التقارير

تقرير خاص: ’عدالة’ #المملكة.. الإعدام لنشطاء الرأي وتصفية حسابات سياسية

 

في مدينة حيفا الفلسطينية المحتلة حكمت محكمة إسرائيلية بـ"السجن" 25 عاما على مواطن فلسطيني من مدينة أم الفحم بعد الزعم أنه قام "بتنفيذ عملية دهس وطعن أربعة إسرائيليين.."، في قرار يدلل بما لا يدع مجالا للشك على خلفياته العنصرية بحق الفلسطينيين من قبل العدو المحتل للأرض، ورغم ذلك لم تصل العقوبة إلى الإعدام.

وبالمقارنة مع هذا القرار الإسرائيلي المسمى "حكما قضائيا"، وبالانتقال إلى المملكة السعودية أصدرت "المحكمة الجزائية المتخصصة" بالرياض حكما يقضي بإعدام 14 شخصا من منطقة القطيف(شرق) على إثر مشاركتهم في مظاهرات في العام 2011 التي نادت بإصلاحات في المملكة، كما تم الحكم على 9 أشخاص بالسجن لمدة تتراوح بين 3 و15 سنة.

 

الإعدام لمن يطالب بالإصلاح؟

ففي كيان العدو الإسرائيلي يحكم بالسجن لسنوات على الفلسطيني الذي يقوم بقتل أو محاولة قتل مستوطنين صهاينة، بينما في المملكة السعودية يحكم بالاعدام من يطالب بالإصلاح!! أليس في الأمر مفارقة كبيرة؟ وهل من يطالب بالإصلاح والتغيير وبإجراء تعديلات معينة في سياسات يراها غير مناسبة لموطنه يجازى بعقوبة تودي بحياته؟ وهل هذه السياسات "مقدسة" لدرجة توصل من يعترض عليها إلى حبل المشنق أو إلى "مقصلة" السيوف المشحوذة؟ فأين حقوق الإنسان وأين حرية التعبير عن الرأي؟ وأين "الشريعة الإسلامية" السمحة والمتسامحة التي يفترض أنها تطبق في المملكة؟

وهذه الأحكام ليست الوحيدة التي صدرت في المملكة وتحتوي هذا الكم الهائل من القسوة والظلم والتطرف في الرد على نشطاء الرأي وكل من يعبر عن رأيه بالنظام أو السياسات المطبقة، فقد سبق هذه الأحكام إصدار أحكاما بالقتل والإعدام منها ما نفذ بحق الشهيد الشيخ نمر باقر النمر و3 فتية آخرين معه بالإضافة إلى أن "القضاء السعودي" صادق على تنفيذ ٥ حالات إعدام، وقد ينفذ الحكم فيهم بأي وقت.

وتثير الأحكام الجديدة التي صدرت وتلك التي نُفذت مسألة في غاية الدقة ألا وهي إصدار أحكاما بإعدام القصّر ممن شاركوا في تظاهرات العام 2011، فقد سبق أن نفذ حكم بالإعدام بحق الشهيد علي الربح واليوم عاد القضاء السعودي إلى تقرير إعدام فتية لم يبلغوا سن الرشد أثناء قيامهم بالأفعال الاحتجاجات في العام 2011، في وقت ينتظر فيه ثلاثة شبان آخرين تنفيذ حكم بالإعدام وهم: علي النمر, عبد الله الزاهر وداوود المرهون الذين اعتقلوا وهم تحت السن القانوني، ما يعني أن هذه الأحكام توجد فيها أكثر من ثغرة قانونية وحقوقية تؤكد بطلانها وعدم عدالتها وتوجب إلغاءها لأنها تخالف كل المعايير القانونية سواء لجهة أنها تتعلق بمعارضين أبدوا رأيهم أو لجهة تقرير عقوبة في غاية القسوة بحق أطفال صغار لم يدركوا أصلا المعنى الحقيقي لأفعالهم فكيف يحكم عليهم بالإعدام؟ ما يؤكد وجود انتهاكات صارخة في المملكة لكل القوانين والأعراف والاتفاقيات التي ترعى حقوق بني البشر.

 

القضاء في المملكة.. والكيل بمكيالين!!

واللافت أن القضاء السعودي يكيل بمكيالين في أحكامه، فمن الأحكام الجنائية التي صدرت من هذا القضاء، هو ما أصدرته المحكمة الجزائية في الرياض، ممثلة في "دوائر الحدود والقصاص" بسجن لمواطن سعودي لـ8 سنوات لضربه ابنته ضربا مبرحا بقصد تأديبها مما أدى إلى مقتلها، بالإضافة إلى أن القضاء السعودي ساوى في أكثر من مناسبة بين الأحكام الصادرة بحق نشطاء سلميين طالبوا بالإصلاحات مع عناصر إرهابية روعت وقتلة السعوديين، وهذا ما حصل عندما صدرت الإحكام بحق الشهيد الشيخ نمر باقر النمر، كما أنه أحيانا يحكم على عناصر إرهابية بالحبس لبضعة سنوات فقط!! فهل يعقل هذا التفاوت في الأحكام من جهة بين من لديه النزعة الجرمية أو الفكر الإرهابي الظلامي وبين من لديه النزعة الإصلاحية في المملكة، وهل يعقل تشديد العقوبة إلى هذه الدرجة على من يعمل لخدمة وإصلاح بلده بينما تخفف بحق المجرمين الذي يحتاجون أكثر من غيرهم إلى التأديب والإصلاح والزجر؟

هذه الأحكام الصادرة تتعرض بسببها السلطات في المملكة إلى أقسى الانتقادات من قبل منظمات حقوقية وإنسانية دولية وإقليمية، من دون أن نسمع الصدى المناسب لها لتخفيف الأحكام أو مراجعتها إحقاقا للحق وتأمينا لحسن سير العدالة،حتى مع وجود مناشدات ومطالبات محلية سعودية بذلك لا سيما من قبل الأهالي والرأي العام السعودي، إلا أن التجربة تظهر مدى تشبث السلطات بقراراتها بل وإيغالها في إصدار المزيد من الأحكام بحق كل من يعبر عن رأيه، وذلك بهدف إيصال رسائل لكل من يعنيهم الأمر ممن تسول لهم أنفسهم المطالبة أو السعي للإصلاح بأن القتل جاهز وحاضر في كل الأوقات لمنع أي صوت يعكر صفو سلطة الحاكم المطلقة.

 

التهم جاهزة... لإسكات الانتقادات؟؟

وبالطبع أن مثل هذه الأحكام لن تحتاج إلى جهد كبير من قبل من يصوغها لتلفيق التهم جزافا على من تقرر إعدامه سلفا، لأن أساس الحكم مبني على توجه سياسي لا قانوني أو قضائي وبالتالي فالحكم مرسوم وجاهز، أي أن خلاصة الحكم تكتب ربما قبل حيثياته ولذلك لن تختلف المسألة كثيرا في تفاصيل القضايا باعتبار أن كل من يخالف إرادة الحاكم ويطالب بالإصلاح سيعدم في أغلب الأحيان وبعد ذلك سيُبحث له عن أفعال جرمية تلصق به للقول للرأي العام الدولي والمحلي إن فلانا ارتكب من الكبائر ما يبرر قتله، إلا أن كل هذه السيناريوهات لن تنطلي على أحد ولا تمر بهذه البساطة، فهذه "منظمة العفو الدولية" سبق أن حذرت "من ارتفاع كبير لعمليات الإعدام في السعودية ... وهذا التوجه المرعب لا يظهر أي مؤشر تباطؤ"، هذا وكان مدير المنظمة الدولية في الشرق الأوسط فيليب لوثر سبق أن قال عند إعدام الشيخ النمر إن "المملكة السعودية تصفي حسابات سياسية"، وأكد أنها "محاولة لإسكات الانتقادات ضد النظام وأن المحاكمة كانت غير عادلة بوضوح".

بدوره، أشار "المجلس الدولي للمحاكمات العادلة" إلى أن "السلطات السعودية تواصل سياسة العقاب الجماعي ضد الناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان والحريات العامة عبر إصدار أحكام الإعدام بناء على محاكمات تفتقر إلى الحد الأدنى من شروط المحاكمة العادلة"، ودعا "السلطات السعودية بالتعامل مع الناشطين السلميين والمدافعين عن حقوق الإنسان وفق مبادئ الميثاق العالمي لحقوق الإنسان والعهديين الدوليين"، ولفت إلى "رفض تزوير الحقائق في سياق شيطنة الناشطين وإضفاء طابع جنائي على حراكهم السلمي الحقوقي المشروع".

وفي ظل كل هذا الانفلات والتفلت الذي تمارسه السلطات السعودية في مجالات حقوق الإنسان والحريات لا بدَّ من المؤسسات الدولية والسياسية لا سيما الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية الدولية وكذلك مؤسسات المجتمع المدني في كل أرجاء العالم، بالإضافة إلى الدولة الداعمة والمتحالفة مع السلطات السعودية، للتحرك لوقف هذا النزف في كرامة الإنسانية والضمير العالمي، كما يجب على كل الأحرار في المملكة السعودية سواء كانوا من أصحاب القرار أو نشطاء المجتمع المدني أو حتى من عامة الشعب من نشطاء أو رواد مواقع التواصل الاجتماعي إعلاء الصوت وعدم الرضوخ للتهويل بالثبور وعظائم الأمور من قبل السلطات بل التأكيد لها أن بناء الثقة بين الحاكم والمواطن هو أساس حماية الوطن والسلطة والحاكم نفسه من أي عواصف أو أزمات...

أضيف بتاريخ :2016/06/03

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد