسب الضرائب عليهم، وترفع عنهم الدعم، في سبيل تقوية الترسانة الدفاعية الحربية التي انهارت في أول اختبار لها أمام وسائل بدائية استخدمها الحوثي. أليس من الأفضل التفكير باستراتيجيات بعيدة المدى والتخلص من الإبتزاز الترامبي للسعودية؟ ألم يحن الوقت بحق لإنهاء حرب اليمن واعتبار الحوثيين جزء من الشعب اليمني ويمكن التفاوض المباشر معهم وتجنيب السعودية المزيد من التكاليف وتجنيب اليمن نفسه المزيد من الويلات والصراع الداخلي؟
عزيزي ولي العهد، يبدو بأن المواطن السعودي هو أحق بهذه الأموال من شراء الحماية الأمريكية الفاشلة وهم أحق بأموال حرب متهورة ضد شعب فقير.
2- يبدو أن القيادة السعودية أصبحت “ملكية أكثر من الملك” في إعتبار ايران عدواً أولاً لا يمكن التفاوض معه ولا يمكن الإتفاق معه. إنّ شيطنة إيران واعتبارها العدو الأول هي من الخطط الأمريكية لإستمرار شراء الأسلحة من الولايات المتحدة ولإستمرار ضمان أمن اسرائيل في المنطقة. والسعودية منخرطة بهذا الدور وتلف وتدور دون أدنى محاولة منها لإبعاد هذه الفرضية والتفكير لمرة واحدة بالاستجابة للدعوات الإيرانية للحوار. إن إجابة هذه الدعوات المتكررة للحوار سيوفر للسعودية استقلالا مهما في إدراتها للشؤونها الداخلية وخفض كبير في عملية سباق التسلح الذي تخوضه مع نفسها (إن تجاهل دعوات الحوار دفعت كل من “خامنئي” و”ظريف” لإن يرسلوا رسائلهم بالدعوة للحوار مع دول الخليج باللغة العربية). على السعودية الإهتداء بنماذج جيرانها وتجاربهم بالحوار مع إيران. فعلى ما يبدو فإن هذا الحوار والعلاقات الودية بين كل من إيران والكويت وقطر وعمان والإمارات قد ساهمت في احترام الشؤون الداخلية للدول وبناء العلاقات على أساس التناظر. وتقوم هذه العلاقات على أساس احترام الآخر دون التعدي على حدوده، بل وبناء علاقات اقتصادية مهمة بين هذه البلدان. كل ما قد يكلف السعودية للوصول إلى هذه المرحلة هو تعيين وفد سعودي رفيع المستوى والجلوس على طاولة الحوار مع الإيرانيين. ويستلزم ذلك بالطبع إيقاف التمويل الذي تقدمه السعودية لجماعات إرهابية إيرانية (سعيا لزعزعة الأوضاع في الداخل الإيراني)، وإيقاق تمويل منابر إعلامية ناطقة باللغة الفارسية (وذلك في محاولة للوصول إلى المواطن الإيراني).
3- الإفراج الفوري عن المعتقلات والناشطات والسجناء السياسين. وذلك لإعادة بناء العلاقات مع الدول الغربية والديمقراطيين في الولايات المتحدة.
4- الحد من التكاليف والبذخ الذي يمارسه الأمراء وعلى رأسهم ولي العهد محمد بن سلمان وتحويل هذه الأموال إلى الصندوق السيادي السعودي.
5- إعادة النظر بمشروع “نيوم” وبمدى الجدوى الإقتصادية التي سيقدمها للسعودية. والكف عن قتل أو ترهيب السكان الذين يرفضون التخلي عن منازلهم في سبيل إكمال هذا المشروع. قد يكون الحوار مناسبا أكثر في إقناعهم.
6- الكف عن محاولات الإستثمار بشراء الأندية الرياضية وتبذير الأموال الطائلة لشراء المشروعية من خلال الرياضة.
ولكي نختم مقالنا هذا علينا القول إن كل الخطوات السابقة التي تمّ الإشارة إليها والتي لا يتسع المجال للإطالة بشرحها هنا، ستصب في مصلحة القيادة السعودية والمواطن السعودي. فعائد كل هذه التكاليف والأموال الطائلة التي يتم تبذيرها على الحروب والبذخ يمكن أن يتم جمعها في صندوق سيادي استثماري. ومن هذا الصندوق سيتم تمويل مشاريع اقتصادية واستثمارية وصناعية وسياحية تحول السعودية من بلد مستورد لكل شيء إلى بلد مستقل وقادر على التصنيع والتصدير. وبذلك يتم تأمين مستقبل بلاد الحرمين الشريفين ويمنعها من السقوط في ظل سنوات عجاف قادمة سوف يفقد فيها النفط رونقه الحالي وسوف تعاني السعودية من تغييرات إقليمية حادة، وحده اقتصادها المستقل والمزدهر قادر على الصمود في ظل هذه الظروف.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2020/05/26

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد