التقارير

تقرير خاص - إعدام الأحداث: هل يحقق العدالة في المجتمع؟ وماذا عن صورة المملكة دولياً؟

 

الأصل أنه لا يحكم على أحد بعقوبة، ما لم يكن قد أقدم على الفعل المُجَرَمْ عن وعي وإرادة وإدراك، فالعقوبة تكون جزاء للشخص المدرك صاحب الارادة الذي ارتكب الجريمة، وبالتالي في القانون هناك موانع تحول دول إنزال العقوبات كلها أو بعضها على فاعل الجريمة، ومن هذه الموانع صغر سن الانسان أو عدم بلوغه الأهلية التي تجعله مدركاً لما يفعله.

 

 ولعل الحكمة من ذلك هي سعي المشرّع لتحقيق العدالة في المجتمع، ولكي تؤدي العقوبة الهدف والغاية منها، فلو أن طفلاً ارتكب فعلا يجرمه القانون فلن يكون مجدياً إنزال العقوبة المقررة قانوناً لأنه لن يفهم غالباً الهدف من ذلك، باعتبار أنه غير مدرك ولا يملك الأهلية القانونية والرضى التامين لفهم معنى ما فعله ومعنى خضوعه لهذا العقاب، ما يعني أنه لن نصل الى تأديبه على فعلته ومن ثم إصلاحه وإصلاح المجتمع.

 

 وهذه الأمور هي من البديهيات العقلية والتي تعتبر من المبادئ العامة للقانون التي من المفترض على أي مشرع أن لا يخالفها أو ينص على عكسها، باعتبار أن الهدف من القوانين هو تحقيق العدالة في المجتمع أولًا وتأديب المخطئ واصلاحه ثانيًا، لذلك فإن أي عقوبة يخضع لها القاصر يجب أن تتلاءم ووضعه القانوني بحيث تراعي سنَّه وعدم اكتمال أهليته القانونية وعدم إتمام إدراكه، فيكون هناك عقوبات لا يجوز بعد ذلك تطبيقها على الأحداث أو القاصرين لانتفاء الغاية منها، كعقوبة الإعدام مثلاً.

 

 فهل يمكن الحديث عن عدالة تطبق أو يمكن تحقيقها في ظل تطبيق عقوبات معينة كالإعدام أو السجن المؤبد على إنسان غير بالغ لسن الرشد أو لا يملك الاهلية الكافية لفهم معنى أفعاله والعقوبات التي يخضع لها؟ علماً أن هذا هو واقع العديد من الحالات التي شهدتها المملكة السعودية، والتي قادت إلى تطبيق عقوبات كالاعدام على عدد من الاشخاص القصر.

 

 ورغم أنه لم يتم نشر الإحصاءات الرسمية عن أحكام الإعدام وتنفيذها، لا سيما فيما يتعلق بالأحداث، إلا أن "منظمات حقوق الانسان" سجلت في العام 2005 إصدار حكم بالإعدام على فتى يبلغ من العمر 14 سنة عقابًا له على جريمة ارتكبها حين كان عمره 13 سنة، وفي نفس العام تم احتجاز 126 حدثاً بمراكز احتجاز الأحداث لارتكابهم جرائم قتل، وفي 2006 كان 40 من مجمل 220 قاصرا محتجزين بدار جدة للملاحظة الاجتماعية من الصبية تحت سن 16 متهمين بالقتل، ما يعني وجود عدد كبير من الأطفال المعرضين للإعدام بحكم القانون.

 

 وبحسب "المنظمات الدولية" فقد تم إعدام اثنين من المتهمين القُصّر عام 2007 (أحدهما كان يبلغ 15 أو 16 وقت ارتكابه الجرم والآخر 16 وقت إعدامه) واثنين آخرين عام 2009 (كلاهما يبلغ من العمر 17 سنة وقت ارتكاب الجرم)، وآخر الشواهد على هذه الاحكام غير المنطقية وغير القانونية، هو إصدار الحكم بالإعدام في نهاية العام 2015 على كل من علي النمر، عبد الله الزاهر، داوود المرهون وحسين البطي(وجميعهم دون الـ18 سنة من العمر).

 

وفي مطلع العام 2016 وضمن حفلة الإعدامات الجماعية التي طالت الشهيد الشيخ نمر باقر النمر، أقدمت السلطة على تنفيذ حكم الإعدام بالفتى علي الربح، الذي جرى اعتقاله قبل بلوغ السن القانوني، وأُصدر بحقه حكم الإعدام على خلفية مشاركته في تظاهرات قبل بلوغه سن الثامنة عشر.

 

 هذه الوقائع تظهر عدم عدالة ولاقانونية الأحكام الصادرة بحق الكثيرين من المواطنين السعوديين القصر، رغم أن المملكة وقعت على العديد من الاتفاقيات الدولية الراعية لحقوق الإنسان منها: اتفاقية حقوق الطفل في العام 1996، اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة في العام 1997، الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري في العام 1997 والميثاق العربي لحقوق الإنسان في العام 2008.

 

 كل الأحكام المشار إليها أعلاه تدعو للتساؤل حول مدى قانونيتها وتطابقها مع حقوق الانسان وحقوق الطفل أو القاصر؟ ففي بعض الاحيان يحكم بالاعدام على القاصر وتنفذ به العقوبة قبل بلوغه سن الرشد، وفي أحيان أخرى يحكم عليه ويؤجل تنفيذ الحكم حتى بلوغه سن الرشد في محاولة للالتفاف على حقوق الانسان، وهو ما يشكل انتهاكاً صريحاً لكل القوانين والأعراف والاتفاقيات التي تلتزم بها المملكة السعودية.

 

 

 

فهل كل ما سبق ذكره يؤدي إلى احترام حقوق المتهم وحقوق المحكوم عليه أم إلى العكس تماماً ويساهم بتحقيق العدالة أم أنه واقعاً ينسفها كلياً؟ وهل هذا الامر ينطبق مع المبادئ العامة للقانون ومع حقوق الانسان؟ وكيف يمكن الحديث عن عدالة في ظل الحكم بالإعدام أو إعدام لشخص لم يبلغ سن الرشد؟ وهل تتحقق الغايات من العقوبة ونحن نطبقها على شخص لتأديبه عن أفعال ارتكبها قبل اكتمال إرادته وإدراكه اي قبل بلوغه سن الرشد؟

 

 حول كل ما سبق أشارت مصادر قانونية مطلعة إلى أن "أصل عقوبة الاعدام تخالف مبدأ الحق في الحياة لأي إنسان والحفاظ على سلامته الشخصية المنصوص عليه في الشرائع والاتفاقات الدولية الراعية للحقوق والحريات"، وتابعت "أصل بقاء عقوبة الإعدام هو موضع خلاف بين فقهاء القانون حيث يوجد رأي وازن في الفقه القانوني يدعو إلى إلغائها"، وأضافت "كل ما سبق ذكره هو في الحالات العادية الطبيعية حيث يكون الخاضع للعقوبة بالغ سن الرشد وبالغ سن الـ،18 فيكف الحال إذا ما تعلق الأمر بالصغار أو الأحداث، فهنا الفقهاء وخبراء القانون يتشددون أكثر في ضرورة منع تطبيق هذه العقوبة على الأحداث أو الحكم بها عليهم".

 

 ولفتت المصادر إلى أن "المعاهدات الدولية التي ترعى حقوق الطفل تمنع إنزال عقوبة الإعدام بحقه سواء حكم بها قبل أو بعد بلوغه سن الرشد طالما أن الفعل ارتكب وهو قاصر"، وشددت على أن "هذه الأحكام لاإنسانية"، وأوضحت أن "الطفل أو الحدث أو المراهق يحتاج الى رعاية خاصة سواء خارج السجن أو داخله لتربيته وتقويم سلوكه إذا ما اعتبر أنه يحتاج الى ذلك، فكيف نحكم عليه بالإعدام، خاصة أن العقاب والسجن هو للتأديب والإصلاح وليس للانتقام والثأر".

 

 طالما أنه ثبت أن الاحكام بالاعدام بحق من هم دون الثامنة عشر، هي أحكام غير قانونية وأنها تساهم في تشويه صورة المملكة السعودية ونظام الحريات والحقوق فيها، فلماذا لا تبادر الجهات المعنية للتدخل ووقف هذا النزف من رصيد المملكة حقوقياً وإنسانياً بما يساهم في تحصين المجتمع عبر أطر قانونية تراعي المواثيق الدولية لحقوق الإنسان وتحسن سمعة المملكة على المستوى الدولي؟

أضيف بتاريخ :2016/04/11

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد