آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

اجتماعات فيينا السورية “تتقزم” وتنحصر في بحث أعمال الإغاثة الإنسانية وتثبيت وقف إطلاق النار

 

عبد الباري عطوان ..

من تابع مداولات وتصريحات ممثلي القوتين العظميين الذين ترأسا اجتماع فيينا، الذي انعقد اليوم الثلاثاء بحضور 15 دولة أخرى لبحث آخر تطورات الأوضاع في سورية، يشعر أنهما حولا جدول أعماله من بحث قضايا سياسية وعسكرية، إلى بحث أعمال اغاثية، وبذل محاولات شبه يائسة لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار وتوسيعه.

 

السؤال المشروع هو، ماذا عن المفاوضات بين وفد الحكومة ووفود المعارضة؟ ماذا عن المرحلة الانتقالية، والحكومة ذات الصلاحيات الكاملة، ماذا عن الدستور الجديد والانتخابات التي من المفترض أن تتلوه؟

 

لا إجابات، فقط حديث مبهم للمبعوث الدولي استيفان دي ميستورا عن احتمال استئناف المفاوضات في أوائل حزيران (يونيو) المقبل.. مجرد احتمال لا أكثر ولا أقل.

 

نقول للمستر دي ميستورا، ولكن أول حزيران (يونيو) هو بداية شهر رمضان المبارك، والعرب والمسلمون ينقطعون للصلاة والصوم، ويقضون معظم أوقاتهم، إما نياما، أو في الصلوات والتهجد، ولا ننسى التراويح أيضا، وإذا كان وفد النظام، ونظيره المعارض الروسي من “العلمانيين”، فان الوفد القادم من الرياض من المفترض أن يكون عكس ذلك تماما.

***

القوتان العظميان اتفقتا فيما بينهما على بعض التفاهمات الأساسية، وأولها، أنه لا يوجد بديل للنظام يمكن أن يسيطر على البلاد في حال انهيار الأول (أي النظام)، وإذا كان هناك بديل، فهو الجماعات الجهادية الإسلامية، أما التفاهم الآخر، فيؤكد على عدم تحقيق الحلم التركي في اقتطاع حلب، وإقامة إمارة إسلامية على أرضها.

احد القادمين من دمشق قال لنا بالحرف الواحد، أن النظام يشعر بحالة من الارتياح غير مسبوقة، ويعتقد انه خرج من عنق الزجاجة، بينما دخل الآخرون إليها، ويقصد بالآخرين، تركيا وقطر والسعودية، وأن الوجود الروسي حقق توازنا استراتيجيا مهما مع النفوذ الإيراني، وأكد أن هناك حالة من الارتياح في أوساط بعض مكونات النسيج الاجتماعي السوري لهذا التوازن.

 

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بات يجد نفسه وحيدا في مواجهة أعدائه الروس، بعد أن تخلى عنه الأمريكان، وبدأت صداماته مع “الدولة الإسلامية” تزداد حدة، أما حليفه السعودي، فقد عوّل كثيرا على مفاوضات الكويت للخروج من المأزق اليمني، لكي يتفرغ للملف السوري، ويشفي غليله من النظام الذي أفسد كل رهاناته، واستمر لخمس سنوات في الحكم، ولكن تعويله كان في غير محله، والمفاوضات اليمنية في الكويت تترنح، وتنظيم “القاعدة” خرج من باب المكلا لتعود إليها قوات “الدولة الإسلامية” من النافذة.

 

زائر لندن القادم من دمشق قال بالحرف الواحد، أن الروس، ولأول مرة منذ العهد القيصري، يعتبرون سورية احد جمهوريات الاتحاد الروسي غير المعلنة، ولم يذهبوا إليها حتى يخرجوا منها، ويعتبرون الأتراك العدو الأول الذي يتقدم على المنظمات التي يدرجونها على قائمة “الإرهاب”، مثل “جبهة النصرة”، و”الدولة الإسلامية”، وهم الآن يضعون كل ثقلهم خلف الأكراد، سواء كانوا أكراد سورية أو تركيا، ويقدمون لهم أسلحة نوعية متقدمة جدا، من بينها صواريخ مضادة للدروع والطيران، وبآلاف الأطنان، والهدف هو “كسر شوكة السلطان العثماني المقيم في “القصر الأبيض” بأنقرة، ومن المفارقة، والكلام نفسه للضيف الزائر، أنهم لا يواجهون أي معارضة من “الخصم” الأمريكي.

 

جبهة حلب ربما تهدأ قليلا في الأيام المقبلة، ولكنه هدوء مؤقت، فالحشود الإيرانية في ذروتها، ولدى قيادتها رغبة غير مسبوقة بالثأر والانتقام لقتلاها في “خان طومان”، ولدى “حزب الله”، ذراعها العسكري القوي في لبنان وسورية، الرغبة نفسها، أن لم يكن أكبر، خاصة أن دماء قائد جناحه العسكري مصطفى بدر الدين لم تجف بعد، أما الروس الذين تعرضوا لانتقادات شديدة من حليفيهما السوري والإيراني لعدم تقديمهم المساعدة العسكرية المطلوبة، فوعدوا بغطاء جوي أكثر فاعلية في المعركة المقبلة والوشيكة.

 

معركة حلب الوشيكة ستكون معركة “كسر العظم”، وأم المعارك، وأبوها، وجدها، وهذا ما يفسر تأكيدات جون كيري، بأن الجهة التي ستخرق وقف إطلاق النار فيها ستتعرض لعقوبات، وسيتم رفع الحماية عنها، والرسالة هذه موجهة إلى المعارضة السورية المسلحة بأطيافها كافة.

***

جمود الوضع يريح الأطراف المختلفة، ابتداء من النظام، وانتهاء بالقوتين العظميين، روسيا وأمريكا، ولكنه قطعا لا يريح المعارضة السورية، والقوى التي تقف خلفها، وتقدم لها الدعم منذ أن بدأت الأزمة قبل خمس سنوات.

 

المعضلة الأكبر في المعادلتين العسكرية والسياسية على الأرض السورية ومحيطها، أن النظام بات على قناعة راسخة أنه يزداد قوة، بينما يزداد خصومه ضعفا.. الأمر الذي يعزز شعورا بالارتياح لديه، ويزيد ثقة من يقاتلون في صفوفه.. وعودة الثقة التي اهتزت في بداية الأزمة ووسطها، أمر مهم للغاية بالنسبة إليه على الأقل.

 

كيري ولافروف حقنا العملية السياسية السورية بحقنة مخدر قوي، يستمر مفعولها لبضعة أيام أو أكثر، وهذا ما يفسر غضب المعارضة المفهوم، وصمت السيد عادل الجبير وزير الخارجية السعودي أحد أبرز المشاركين في اجتماع فيينا.

 

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2016/05/18

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد