آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. منصور الجمري
عن الكاتب :
كاتب بحريني ورئيس تحرير صحيفة الوسط البحرينية

تحديات عالمية كبيرة

 

شهد العالم في نهاية 1991 تفكُّك الاتحاد السوفياتي إلى 15 بلداً منفصلاً، وهذا التفكُّك جاء بعد أحداث جسيمة خارجيَّة، تفاعلت مع الوضع الداخلي الذي كان عاجزاً عن إجراء الإصلاح الاقتصادي (بريسترويكا) والسياسي (غلاسنوست). قبل ذلك التفكُّك، كان جدار برلين قد انهار وتوحَّدت الألمانيَّتان، كما تمَّ تحرير الكويت بعد احتلال القوَّات العراقيَّة لمدة 7 أشهر، وبرزت معالم جديدة لما تصوَّر حينها الرئيس الأميركيُّ الأسبق جورج بوش الأب أنَّه «نظامٌ عالميٌّ جديدٌ». بعد انهيار الاتّحاد السوفياتي شهدت أوروبَّا صعود نجم الحركات القوميَّة المتطرّفة، التي ارتكبت جرائم ضدَّ الإنسانيَّة، وتسبّبت في مآسٍ كان العالمُ يعتقد أنَّه ودَّعها منذ زمن طويل، لكن في النّهاية انتصر الأنموذجُ الديمقراطيُّ الأوروبيُّ في معظم بلدان القارَّة الأُوروبيَّة، وازدادت جاذبيَّة الأنموذج الغربي الذي يحقّق الأمن والاستقرار والكرامة والرفاهيَّة.

 

وهكذا، وعلى مدى ربع قرن مضت، شهد العالم سيادة قوَّة عالميَّة واحدة، تتمثَّل في الولايات المتَّحدة الأميركيَّة، وبروز قوَّة الاتحاد الأوروبي كمنهج تزدهر فيه اقتصاديَّات أعضائه، وتُحتَرم فيه حقوقُ الإنسان، وتَنتصرُ فيه سيادةُ القانون.

 

كل ذلك أدَّى إلى انتشار الابتهاج بانتصار الديمقراطيّة الغربيَّة (بشقَّيها الأميركي والأوروبّي)، وأصبح الحديث يدور حول موجات الديمقراطيَّة التي لن تتوقَّف عند شرق أوروبَّا فقط، وأنَّ المجتمعات في كُلّ أنحاء العالم تتوق إلى العيش بكرامة وحريَّة وحقوق، وبالتالي فإنَّها ستسعى إلى اللحاق بالعالم المتقدّم في هذا المجال.

 

على أنَّ المتغيّرات التي نمُرُّ بها حاليّاً تمثّل تحدياً غير مسبوق للعالم الغربي... فالاتحادُ الأوروبّيُّ الذي فتح حدوده لمئات الملايين من الأوروبّيين ليعيشوا في كنفه، يواجه اليوم أكبر أزمة للمهاجرين إليه بعد الحرب العالميَّة الثانية. وفي الوقت ذاته برزت وريثة الاتّحاد السوفياتي (روسيا) بصورة غير متوقَّعة، لتتحدَّى المنهج الغربيَّ في طريقة التَّعامل مع القضايا المشتعلة. إضافة إلى ذلك، فإنَّ ما برز من حركات دينيَّة مُتطرّفة يفوق خطرها الحركات القوميَّة في أوروبَّا؛ وذلك لأن امتداداتها أكبر، ولأنَّ تأثير الدينِ أقوى من تأثير الإثنيَّة. إنَّ المرحلة الحاليَّة تمثّل تحدياً أكبر ممَّا مضى، وهي لا تمثّل تحدياً للأمن العالمي والإقليمي فحسب، وإنَّما تتحدَّى المفاهيم والقيم التي تحرّك الدول والمجتمعات، وهو ما يجعل وقائعها وتبعاتها أكبر من ذي قبل.

 

الكاتب: منصور الجمري

صحيفة الوسط البحرينية.

أضيف بتاريخ :2015/10/07

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد