آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

مجلس الشيوخ يصدر قانونا بمحاكمة أمراء سعوديين بتهمة التورط في هجمات سبتمبر.. هل أعلنت “المؤسسة” الأمريكية الحرب على السعودية؟

 

 عبد الباري عطوان ..

أصدر مجلس الشيوخ الأمريكي أمس قانون العدالة ضد “رعاة الإرهاب” الذي قدمه السناتور الديمقراطي تشاك شومر، ونظيره الجمهوري جون كورنين، ويسمح لأهالي ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر مقاضاة أمراء في الأسرة الحاكمة السعودية أو مسؤولين أمام المحاكم الأمريكية لطلب تعويضات، يعني أن العلاقة الإستراتيجية بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية، التي بدأت قبل 70 عاما بلقاء الملك عبد العزيز آل سعود والرئيس الأمريكي روزفلت، على ظهر سفينة حربية أمريكية في قناة السويس (عام 1945)، أوشكت على الانتهاء، وربما تتحول إلى مواجهات سياسية وقضائية، وحرب مالية في المستقبل المنظور.

 

هذه النتيجة كانت مكتوبة على الحائط، وأول من مهد لها الرئيس الأمريكي باراك أوباما في حديثه المطول والصريح والمتعمد لمجلة “اتلانتيك”، عندما أكد “أن السعودية رعت التطرف الإسلامي الوهابي في العالم خلال العقود الثلاثة الماضية ودعمته بالأموال والأئمة، وضرب مثلا باندونيسيا التي عاش فيها لعدة سنوات في صباه، وكيف تحول إسلامها المعتدل المتسامح إلى إسلام متطرف نتيجة لنشر “الوهابية” وتعاليمها.

 

ولم يكن من قبيل الصدفة أن تصدر وزارة الخزانة الأمريكية أمس بيانا يؤكد أن السعودية تملك ما قيمته 116.8 مليار دولار من السندات الأمريكية قبيل صدور هذا القانون بساعات، في تصحيح لما ذكرته صحيفة “النيويورك تايمز″ من معلومات تقول أن قيمة هذه السندات تزيد عن 750 مليار دولار.

***

 

إصدار هذا القانون يعني أن الإدارة الأمريكية يمكن أن تتدخل قانونيا لوقف بيع وتسييل هذه الأصول، مثلما هدد السيد عادل الجبير وزير الخارجية السعودي، كرد فعل على التحضيرات لإصداره (القانون)، ومن المفارقة أن السيد الجبير اضطر “محرجا” لسحب هذه التهديدات يوم أمس، عندما قال في مؤتمر صحافي مع نظيره الأمريكي جون كيري في فيينا “ما قصدناه أن صدور هذا القانون سيقوض ثقة المستثمرين في السوق الأمريكي، فالأمر لا يخص السعودية وحدها”، نافيا أن يكون قد هدد ببيع هذه السندات.

 

نظريا يستطيع الرئيس أوباما أن يعطل هذا القانون بحكم صلاحياته كرئيس أمريكي، ولكن السناتور شومر الذي قدم مشروع القانون، ويعتبر والده الشرعي، أكد أن أغلبية الثلثين المطلوبة في مجلس الشيوخ لأبطال “الفيتو” الرئاسي مضمونة لديه، مما يعني، حسب رأيه، أن القانون سيعتمد حتما، بغض النظر عن موقف الرئيس أوباما منه، والأخطر من ذلك أن المرشحين الأبرز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية هيلاري كلينتون، وجون ساندرز، ودونالد ترامب أعلنوا تأييدهم له.

 

الضغوط تتصاعد حاليا للإفراج عن الوثائق التي تؤكد تورط أمراء سعوديين في دعم منفذي هجمات سبتمبر، وتقديم الدعم المالي واللوجستي لهم، المباشر منه أو غير المباشر، وهناك توقعات بأن يتم الكشف عن مضمون الصفحات الـ 28 التي جرى حجبها من تقرير تحقيقات الكونغرس حول هذه الهجمات، ويعتقد أنها تدين السعودية، في غضون الشهرين المقبلين.

 

اسم زكريا الموسوي المسجون في كوليرادو، بتهمة المشاركة في التحضير لهجمات سبتمبر، وينظر إليه على أنه المتورط رقم 20 فيها، بدأ يتردد بقوة هذه الأيام، ونسبت إليه مزاعم تقول أن أمراء من الأسرة الحاكمة السعودية متورطون في دعم تنظيم “القاعدة”، وذكر أسماء الأمير (الملك) سلمان بن عبد العزيز، تركي الفيصل، بندر بن سلطان، والوليد بن طلال، وردت السعودية على اتهاماته هذه بأنها صادرة من شخص مختل.

 

ما يجري حقيقة هو عملية “ابتزاز″ أمريكية محكمة للمملكة العربية السعودية وأسرتها الحاكمة، لمصادرة القسم الأكبر من احتياطاتها المالية الضخمة التي تصل حاليا إلى ما يقرب من 587 مليار دولار، بما في ذلك 116 مليار دولار قيمة سندات الخزانة الأمريكية، مما سيؤدي حتما إلى إفلاسها، وربما إطاحة نظام الحكم فيها.

 

الدور السعودي في اتفاق تبادل المصالح مع أمريكا (الحماية مقابل النفط)، في منطقة الشرق الأوسط، وصل إلى نهاية عمره الافتراضي، ولم تعد المؤسسة الأمريكية بحاجة إليه بعد توقيعها الاتفاق النووي مع إيران، وانتهاء حاجتها إلى نفط الشرق الأوسط، وتوجيهها نحو جنوب شرق آسيا، والمشكلة أن صاحب القرار السعودي فوجيء بهذا التحول الأمريكي، مما يعكس افتقاره لبنوك المعلومات والخبرات والعقول المؤهلة لرصد هذا التحول مبكرا، ووضع البدائل، أو ربما لعدم استعانته بها، لأننا نعرف أنها موجودة داخل السعودية وخارجها، فهناك خبرات سعودية تحاضر حاليا في أكبر الجامعات الأوروبية والأمريكية ولكن..

 

الخطأ الآخر الذي وقع فيه بعض “المستشارين” في الحكومة السعودية هو اللجوء للتقارب مع دولة الاحتلال الإسرائيلي ولوبياتها لإحباط هذا التحول في المواقف الأمريكية، ومنع صدور القانون المذكور، والتمهيد لاستبدال الحليف الإسرائيلي بالأمريكي، ولا يعرف هؤلاء أن هذا القانون تقف خلفه “المؤسسة” الأمريكية الحاكمة وليس الإدارة، وقرارات “المؤسسة” لا يجهضها “لوبي” في أمريكا، سواء كان لوبي السلاح، أو النفط، أو “المتقاعدين”، وهي اللوبيات الثلاثة الأكثر قوة بمراحل من اللوبي اليهودي الرابع.

 

المؤلم أن هذا الابتزاز الأمريكي يأتي في وقت تجد فيه السعودية نفسها متورطة في حربين في اليمن وسورية، وثالثه بالنيابة مع إيران، وربع العالم الإسلامي تقريبا ينتمون إلى الطائفة الشيعية المتعاطفين مع الأخيرة، جزئيا أو كليا، مضافا إلى ذلك أن نسبة كبيرة من الشعوب العربية والإسلامية (السنية) غير مؤيدة للكثير من جوانب سياساتها، وحروبها هذه، مما يعكس قصورا في الاستراتيجيات، وانحرافا عن النهج الذي اتبعته المملكة حتى إلى ما قبل عشرين عاما، حيث كانت عنوانا للتضامن في العالمين العربي والإسلامي، وواسطة خير لحلول المشاكل والنزاعات.

 

المواجهة بين الأسرة الحاكمة في السعودية وأمريكا قادمة لا محالة، وقد تكون بدأت فعلا، ومحاولات “الترقيع″ التي يقوم بها البعض، مثل التنصل من تهديدات الجبير بسحب الاستثمارات لا تفيد أبدا، وحتى لو دفعت السعودية التعويضات المالية التي تريدها أمريكا، فان هذا النهج لن يحل المشكلة، وربما يفيد في هذه العجالة بأن نذّكر بتجربة الزعيم الليبي معمر القذافي الذي اعتقد أنه بدفع ثلاثة مليارات دولار لأهالي ضحايا لوكوربي يمكن أن يشتري سلامته وبقاء نظامه، فبعد أن دفع المبلغ، ودمر أسلحته الكيماوية، وفكك برنامجه النووي، وسلم قوائم الإرهابيين، وجد نفسه مسحولا في شوارع مدينته سرت، ومعتدى عليه جنسيا، بطريقة مقززة وهمجية، يعف اللسان والخلق عن وصفها.

***

لا نعتقد أن “عقيدة سلمان” التي شاهدنا إرهاصاتها في اليمن وسورية ستتبع النهج نفسه، والاندفاعه نفسها، في مواجهة أمريكا، وتكوين تحالف عربي لمواجهتها قضائيا وعسكريا، على جرائمها في العراق وليبيا وفلسطين، لسبب بسيط، لأنها متورطة معها في جميع هذه الحروب للأسف، ولكن إذا قررت، أي السعودية، المواجهة فعلا، والاعتذار عن أخطائها وتواطؤاتها مع المخططات الأمريكية العدوانية، بشكل مباشر أو غير مباشر، والبدء في صفحة جديدة، ستجدنا والملايين مثلنا في خندقها، فعندما يكون الخيار بينها وبين أمريكا، فلن تكون أمريكا هي خيارنا.

 

خطوة البداية في وقف الحرب في اليمن والأخرى في سورية تقليصا للخسائر، الانخراط في حوار مع إيران للتوصل إلى تفاهمات حول القضايا الخلافية، والبدء في الاستعداد للحرب الأكبر مع الولايات المتحدة، وحليفتها الموثوقة إسرائيل، أما اللجوء إلى الشتائم والمسبات من قبل جيوشها الالكترونية الجبارة على أمريكا، أو من تعتقد أنها خصوم السعودية، فلن يكون لها أي مردود ايجابي بل سلبي جدا، على طريقة اشبعناهم شتما وفازوا بالإبل.

 

هل تفعلها السعودية، وتكفر بذلك عن جميع ذنوبها، وتقود العرب ضد أمريكا وطغيانها، وتنتصر للقضايا العربية والإسلامية، نأمل ذلك، وأن كان لدينا الكثير من الشكوك.

 

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2016/05/19

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد