آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
طراد بن سعيد العمري
عن الكاتب :
باحث وكاتب في العلاقات الدولية؛ الشئون الإستراتيجية؛ الدراسات العسكرية؛ المجتمع الخليجي؛ وشئون العمل والبطالة

هل التصفيق للرؤية أم للأمير؟

 

 طراد بن سعيد العمري ..

منذ أن أعلن الأمير محمد بن سلمان الرؤية المستقبلية 2030 يوم الإثنين ٢٥ ابريل ٢٠١٦م ومعظم الكتاب والمحللين يتناولون الحدث في كافة وسائل الإعلام بكثير من التصفيق، حتى لم نعد نفرّق فيما إذا كان ذلك التصفيق للرؤية أم للأمير. قد يكون سبب هذا الخلط هو عدم معرفة من قدّم من : هل الأمير قدم الرؤية، أم الرؤية التي قدمت الأمير؟ فالرؤية لم تتضح بعد بالرغم من مجموعة “الإنفوجرافيك”، التي استحضرتها كثير من الصحف، والإخراج الجميل الذي نشره حساب الرؤية على تويتر. كما أن الأمير لم يقل كل شيء في المقابلة على قناة العربية، أو حتى في المؤتمر الصحفي ليتناسب مع ذلك التصفيق المدوي. فلازال الوقت مبكراً جداً، ولا زلنا بانتظار كثير من البرامج والآليات والسياسات التنفيذية للرؤية، كما أن برنامج التحوّل الوطني الذي من المفترض أن يشرح جانباً من الرؤية لازال في “الأنبوب” ولم يظهر للعلن لدراسته والتعرف على عمق وشمولية الرؤية من خلال البرنامج.

 

التصفيق قبل وضوح الرؤية هو نفاق إعلامي ممجوج يتعارض مع مراد الأمير وروح الرؤية. فقد أعلن الأمير محمد بن سلمان بكل وضوح لا لَبْس فيه بالقول: “نحتاج نقدكم قبل ثناؤكم”. وقد إتكأ الكاتب محمد الرطيان على هذه المقولة وصاغ مقال بعنوان “رسالة مفتوحة إلى سمو الأمير”، يجمع النقاد والقراء على أنها من أفضل ما كتب عن التحوّل الوطني من كاتب مفكر متشبع بالوطنية والمحبة لبلاده وأمته. إذ يقول المبدع الرطيان: “وغالبية القوم – يا سيدي – انشغلوا بالثناء.. وأنا حاولت أن «أنقد» بمحبة.” لكننا لم نسمع أو نقرأ أو نشاهد رأيا محباً وناقداً للرؤية المستقبلية، بل كان دوي التصفيق يصم الأذان، وقد سبق أن حذّر الرطيّان من هذا المشهد الغير صحي حيث خاطب الأمير مباشرة في الرسالة المفتوحة بقوله: “لا تثق أيها الأمير بمن يصفق للأعمال قبل إنجازها!”

 

استمع المجتمع السعودي إلى تصفيق الإعلام والإعلاميين كثيراً على مدى العقود الماضية. فمع كل ميزانية تقرها الحكومة السعودية في الماضي ينطلق التصفيق، ومع كل خطة خمسية في التسع خطط تنموية الماضية نستمع إلى كثير من التصفيق والتمجيد، ومع الرؤية المستقبلية 2020 التي أعلنت في العام ٢٠٠٢م كُتب كثيراً، وقيل كثيراً، وصُفق كثيراً. كل تلك الميزانيات والخطط الخمسية التنموية، من دون استثناء، مضافاً إليها الرؤية في العام ٢٠٢م تحدثت عن ذات المواضيع: تنويع مصادر الدخل؛ توظيف المواطنين؛ تأمين السكن؛ توفير الرعاية الصحية؛ وتطوير التعليم. واليوم، أيضاً، تأتي الرؤية 2030 ويستمر التصفيق كذلك. حتى بات التصفيق نذير شؤم. فكيف يمكن لنا أن نفرق بين تصفيق وتصفيق؟ المأمول من وزير الثقافة والإعلام أن يحوّل الإعلام من مصفق إلى محفز، لا يعتمد على تمجيد الأعمال قبل تنفيذها، ولا يتردد أو يستنكف من نقد المسئولين أو قراراتهم. كما يمكن للوزير أن يتخذ من مقولة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، حفظه الله، عنواناً لرؤية إعلامية جديدة تقوم على “رحم الله من أهدى إلي عيوبي”، ليكون النقد بديل للثناء.

 

ما ظهر حتى الآن من الرؤية وعنها، لا يكفي حتى لتحليل ونقد موضوعي، فهي خطوط عامة ذكرها الأمير في قناة العربية والمؤتمر الصحفي، بل يمكن القول أن ما ظهر من الرؤية على لسان الأمير أو حساب تويتر حتى الآن استثار من الأسئلة أكثر من الأجوبة، فلماذا التصفيق؟ في جانب أخر، تحتاج الرؤية إلى نقد وعقد من نوع مختلف. فإذا أريد لهذه الرؤية أياً كان هدفها، النجاح وحسن التنفيذ فلابد من عقلية نقدية تظهر مكامن الخوف والخلل، كما تتطلب عقداً مع المواطن أشبه بالعقد الإجتماعي لكي يكون وسيلة الرؤية وهدفها. التصفيق ظاهرة صوتية اعتادها العرب من قبل المتنبي وأشعاره والأسلوب الخطابي للنثر والشعر العربي. وإذا لم يتغلب صوت الفصول الدراسية في المدرسة والمعهد والجامعة، وصوت الورش والمعامل والمصانع، وإذا لم يتغلب صوت النقد على صوت التصفيق فلا أمل في نجاح الرؤية أو النهوض من التخلف، فكما يقول أستاذنا الرطيان: “النقد: عافية، وغيابه: مرض … والأوطان التي لا تقبل النقد تترهل.”

 

يصفق البعض بشكل مباشر أو غير مباشر للأمير. حسناً، هذا التصفيق غير مجدٍ وغير منتج وغير صحي، فمحمد بن سلمان: شاب، وأمير، وابن ملك، وحفيد ملك، ولن يزيده كثرة التصفيق عمراً، أو مالاً، أو جمالاً، أو رفعة، أو سمواً. الأكيد، أنه إذا كان هناك من أمل ورغبة وحاجة وهدف للأمير فهو أن تنفذ الرؤية وتحقق أهدافها وتنعكس إيجاباً على المواطن وحياته، وهذا سيسعد الأمير وسيصفق الأمير حينها لذلك بدلاً من الإعلاميين. يظن البعض أن التصفيق للأمير هو تجسيد للولاء، وهذا غير صحيح. كما يعتقد آخرون أن التصفيق للرؤية، هو تجسيد للانتماء، حتى ولو لم تتضح،  ونحن نقول وبكل صدق وأمانة أنه لا هذا ولا ذاك، فليس للتصفيق علاقة بالولاء أو الانتماء. فالتصفيق له علاقة بالمجاملة، والمصانعة، والكذب، والرياء، والسمعة، والنفاق، والجهل، والخوف، والضوضاء. كل تلك السمات السلبية لا تتوافق مع ما يطمح إليه الأمير أو متطلبات الرؤية أو استحقاقات التنفيذ. فالهدف من كل هذا التحوّل هو نقل المجتمع السعودي من حال إلى حال أفضل، والله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

 

خرجت بعض المقالات والتعليقات، التي بّثت ونُشرت، عن قاعدة التصفيق بعض الشيء. فتلك الآراء تقول شيئاً من الملاحظات أو النقد، ولكن على استحياء، وذلك استثناء يؤكد القاعدة. أما بعض الآراء القليلة الموضوعية والمفيدة والصادقة فتم تداولها في بعض القروبات ومعظمها مقالات وتعليقات في صحف غربية متخصصة، وهذا التوجه الإعلامي المحلي يمكن وصفه بالسلبي لأنه يخيف أكثر مما يطمئن. لكن هذا قدر الكلمة الوطنية الحرة في المجتمع السعودي التي اغتالها رؤساء تحرير الصحف المحلية والقنوات الفضائية التي ظنت زوراً وبهتاناً أن التصفيق والإفراط فيه هو المطلوب. فالأمير لم يقل شيئاً بعد في مقابلة العربية عن مواضيع كثيرة يحملها هو أو الرؤية لها علاقة مباشرة بالمواطن سواء في العمل أو الإسكان أو الصحة أو التعليم أو الرعاية الإجتماعية. وقد يكون من حكمة الأمير التمهل حتى يصدر برنامج التحوّل الوطني، لكي تتضح الصورة. لكن التصفيق علا صوته.

 

يعتمد نجاح الرؤية باختصار على تمكين المواطن في كافة المجالات. فالبطالة والحد منها، كأحد جوانب التمكين، تشكل العمود الفقري لأي رؤية تنموية في أي مكان في العالم، ولازال موضوع البطالة محيراً بحسب ما ظهر من الرؤية حتى الآن، وهو أن النسبة ستنخفض من (١١،٦٪‏) إلى (٧٪‏) فقط، هذا يطرح عدة ملاحظات: (١) هل القائمين على الرؤية يثقون بالأرقام والنسب التي تصدرها مصلحة الإحصاءات، خصوصاً وأنها بعيدة كثيراً عن الواقع؛ (٢) كم عدد الفرص الوظيفية التي ستوفرها الرؤية 2030 وكم نسبة مشاركة المواطنين؟ (٣) البطاقة الخضراء (Green Card) ستحيل المواطن السعودي إلى غريب في وطنه وأقلية في سوق العمل، ويجب الحذر منها فهي حيلة وخدعة وفخ ومصيدة؛ (٤) هل هناك من معايير جديدة لحساب مشاركة المواطنين في القطاع الخاص، أم ستبقى النسبة هي المعيار الرئيسي لتشغيل المواطنين كما كان في السابق؟ (٤) هل هناك من معايير وقرارات لرفع الحد الأدنى للأجور بحيث يتفق مع خط الكفاية الذي أصدرته مؤسسة الملك خالد الخيرية كحد أدنى؟ فإذا كان السعودي، كما يقول الأمير، واعٍ، قوي، طموح، رائع، مثقف، متعلم بشكل جيد، مبدع، لديه قيم عالية، فمالذي يمنع من استصدار قرارات سيادية لحماية وتمكين المواطنين من الفرص الوظيفية التي يخلقها الإقتصاد، أو تخلقها الرؤية؟

 

شكّل الجانب الإقتصادي في الرؤية 2030 الجزء الأهم والأكبر وتم تسليط الضوء عليه بنسبة (٨٠٪‏) لكن ذلك، من وجهة نظرنا، لا يحتل سوى (٢٠٪‏) أو أقل من اهتمامات المواطن. فالجانب الإقتصادي وتنويع مصادر الدخل تعني بـ “الكيف”، أي بكيفية تحقيق مداخيل عالية ومستقرة لخدمة التنمية، وهذا جدل خاص بالحكومة التي تدير المجتمع. لكن مايريد المواطن سماعه هو: ماذا سيكون حال المواطن في العام 2020، 2025، 2030 في العمل والسكن والصحة والتعليم والرعاية الإجتماعية؟ هل سيشارك المواطن في صناعة القرار في القضايا التي تلامس حياته بشكل مباشر؟ هل سيصار إلى إنشاء “غرف عمالية” لخلق توازن مع “الغرف التجارية” لِلَجْم جشع التجار وتحسين ظروف وبيئة وأجور العمل؟ المأمول أن تتضح الرؤية عندما تعلن التفاصيل في “برنامج التحوّل الوطني”، والشيطان يكمن في التفاصيل، كما يقول المثل الغربي.

 

سُمي البرنامج بـ “التحوّل الوطني” وهذا له دلالة ومعنى أوسع وأشمل من التحوّل الإقتصادي، أو هكذا نظن. فهل في الرؤية 2030 ما يفيد بإصلاحات سياسية تزيد من المشاركة والمراقبة والمحاسبة؟ فالمتابع لحديث الأمير إلى قناة العربية قد يلتقط إشارات توحي لبعض المتفائلين إلى شيء من ذلك، عندما تحدث سموه عن الشفافية في أرامكو والإنفاق العسكري، وقال: “الشعب يراقب”. والطريق الوحيد لكي يراقب الشعب، أو يقرر المجتمع في موضوع قيادة المرأة هو في برلمان منتخب من الشعب (المجتمع) لكي يدرس ويتداول ويصوت ويقرر، والحكومة تنفذ. أما إذا كان المقصود بالشعب والمجتمع والمراقبة هو الإعلام والصحافة، فكما ذكرنا سابقاً لا يملك الإعلام تلك الأدوات فهو وسيلة رأي تتوقف عند رئيس تحرير معين من وزارة الإعلام يخشى على سمعته ومكانته ومنصبه.

 

يمكن لنا أن نجادل بأن التنمية الشاملة التي تحدث عنها خادم الحرمين الشريفين عند إقرار الرؤية 2030 تتطلب تحوّل وطني في خمسة عناصر غير منفصلة: أولاً، الجانب الإستراتيجي، ويمثل (٢٠٪‏)، ويشمل الأمن والدفاع والعلاقات الدولية؛ ثانياً، الجانب السياسي، ويمثل (٢٠٪‏)، ويشمل إعادة هيكلة مؤسسات الدولة والحكومة ومزيد من المشاركة الشعبية؛ ثالثاً، الجانب الإقتصادي، ويمثل (٢٠٪‏)، ويشمل رفع وتحسين مستوى حياة ومعيشة المواطن؛ رابعاً، الجانب الثقافي، ويمثل (٢٠٪‏)، ويشكل تجديد الخطاب الديني وتطوير نوع ووسائل وأدوات الإعلام والتعليم والثقافة والمعرفة؛ خامساً، الجانب الإجتماعي، ويمثل (٢٠٪‏)، ويشمل تمكين المرأة ورعاية كبار السن والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة والترفيه وزيادة مؤسسات المجتمع المدني وفعاليتها. وإذا كان ما أعلنه سمو الأمير محمد لا يمثل سوى جانب واحد من الجوانب الخمسة الآنفة الذكر، فالأمل كبير جداً بمعرفة تفاصيل الرؤية في الجوانب الأخرى قريباً بإذن الله.

 

أخيراً، إذا كان صوت التصفيق في الإعلام السعودي، بعد مقابلة الأمير، قد هز أذن وعين وفكر المتلقي في الداخل وارتفعت درجة الهزة إلى (٧) درجات على مقياس “ريختر”، فكم ستصل درجة الهزة بعد أن تتضح الرؤية، وبعد أن تُنفذ، والأهم من ذلك كله، بعد أن تًُحقق أهدافها؟ ولذا يجب التروي والانتظار حتى تتضح الملامح التنفيذية، وأن لا نستبق التنفيذ بالتصفيق. السعودية تمر بمرحلة مفصلية في تاريخها تركز على العمل والجودة والانفتاح والتغيير، وإذا لم تتغير تلك العادة العربية القديمة في “المكاء والتصدية”، فإن أول من سيخيب ظنه هو الأمير. ختاماً، الإعلام والصحافة معيار رئيس ومؤشر على حضارة وتقدم الأمم، ولن تنجح رؤية تنموية تنشد التغيير إلا بإعلام صادق وجريء. حفظ الله الوطن.

 

صحيفة أنحاء

أضيف بتاريخ :2016/05/02

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد