آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
مجاهد عبد المتعالي
عن الكاتب :
كاتب سعودي

طبقة الأقساط والماركات المقلدة

 

مجاهد عبدالمتعالي ..

تفتت الطبقة الوسطى هو مؤشر خطر في كل الدنيا ولا علاقة له بنوعية النظام أو طريقته، بقدر ما له علاقة باستحقاقات أقرتها التشريعات الدولية كحقوق أصيلة لكل مواطن على وطنه سياسيا واقتصاديا واجتماعيا

 

الطبقة الوسطى، أحياناً تسمى الطبقة الضامنة لتوازن الدولة الحديثة، ومهما تعددت الأسماء يبقى السؤال مفتوحاً لقراءة التحركات والتحولات من خلال هذه الطبقة، همومها، طموحاتها، رغباتها، انتعاشها، تفتتها، ففي الطبقة الوسطى يكمن مبتدأ التغيير ومنتهاه، كل الرهان الاقتصادي والسياسي والثقافي، يرتكز على ما اصطلح عليه علماء الاقتصاد والاجتماع والسياسة بمسمى الطبقة الوسطى، ولهذا فانشغالات الكتاب والمفكرين والمحللين بصراع التيارات الذي نختزله بين إسلاميين وليبراليين يعطي وصفاً لميدان الصراع وليس حقيقته، لأن الصراع في أحد أوجهه هو صراع طبقي جرى الاصطلاح بين أصحاب النفوذ المافيوزي أن يكون ميدانه وأدبيات خطابه حول (رغبات إسلاميين ورغبات ليبراليين) ليقوم الإسلاميون بتحجيم رغبات الطبقة الوسطى بوصف أنفسهم زوراً أنهم الأغلبية.

 

الطبقة الوسطى طيلة تاريخها لا تبالي بالإسلامويين فهي التي أدخلت بناتها للمدرسة رغم كل التحذير الديني من مواد الجغرافيا والإنجليزي والكيمياء والرياضيات مما لا تحتاجه النساء؟! الطبقة الوسطى هي الأغلبية التي تتابع القنوات الفضائية وتشارك في التصويت على برامجها بشكل محموم يدر مئات الملايين على أصحاب تلك القنوات، رغم الفتاوى الُمحرِّمة للدش، والتلفاز من قبل، ولم يلتفت لها أحد، الطبقة الوسطى التي فرحت بمشروع الابتعاث الخارجي لأبنائها وبناتها، رغم اتهام المشروع بالتغريب وإشاعة المنكر منذ لحظة إعلانه (مشروع الابتعاث فرحت به كل طبقات الشعب بلا استثناء)، الطبقة الوسطى التي تملك سيارة جديدة بالأقساط توحي بالثراء، وتراها أول الشهر بسيارتها في طابور طويل أمام ماكينة الصرف الآلي، الطبقة الوسطى التي ستتسابق لمعارض السيارات كي تشتري نساؤها بالأقساط آخر موديل من السيارات ليقدنها مودعات السائق الذي صرفن عليه أحياناً ثلث رواتبهن شهرياً طيلة عمرهن الوظيفي، الطبقة الوسطى التي تجد فيها عائلة متنوعة الإمكانات، من فتاة تدرس الطب إلى أختها التي تعمل كاشيرة وتحلم بمحلها التجاري الخاص، إلى أخوهم الذي يعمل على بند الأجور ورابعهم موظف حكومي بمرتبة مرموقة، وخامس ما زال عاطلا بالبكالوريا. الطبقة الوسطى التي تقتني الماركات المقلدة رجالا ونساء بحثاً عن صيت الغنى. الطبقة الوسطى التي تتفاخر على بعضها بوظائف أبنائها رغم عجزهم جميعاً عن توفير سكن يليق بهم بلا أقساط تصل لقرابة ربع قرن. الطبقة الوسطى التي ينصحها وزير سابق بأن تغير عاداتها الغذائية. الطبقة الوسطى التي تتشاتم وتتباغض في ما بينها على حكم اقتناء المرأة لجوال الكاميرا إذا توافر في الأسواق، فإذا نزل السوق تهافتوا بالشراء (المطوع وغير المطوع) ليهدوا نساءهم ما سمحت به ميزانيتهم من أنواع جوال الكاميرا، ونسوا الخلاف القديم بينهم.

 

الطبقة الوسطى هي أنا وأنت مهما اختلفنا في انتماءاتنا الفكرية، ولكننا في النهاية ندرك مصالحنا الحقيقية أين؟ لنجد الإسلامي المعروف بمعارضة الابتعاث وقد ابتهج بتخرج ابنته من جامعات الغرب (الكافر)، ووجد لنفسه مئات التخريجات الفقهية التي عجز عن إيجاد واحد منها لغيره قبل ابتعاث ابنته.

 

الطبقة الوسطى تصارع في معارك أيديولوجية يقررها بعض أصحاب النفوذ المافيوزي، كميدان يبعدها عن حقيقة ما تحتاجه وما تريده وما تتمناه لنفسها ولحياتها، ليأتي القرار السياسي تحقيقاً لرغبات الطبقة الوسطى بعد طول انتظار وصمت، كانت تسلي نفسها فيه بصراع التحريم والتحليل، فالُمحرِّم يلتزم لا رغبة في الالتزام بالفتوى بقدر ما هي سلوى (أنه صاحب موقف فكري) تكفيه مؤونة النضال ولو همساً بطلب التغيير، والمجيز يبرر المسألة فقهياً ظناً منه أنه لا يعوقها سوى تخريجاته الفقهية.

 

الطبقة الوسطى تنقسم إلى قسمين: فئة تُحرِّم على نفسها تكيفاً مع الواقع حتى يتغير، وفئة لا ترى في حقوقها محلاً للفتاوى والنقاش الديني، وهي فئة الطليعة من الإنتلجنسيا داخل الطبقة الوسطى، التي ترغب في مشاركة شعوب العالم المتقدم كل امتيازاته المعيشية وطموحاته الحياتية وفق معايير حقوق الإنسان المعترف بها عالمياً، ولهذا فحتى المُحرِّمون لم يلتزموا ولو لمرة واحدة بما يحرِّمونه، كأنما دورهم أن يكونوا لجاماً بيد غيرهم فقط، يتحجج بهم، لكبح جماح الطبقة الوسطى أن تتجاوز حدودها في المطالب الطبيعية لها، فما أن يأتي الواقع ليقرر معطيات جديدة لصالح الطبقة الوسطى، إلا وترى الُمحرِّمين أول الصف يتهيؤون للعبة الرسن من جديد.

 

مسائل الحقوق الإنسانية والكرامة والعدل والرفاه الاجتماعي لا تحتاج فقهاً مذهبياً ولا شريعة خاصة، فكل ما تتمناه الطبقة الوسطى في كل العالم من حقوق سياسية واقتصادية واجتماعية يعتبر واحداً، والفرق يكمن في الأولويات فقط، فما تطلبه عائلة يابانية أو كندية من حقوق ورفاه لا يختلف عما تطلبه عائلة سعودية، سواء كان عائلها كاتبا أو طبيبا أو (مطوعا)، الفرق يكمن فقط في الوعي بهذه الحقوق، ولهذا اتفق العالم على المواثيق الدولية التي ترعى حقوق الغافلين كواجبات على الدولة لرعاياها، وواجبات على العالم للدولة النامية، واختلفت الشعوب ـــ بين غافل وعارف وجاهل ـــ في القدرة على تحقيق تصنيف يليق بها بين دول (العالم الأول) في هذه الحقوق.

 

كان جمال حسني مبارك يتحدث عن النمو الاقتصادي الذي حققته مصر، لكنه تناسى أن الأرقام لم تكن كل شيء، كان هناك نمو اقتصادي في فترة حسني مبارك، ولكن الحقيقي أيضاً أن الطبقة الوسطى الضامنة في مصر لم يصلها من هذا النمو شيء، كانت أوليغاركية حاكمة همها (بناء السلطة لا بناء الدولة) وكل ذلك على حساب الطبقة الوسطى، مزيج من السياسيين ورجال الأعمال الذين شكلوا ما يسمى (الهوامير) كمصطلح شعبي نحتته الطبقة الوسطى في وصف هذا الكارتيل الذي لا يشبع.

 

الطبقة الوسطى هي مدار التنمية ومدار الحقوق، ومدار صناعة المفاهيم، ومدار السياسة، وما عدا ذلك فلن يكون له أثر، وتفتت الطبقة الوسطى هو مؤشر خطر في كل الدنيا ولا علاقة له بنوعية النظام أو طريقته بقدر ما له علاقة باستحقاقات أقرتها التشريعات الدولية كحقوق أصيلة لكل مواطن على وطنه سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ولا تقوم الحضارة الإنسانية والمدنية الحقيقية إلا بها.

 

صحيفة الوطن السعودية

أضيف بتاريخ :2016/05/02

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد