آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. علي الديري
عن الكاتب :
كاتب وباحث بحريني

كيف كتب الشيخ النمر مرافعته؟

 

علي الديري* ..

في الجلسة الخامسة من محاكمة الشيخ النمر بتاريخ 22/4/2014، سأل رئيس الجلسة القاضي يوسف الغامدي، المدعي العام ناصر الدوسري عن بينته لعرضها ومناقشتها، فأجاب قائلاً: الدليل الأول ما جاء في إقراره وأقواله المرفقة في أوراق القضية.

لقد سجل المدعي العام (32) إقراراً على الشيخ النمر، وصاغها صياغة تخدم أجندته التي تحمل الإدانة المسبقة للشيخ، ويعلق الشيخ على ذلك: لقد لُبِّسَت كثير من الإقرارات بلفظ الشيعة مع أني لم أذكر ذلك اللفظ إلا نادراً، وكثير ما كان اللفظ المجتمع ولكن هيئة التحقيق والادعاء العام قامت بزج لفظ الشيعة وإقحامه لكي تصنع مادة طائفية قابلة للاشتعال، بل لتثير الفتنة الطائفية وتذكيها. وهكذا أُسست كثير من دعاويها على أساس طائفي لإثارة النعرات الطائفية وإذكائها… الغريب في الأمر أن المحقق يسألني عن رأيي وحينما أجيبه عن رأيي وإذا كان رأيي لا يوافق هوى الداخلية، يعتبر رأيي تهمة لا بد من محاكمتي عليه ومعاقبتي.

مع ذلك، فإن هذه الإقرارات في المجمل العام تحمل إدانة للحكم وسلطته وقضائه، وهذه عينه من الإقرارات مختصرة:
"أقر أنا المدعو نمر باقر أمين النمر سعودي الجنسية بموجب الهوية الوطنية رقم (1080470147) وأنا بكامل قواي العقلية المعتبرة شرعاً بما يلي: أقر أن جميع الخطب والبيانات التي صدرت عني كانت بمحض إرادتي وعن قناعة تامة مني وأنني لست نادما على ذلك...أقر بأنني من المهتمين بما حدث في مملكة البحرين من مظاهرات...أقر أن حكومة هذه البلاد لا تمارس دورها الرعوي وإنما تكرس دورها في التسلط على مواطنيها بشكل عام… أقر أنه لا سمع ولا طاعة لمن يسلب حريتي ويسلب أمني… أقر أن الدولة ليست أهم من كرامتي بل أن حياتي أيضاً ليست أهم من كرامتي.. أقر بأنني لن أتجاوب مع أي سؤال لا أرغب الإجابة عليه وأن ذلك نابع من معتقدي الشرعي ومن اعتدادي بنفسي وقناعتي وأن الخيار يعود لي في الإجابة على ما أرغب أن أجيب عليه"

ليس في إقرارات الشيخ النمر فضلا عن خطاب مرافعته جملة واحدة، يمكنها أن توحي أنه تنازل عن كلمة واحدة من كلماته، بل كل كلمة فيها كانت تُعلي من صوت أزيز خطابه، والمرافعة بمجملها إقراراً كبيراً وتوقيعاً وختماً على ما ورد في خطابه طوال سنوات نضاله خصوصا ما جاء بعد أحداث (الربيع العربي). لقد أنجز الشيخ بهذه الإقرار الكبير (المرافعة) مذكرة تفسيرية لخطابه وسياقه وأعطى خاتمة قررها بملء فمه ودمه، وجعلها بمثابة الإرث الثقافي النضالي الحقوقي الذي تركه لمن سيأتي بعده.

إن كل إقرار في كتاب المرافعة فصل من فصول كتاب المطالب الحقوقية المشروعة، وممارسة لحق من حقوق وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتمثيل مكثّف لمجمل خطاب الكرامة، وإنجاز مستمر لفعل الشهادة، وفصّ في ختم الشجاعة.


أراد الشيخ النمر أن يكتب مرافعته بنفسه، ليس أملاً في العفو أو رجاء في تخفيف العقوبة، بل ليكتب إقراراً ينجز به حدثاً تاريخيا، يليق بدمه، في حدود الساعات القليلة التي مُكن فيها من القلم والورقة كتب هذه المرافعة التي صارت اليوم كتاب شهادته ودستورها، ويشير القاضي في جلسة 23.12.2013 إلى عدد الساعات التي مُكن فيها من القلم والورقة: قد مكن من لقاء محاميه وفرّغ لكتابة جوابه ثلاث مرات وزود بقلم وأوراق كانت منها اثنتان في المحكمة وواحدة في السجن والتي كانت في المحكمة كانت الأولى منها أكثر من ثلاث ساعات والثانية قرابة الساعتين.


لقد كان الشيخ كما سجل في مرافعته مضيقاً عليَه بصورة عامة ومضيقاً عليَه في إعداد الرد على التهم الموجهة إليَه فنياً وعلميا "حقوقي مصادرة وإرادتي منتقصة واختياراتي محدودة وحرياتي مكبلة، ولذلك لن أستطيع أن أعد الإجابة على التهم الموجة لي إعداداً كافياً، ولن أتمكن من الدفاع عن نفسي دفاعاً جيداً، وخصوصاً أن خصمي هو من يسجنني، وهو من يضع العراقيل في محاكمتي" على الرغم من كل ذلك، فقد كتب مرافعة للتاريخ، ستبقى وثيقة إنسانية حقوقية شاهدة على ظلامته وظلامة الإنسانية وبشاعة العقيدة المتوحشة التي قابلت كلمته بسيفها.


*كاتب من البحرين، مقيم في كندا.

**جميع الاستشهادات مقتبسة عن نص مرافعة الشيخ نمر النمر. انظر: الشيخ باقر نمر النمر، مرافعة الكرامة، مرآة البحرين وكيتوس، إبريل2016.

أضيف بتاريخ :2016/04/30

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد