آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. عصام نعمان
عن الكاتب :
محامٍ لبناني منذ 1973 يحمل الإجازة في الحقوق ، شهادة الدكتوراه في القانون العام ، شهادة الماجستير في العلوم السياسية ، وشهادة البكالوريوس في الإدارة العامة أستاذ محاضر في القانون الدستوري ، كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية 1979 – 1989

معنى وعيد نصرالله: «إسرائيل ستدفع ثمناً بحجم جريمتها الكبرى»

 

د. عصام نعمان

 

رغم التزاحم السياسي والدبلوماسي وتقاطع جولات وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، ووكيل وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد هيل، ووزيرة الجيوش الفرنسية فلورنس بارلي على الرئاسات والقيادات والمرجعيات، فإن أزمة لبنان المحتدمة، ولاسيما بعد كارثة مرفأ بيروت وإستقالة حكومة حسان دياب، ما زالت تراوح مكانها. الأمر الوحيد الجديد واللافت على شاشة المشهد السياسي، كان كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، لمناسبة الذكرى الرابعة عشرة لدحر «إسرائيل» في حرب عام 2006.
في كلمته الجامعة تطرّق قائد المقاومة إلى قضايا متعددة، غير أن الحدث الجديد اللافت تمثّل في قوله إن ثمة فرضيتين حول أسباب الانفجار في مرفأ بيروت: إما أن يكون عَرَضياً أو تخريبياً، وإن قيادة المقاومة تنتظر نتائج التحقيق، وإذا ثبت أن الانفجار كان عَرَضياً فيجب محاسبة المسؤولين عن هذه الفاجعة، أو كان تخريبياً فيجب البدء بالتحقيق حول مَن يقف خلفه، مشدداً على أن المقاومة لا يمكن أن تسكت على جريمة كبرى بهذا الحجم، وإذا كانت «إسرائيل» قد ارتكبتها، فإنها «ستدفع ثمناً بحجم هذه الجريمة الكبرى».
موقف نصرالله الجاد والحاسم استوقف القادة السياسيين والعسكريين في لبنان، ولا بد من أن يكون قد حظي أيضاً باهتمام وقلق بالغين في «إسرائيل» ذلك أن حالة التأهب العسكري في منطقة الجبهة الشمالية مع لبنان كانت بدأت بالتراجع عشية كلمة نصرالله، بحسب صحيفة «معاريف» (14/8/2020) «إذ أخذ الجيش الإسرائيلي بخفض قواته، ومنح الجنود أذونات بالعودة إلى منازلهم». وربما أعادت قيادة الجيش النظر بقرارها هذا، بعد الوعيد الذي أطلقه نصرالله، وإن كان تنفيذه يبقى محكوماً بنتائج التحقيق التي لا يبدو إعلانها وشيكاً.
القيادة العسكرية الإسرائيلية لن تنتظر، بطبيعة الحال، إعلان نتائج التحقيق لأنها حريصة على أخذ مواقف نصرالله وتهديداته على محمل الجدّ. لعلها ستبادر إلى التشديد على الأمريكيين بوجوب تسلّم إدارة التحقيق في الانفجار وملابساته، بعدما أعلنت إدارة ترامب رسمياً، بلسان هيل مشاركة عناصر مكتب التحقيقات الفدرالي FBI في التحقيق، ما سيمكّنهم من إبعاد أي مسؤولية لـ»اسرائيل» عن الانفجار. لكن ماذا لو أخفق المحققون الأمريكيون في حجب الأدلة والشواهد، التي تشير إلى انخراط «إسرائيل» في تفجير مرفأ بيروت؟

قادة «إسرائيل» سيضعون بالتأكيد هذا الاحتمال في حسبانهم، وسيحتاطون لتداعياته. في هذا السياق، لا بد من أن يكون قد استوقفهم ليس وعيد نصرالله بأن المقاومة لن تسكت على جريمة كبرى بهذا الحجم فحسب، بل تأكيده أيضاً على أن «إسرائيل ستدفع ثمناً بحجم هذه الجريمة الكبرى، إذا كانت قد ارتكبتها».
إلى ذلك، يبدو أن حجم الجريمة كبير: نحو 200 شهيد، و6000 جريح، ومئات المفقودين، وتدمير معظم أقسام المرفأ والمساكن والمرافق في الأحياء والشوارع المحيطة به في دائرة لا يقل محيطها عن خمسة كيلومترات. وبحسب تقديرات البنك الدولي، أدى الانفجار إلى تضرر نحو 50 ألف وحدة سكنية، وبات نحو 300 ألف شخص بلا مأوى، فضلاً عن أضرار لاحقة بثلاثة مستشفيات خاصة، ومستشفى حكومي واحد، كانت تؤدي خدمات لنحو مليون شخص.. كل ذلك ناهيك من الركود القاسي الناجم عن الأزمة الاقتصادية، والخسارة الكبيرة في إيرادات الخزينة المتأتية من المرفأ، ولاسيما من انخفاض الرسوم الجمركية، ناهيك عن تفاقم كلفة الاستيراد، وازدياد معدلات التضخم بما يتراوح بين 6.9% و12.3% ، وأن الفقر المدقع سيبلغ 45%. في المجمل، قدّر خبراء صحيفة «نيويورك تايمز» كلفة الأضرار بنحو 15 مليار دولار.
عندما يتوعّد السيد حسن نصرالله «إسرائيل» بتدفيعها ثمناً بحجم جريمتها الكبرى، فإن السؤال الذي ينهض سريعاً: هل لدى المقاومة في لبنان أسلحة تمكّنها من «تدفيع «إسرائيل» ثمناً لجريمة يربو حجمها وكلفتها على 15 مليار دولار؟ تقتضي الإشارة إلى أن لنصرالله صدقية معترفا بها حتى في «إسرائيل» فلا يعقل أن يكون قد وعد جمهوره بأمر لا يستطيع إنجازه. هذا الاستنتاج يقود إلى أمرٍ اكثر دلالة وهو أن نصرالله يملك أسلحةً متطورة بمقدورها تنفيذ وعيده، وبالتالي إلحاق أضرارٍ وخسائر بشرية ومادية هائلة بـ»إسرائيل» تضاهي تلك التي ألحقتها بلبنان.
وعليه، من المرجح أن تتوصّل الولايات المتحدة، ومن ورائها «إسرائيل» إلى مثل هذا الاستنتاج الخطير، وبالتالي إلى قيام إدارة ترامب باعتماد أحد نهجين:
ـ مرونة أكثر إزاء حزب الله والمقاومة، وتسامح أكبر مع حكومة لبنان في موقفها من مسألة ترسيم الحدود البرية والبحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة، وتعاطف أوفر معها في مسألة التنقيب عن النفط والغاز في المقطع 9Block المجاور للمنطقة البحرية التي تستثمرها «إسرائيل» وتحاول توسيعها لقضم المزيد من المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان.
– تصلّب أكثر إزاء حزب الله وحلفائه المحليين، ولاسيما العونيين، في محاولةٍ مكشوفة لممارسة مزيد من الضغط في سياق حربها الناعمة وعقوباتها الاقتصادية المتواصلة ضد إيران وحلفائها الإقليميين.
هل من نهج (أو مخرج) ثالث؟

القدس العربي

أضيف بتاريخ :2020/08/17

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد