آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
صالح السيد باقر
عن الكاتب :
كاتب إيراني

ترامب الذي حلب الجميع.. ايران حلبته

 

صالح القزويني

غير خاف على السياسيين والخبراء والمحللين ان العنصر الرئيسي الذي جعل من الولايات المتحدة الأميركية دولة عظمى هو امكاناتها المالية الهائلة، غير ان هذه الامكانات بدأت تنحسر منذ نحو ربع قرن نتيجة عوامل عديدة في مقدمتها الحروب والتدخلات العسكرية الاميركية هنا وهناك، والحرب في أفغانستان والعراق على رأسها، حتى أن الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب كشف سرا ربما لم يعرفه الكثيرون عندما قال، أن بلاده أنفقت 7 تريليون دولار على المنطقة دون أن تحصل على شيء.
ترامب جاء ليعيد المجد والألق للدولة العظمى لتبقى عظمى، والسبيل الذي اختاره لتحقيق ذلك هو الابتزاز والضغط والتهديد ولم يتورع عن استخدام أخس الأساليب لتحقيق ذلك، ولا شك أن بذاءة لسانه وكلماته ومصطلحاته ساعدته على تحقيق ذلك، فاطلق عبارة البقرة التي يجب حلبها على دول المنطقة، ومنذ ذلك الوقت ووسائل الاعلام تطلق عليه صفة حالب دول المنطقة.
 لاشك أن الكثير من الدول استجابت لابتزازاته واستسلمت أمام ضغوطه وتهديداته، خاصة وانه لم يكتف بالتهديد والضغط والابتزاز وانما بدأ بخطوات عملية في هذا الاطار، ولعل الجميع قرأ أو استمع أو شاهد لما قاله الجمعة في آخر مناظراته مع منافسه جو بايدن، وذلك عندما أكد انه حصل على عشرات المليارات من الدولارات من الصين نتيجة ضغوطه عليها، كما استعاد عشرات المليارات من الدولارات عندما ضغط على الاتحاد الأوروبي ليرفع حصته في الناتو مقابل خفض حصة الولايات المتحدة فيه.
يبدو أن السودان ستكون آخر دولة تخضع لحلب ترامب خلال رئاسته الحالية من خلال موافقتها على دفع 335 مليون دولار لادارة ترامب، والمصيبة ان الخرطوم لم ترض على حلبها وحسب، بل انها وافقت على التطبيع واقامة العلاقات مع الكيان الاسرائيلي، وليس هذا وحسب وانما رضيت لتكون أداة يستخدمها ترامب في حملته الانتخابية على انها مثال لنجاح سياسته الخارجية.
بعض الدول تصدت لترامب ورفضت حلبها، ومن بين هذه الدول ايران التي لم تستجب لاستحلاب ترامب وحسب وانما هي التي قامت بحلبه، وربما يتهمني البعض بالمبالغة والتهويل والانحياز وعدم الواقعية، ولكن هذه هي الحقيقة.
وسائل الاعلام وخاصة تلك المرتبطة بالامبراطورية الاعلامية العالمية التي تديرها الايادي الخفية مرت مرور الكرام على التصريح المهم الذي أدلى به العميد حجازي نائب قائد فيلق القدس لحرس الثورة الاسلامية الأسبوع الماضي، وهذه هي طريقتها في التكتم على أي حدث أو تصريح يشم منه رائحة تحقيق أي مكسب لايران.
فقد أكد حجازي أن الادارة الأميركية طلبت من طهران التدخل والتوسط لايقاف عمليات المقاومة العراقية ضد القوات الاميركية في هذا البلد حتى انتهاء الانتخابات الأميركية، وقبل أن يكشف حجازي هذا السر، فان أحدى الفصائل الرئيسية في المقاومة العراقية أعلنت انها ستوقف عملياتها ضد القوات الاميركية.
تزامنا مع هذه المستجدات قام محافظ البنك المركزي الايراني بزيارة بغداد وأعلن منها التوصل الى اتفاق مع المسؤولين العراقيين بالافراج عن الأموال الايرانية، وتزامنا مع ذلك أيضا ترددت أنباء عن أن كوريا الجنوبية قررت الافراج عن الأموال الايرانية المجمدة، وتزامنا مع ذلك أيضا ترددت أنباء عن الاتفاق على تبادل السجناء بين ايران والولايات المتحدة.
كل من يتابع الجهود الجبارة التي تبذلها ادارة ترامب لتضييق الخناق على طهران ومنع وصول أي دولار لايران، يصل الى قناعة راسخة أن الحكومتين العراقية والكورية الجنوبية لن تقدما على خطوة الافراج عن الأموال الايرانية ان لم تحصل على ضوء أخضر من الولايات المتحدة الأميركية، مما يعني أن طهران استطاعت حلب ترامب من خلال الأوراق التي بيدها، في الوقت الذي حلب فيه الجميع.
ومن المؤكد أن ايران ستحصل على المزيد من الحليب الترامبي، اذا قررت الادارة الاميركية اطلاق سراح المعتقلين الايرانيين لديها.
صحيح أن الأموال التي حصلت عليها طهران تختلف عن الأموال التي حصل عليها ترامب، فما حصلت عليه ايران هو أموالها وبالتالي فان ترامب لم يقدم سنتا واحدا لايران من جيبه، بينما الأموال التي حصل هو عليها كأموال المنطقة لا تعود له؛ ولكن ان مجرد ارغام ترامب على دفع الاموال لايران في الوقت الذي يتبجح فيه بانه نجح في ممارسة الضغوط على ايران وفي الوقت الذي يتبجح فيه بانه حلب الجميع؛ فان ذلك يعد مكسبا كبيرا.
وربما الحكمة في ذلك ان ايران تعودت على أكل المال الحلال، بينما تعود ترامب على أكل السحت الحرام.

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2020/10/27

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد