آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

بعد إجراءات التقشف.. السعودية تدرس فرض ضريبة دخل على المغتربين العرب والأجانب

 

عبد الباري عطوان ..

تدرس الحكومة السعودية فرض ضريبة دخل على ما يقرب من العشرة ملايين أجنبي يعملون على أرضها، ويمثلون ثلث السكان تقريبا في محاولة منها لتعويض انخفاض عوائد النفط، وكشفت خطة “التحول الوطني” التي اعتمدتها الحكومة رسميا يوم الاثنين الماضي أنه تم تخصيص 150 مليون ريال (40 مليون دولار) لأعداد خطة لفرض هذه الضرائب.

 

السيد إبراهيم العساف، وزير المالية السعودية، أكد في مؤتمر صحافي عقده الثلاثاء الماضي أن الأمر لا يزيد عن كونه “مجرد اقتراح”، ولم يتم اتخاذ أي قرار بعد في محاولة من جانبه لتبديد حالة القلق التي سادت أوساط المغتربين عربا كانوا أو غربيين، والشركات التي يعملون فيها لأن هذه الشركات ستكون ملزمة بطريقة أو بأخرى لتعويض أي مستقطعات ضريبية من رواتب موظفيها في نهاية المطاف للحفاظ على بقائهم.

 

حالة التذمر في أوساط المواطنين السعوديين، والمغتربين معا، من جراء رفع الدعم عن خدمات وسلع أساسية، مثل الماء، والكهرباء، والمحروقات، وفرض ضرائب قريبا على المشروبات الغازية والسجائر في تصاعد، ومن المؤكد أنها ستصل إلى ذروتها في أوساط المغتربين الأجانب إذا ما جرى اعتماد المقترحات موضع دراسة بفرض ضريبة الدخل، وهذا هو المرجح.

***

خطة التحول المعلن عنها تقول أرقامها بأن الحكومة ستوفر ما مقداره 200 مليار ريال (55 مليار دولار) من جراء الخفض التدريجي للدعم على المياه، ونفس المبلغ تقريبا من رفع الدعم عن المحروقات في حدود عام 2020.

 

الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد السعودي، الذي يرأس المجلس الاقتصادي الأعلى، ويقف خلف خطة التحول هذه، ومشروع “رؤية 2030″ يريد إنهاء “الإدمان” السعودي على النفط، وإنهاء الاعتماد عليه كمصدر دخل بنهاية عام 2020، وهو طموح يعتقد معظم الخبراء، أن لم يكن كلهم، بأنه غير ممكن على الإطلاق، ثم ما هو المانع من الاعتماد على النفط، وهل هذا الاعتماد أثم وضد الشرع مثلا؟ المسألة ليست في الاعتماد على النفط، وإنما سوء استخدام عائداته.

 

فرض ضريبة دخل على العاملين الأجانب في المملكة واستثناء نظرائهم السعوديين سيؤدي إلى اتهام المملكة بالعنصرية والتمييز، وسيفسر على أنه محاولة للتخلص من هؤلاء، أو تقليص أعدادهم بشكل متسارع، بما يؤدي إلى فتح أسواق العمل أمام العمالة السعودية المحلية، حيث تصل نسبة البطالة إلى أكثر من ثلاثين في المئة، أن لم يكن أكثر، إذا وضعنا في الاعتبار حجم البطالة في أوساط النساء المحرومات من العمل في قطاعات عديدة في المملكة بمراسيم رسمية.

 

المغتربون في المملكة يفضلون العمل فيها من أجل الادخار، وتحويل نسبة كبيرة من مدخراتهم إلى بلدانهم، لأنهم محرومون من أي حقوق تتعلق بالإقامة والتوطين والتجنيس، مثل حال العديد من أقرانهم في دول أوروبية وأخرى عربية، وهناك أرقام رسمية تقول إن حجم تحويلات الأجانب العاملين في المملكة تصل إلى حوالي 160 مليار ريال سنويا (45 مليار دولار)، حسب إحصاءات عام 2015.

 

السلطات السعودية حاولت فرض ضرائب على العمالة الأجنبية أواخر الثمانينات من القرن الماضي، بسبب انهيار اسعار النفط، ووصول سعر البرميل إلى أقل من عشرة دولارات، ولكن هذه الخطوة أثارت اضطرابات واضرابات عمالية دفعتها للتخلي عن الفكرة من أساسها.

 

لا نجادل في حق القيادة السعودية في فرض ضريبة دخل على العاملين الأجانب في المملكة، شريطة أن تكون هذه الضرائب في إطار حزمة متكاملة من الإجراءات والامتيازات السياسية والاجتماعية، مثل حصول هؤلاء على المقابل المتمثل في الحصول على إقامات دائمة، والجنسية السعودية بعد سنوات محددة، وكذلك الحق الكامل في الخدمات الطبية والتعليمية على قدم المساواة مع نظرائهم السعوديين، أما أن يتم تحميل هؤلاء مسؤولية سد العجز في الميزانية السعودية الذي يصل إلى مئة مليار دولار حاليا، سواء بشكل جزئي أو كلي، ودون أي مقابل فهذا توجه على درجة كبيرة من الخطورة، قد يؤدي إلى تبعات يصعب التنبؤ بحدودها وأخطارها.

 

معظم الأجانب في السعودية ودول خليجية أخرى، لا يتمتعون بالخدمات الصحية والتعليمية وغيرها في الوقت الراهن، بحجة أنهم لا يدفعون ضرائب، ولذلك عليهم أن يلجأوا إلى التعليم الخاص والتأمينات الصحية لأسرهم من جيبهم الخاص، أو من علاوات على رواتبهم تصرفها شركاتهم، والشريحة الأخيرة محدودة جدا.

 

فرض ضريبة دخل على العمالة الأجنبية في المملكة لو تمت ستكون مقدمة لفرضها على المواطنين السعوديين أيضا في وقت لاحق، فمن كان يتصور أن تقدم السلطات السعودية على فرض إجراءات تقشفية على مواطنيها مثل رفع الدعم، وفرض ضرائب على الأراضي، ورفع الرسوم على العديد من الخدمات والمعاملات الحكومية الأخرى مثل استخراج جوازات السفر والإقامات وغيرها؟

***

تصعيد سياسة فرض الضرائب العلنية أو المخفية على المواطنين، وحتى على الأجانب، يعني نهاية الدولة الريعية، ويتطلب حقوقا سياسية في المقابل، من بينها الحريات بأشكالها كافة، وتوسيع دائرة المشاركة في سلطة اتخاذ القرار، وإدارة شؤون الدولة والمجتمع، وتشديد الرقابة على السلطة التنفيذية وأدائها من خلال سلطة تشريعية برلمانية منتخبة، وصحافة حرة، تنتقد وتمارس دور السلطة الرابعة، فهل وضع أصحاب خطة التحول هذه الإصلاحات والمطالب السياسية الحتمية في اعتبارهم وهم يضعون هذه الخطط والسياسات؟

 

إذا كان الهدف من فرض ضريبة الدخل على الأجانب هو دفعهم إلى العودة إلى بلدانهم، فإن الكثير منهم، سيغادرون فعلا، خاصة أصحاب الكفاءات العالية الذين ذهبوا إلى المملكة لتجنب ضريبة الدخل في بلدانهم، وارتفاع الرواتب فيها (السعودية)، بما يؤدي إلى تحسين مصادر دخلهم ومستوياتهم المعيشية في بلدانهم الأصلية لاحقا عندما يعودون إليها في نهاية المطاف، والمغادرة قد تؤدي إلى حدوث هزة اقتصادية، وإفلاس العديد من الشركات،  وتباطؤ أكبر في النمو (كشفت أرقام صندوق النقد الدولي أن نسبة النمو الاقتصادي في المملكة هذه العام لا تزيد عن 1.2 في المئة في عام 2015 وهي مرشحة للانخفاض هذا العام).

 

خطورة القرارات السعودية هذه تكمن في أن آثارها، ايجابية كانت أو سلبية، والأخيرة هي الأرجح، لن تتوقف عند حدودها، بل ستتجاوزها إلى دول الجوار الخليجي بالدرجة الأولى، والعربية بدرجة ثانية، تماما مثلما حدث في حرب اليمن وتوريطها فيها، أي دول الجوار، والتحالف العربي الذي أسسته، هو أحد الأمثلة في هذا المضمار.

 

المواطنون والمغتربون في المملكة العربية السعودية مطالبون بدفع ثمن هذه السياسات من قوت يومهم، أن عاجلا أو آجلا، وهي سياسات لم يستشاروا فيها، وحتى لو استشيروا فلن يؤخذ رأيهم بعين الاعتبار، وهنا تكمن المأساة الكبرى.

 

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2016/06/11

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد