آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
طراد بن سعيد العمري
عن الكاتب :
باحث وكاتب في العلاقات الدولية؛ الشئون الإستراتيجية؛ الدراسات العسكرية؛ المجتمع الخليجي؛ وشئون العمل والبطالة

هل تبخّر الجيش الحر؟

 

خمس سنوات تقريباً ونحن نسمع عن “الجيش الحر”، وعن “إئتلاف المعارضة السورية”، وعن “المعارضة المعتدلة”، ودعم مالي سخي وتسليح لهذه المعارضة المزعومة من عديد من الدول وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي رصدت 500 مليون دولار، لكن وبمجرد وصول طلائع الجيش الروسي وبداية الطلعات الجوية للقاذفات الروسية تبخّر “الجيش الحر”، وتلاشى إئتلاف المعارضة السورية، واختفت المعارضة “المعتدلة”، وتوقف مشروع التدريب الذي لم يبقى فيه سوى (٤) أفراد، ولم يتبقى سوى المجموعات الإرهابية. هذه المؤامرة التي فضحها التدخل الروسي أربك الساسة في الغرب، كما أربك المكينة الإعلامية الغربية، والخليجية متمثلاً في قناتي “الجزيرة” و “العربية” التي سوّقت أوهام مصنوعة في دهاليز “لانقلي” مقر الإستخبارات الأمريكية بواشنطن.

 

تقول الأستاذة ريما رسلان، وهي مواطنة سورية تعشق بلدها، واضطرتها المجموعات الإرهابية إلى الهجرة المؤقتة، تقول في تغريدة لها: “أكبر 3 كذبات: الجيش الحر، والمعارضة المعتدلة، وبابا نويل”. تبخُر الجيش الحر، وتلاشي الإئتلاف، واختفاء المعارضة، يؤكد لنا أطروحة سبق أن جادلنا بها في العام 2011 بعنوان “الربيع العربي … سوريا غير”وهي أنه لم يكن هناك ثورة شعبية في سوريا على غرار ما حدث في دول الربيع العربي، وكل ما في الأمر هو سيناريو أمريكي بامتياز ومسرحية إستخباراتية للتخلص من الرئيس والنظام والجيش بمساعدة دول إقليمية.

 

منذ بداية العام 2011م ونحن أمام رؤيتين أو روايتين:

 

(١) الرؤية السورية التي تعترف أن هناك مظاهرات ومطالبات شعبية تم التجاوب معها، لكنها تطورت وتغيرت لغتها وأساليبها وباتت عنيفة ومسلحة مما يدل على أنها مستوردة ومدعومة من جهات خارجية وتبين لاحقاً ضلوع أمريكا وتركيا ودولة خليجية صغيرة جداً، والتي شكّلت جبهة واستوردت الإرهابيين من شتى بقاع الأرض ودعمتهم بالمال والسلاح وسهلت مهمتهم ويسرت عبورهم للأراضي السورية. ولذا تعامل النظام في سوريا مع المؤامرة بالعنف المضاد والمطلوب لإبقاء تماسك وقوة الدولة.

 

 

 

(٢) الرؤية الغربية التي ترى أن ما حصل في سوريا هي ثورة شعبية في كل أنحاء القطر السوري مثل ما حصل في تونس ومصر وليبيا واليمن، ولابد أن يلقى الرئيس السوري نفس المصير الذي آلِ إليه كل من: زين العابدين بن علي؛ وحسني مبارك؛ ومعمر القذافي؛ وعلي عبدالله صالح. ولكي تكتمل المسرحية ظهر ما يسمى “الـجيش الحر” بحجة انشقاقه عن الجيش العربي السوري، وتم تشكيل إئتلاف المعارضة السورية، ولذا فإن دعم طموحات الشعب السوري هو عمل أخلاقي وقانوني وسيسقط الرئيس والنظام خلال أسابيع قليلة. وبناء عليه اجتهدت الجبهة الأمريكية في طرد سوريا، الدولة المؤسسة، من جامعة الدول العربية، وإعطاء الإئتلاف السوري مقعد “الدولة السورية” في مؤتمر الدوحة، وتم عقد جنيڤ 1 وجنيڤ 2، وانسكبت دموع التماسيح على الشعب السوري.

 

 

لكن … مع مرور الأيام والأشهر والسنوات ظهر جلياً مصداقية الرؤية السورية بعد أن (١) أثبت الرئيس بشار الأسد، والنظام السوري، والجيش العربي السوري، والشعب بأكمله قدراً كبيراً من الوحدة والتماسك وإدارة شئون البلاد؛ (٢) فشل الغرب في تلفيق جبهة موحدة للمعارضة بالرغم من الجهود الحثيثة لتجميعهم من كل فنادق العالم؛ (٣) فشل أضحوكة “الجيش الحر” الذي اختصم قادته عبر وسائل الإعلام العتيد والجديد؛ (٤) فشل كافة الجهود في إيجاد وتنظيم “معارضة معتدلة” ليتم تدريبها وتسليحها حتى أن شرائح منها استسلمت وسلمت كافة أسلحتها للمجموعات الإرهابية؛ (٥) تعاظم شر المنظمات الإرهابية المستوردة وخصوصاً “داعش” ليلحق أذاها الدول الإقليمية والأوروبية؛ (٦) ازدياد التهديد المباشر للاجئين إلى دول الإتحاد الأوروبي مع افتضاح الشفقة والعطف على الشعب السوري من معظم العرب؛ (٧) فشل إستراتيجية أوباما الداعية إلى تأليف حلف لمحاربة الإرهاب في سوريا والعراق، والتي سبق أن تنبئنا بفشلها وحذّرنا منها في مقال نشرته صحيفة الحياة بعنوان “أحذروا إستراتيجية أوباما”،( الحياة، 22 أيلول 2014م

 

الحقيقة المرة التي كشفها النظام السوري بإدارته للأزمة وتنسيقه تحالف قوي من: روسيا، وإيران، وحزب الله، أنه لا يوجد في سوريا سوى تنظيمات إرهابية مسلحة بأسماء متعددة، تارة باسم القاعدة أو جبهة النصرة أو الاسم المعدل “جيش الفتح” أو تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” الذي يمثل تمدده في العراق وليبيا وسيناء مصر واليمن قلقا مريعاً لدول المنطقة.

 

أكثر من عام والولايات المتحدة تقود تحالفاً ورقيّا هشاً بحجة محاربة الإرهاب، لكن الإرهاب والإرهابيين يزدادون وداعش تسير قوافلها أمام أعين الرادارات الأمريكية والتحالف الهش يقوم بضربات إختيارية لذر الرماد في العيون. كانت روسيا على علم بالسيناريو الإستخباراتي الأمريكي، وكان الرئيس السوري يدرك خطوات اللعبة الأمريكية والغربية، وكانت إيران تعلم ما ستئول إليه الأحوال، وكان حزب الله مستميتاً في محاربة الخلايا الإرهابية، ولذا جاء التدخل العسكري الروسي حاسماً وحازماً وقاصماً.

 

ما يدعو للحيرة والريبة هو أن بعض الساسة العرب وخطابهم السياسي لازال يمنح شيء من الثقة والمصداقية للسياسة الخارجية الأمريكية والغربية التي كذبت في أفغانستان والعراق واليمن وليبيا. العالم أجمع شاهد وزير الخارجية الأسبق كولن باول، ذلك الجنرال الأسمر الرزين يكذب جهاراً نهاراً، وعياناً بياناً في مجلس الأمن وهو يشرح عن أسلحة الدمار الشامل في العراق، مما سوغ لأمريكا احتلال العراق لأكثر من عشر سنوات وقتل أكثر من مليون عراقي، ثم ماذا؟ تم احتلال العراق ولم نشهد أي أثر لتلك الأسلحة. وها نحن اليوم نستمع ونشاهد الإدارة الأمريكية ومعها عدد من الدول الغربية تُمارس ذات الأسلوب في كذب ممنهج حول سوريا وسيناريو لا يختلف عن السيناريو العراقي.

 

التناقض المشهود في تصريحات قادة الدول الغربية حول الرئيس السوري وهل هو جزء من المشكلة أو الحل، والارتباك الذي خيّم على صانعي القرار في تركيا والأطلسي والولايات المتحدة، جاء نتيجة الفضيحة الكبرى التي تكشفت بعيد التدخل الروسي الحازم والسريع والمفاجئ في سوريا. إذ اتضح بأن ماحدث في سوريا هو مؤامرة أمريكية سوقت لها بعض الدول الإقليمية. فالصراخ الذي يتعالى من حنجرة أردوغان حول اختراق المقاتلات الروسية لمجال تركيا الجوي ومحاولة استدعاء حلف شمال الأطلسي العجوز ليس إلا محاولة يائسة وبائسة من الرئيس التركي المتهاوي داخلياً وخارجياً.

 

أخيراً، سينجح التدخل الروسي في ضرب الإرهابيين بأسرع وقت وأنجع وسيلة، من أجل تنظيف وتهيئة المسرح لحل سياسي شامل يحافظ على الدولة السورية: الرئيس والنظام والجيش والمؤسسات والشعب والأرض. النجاح الروسي في سوريا في المدة المعلنة (١٠٠) يوم، مرهون بأمرين: (١) عدم قيام الولايات المتحدة بصنع عقبات جديدة للإبقاء على المجموعات الإرهابية في سوريا أو تقديم أسلحة متطورة لأولئك الإرهابيين؛ (٢) عدم تمدد الوجود الروسي ليشمل محاربة الإرهاب في العراق وأفغانستان بعد أن أبدت الحكومة العراقية رغبتها في ذلك، ومناشدة رشيد دستم، نائب الأول الرئيس الأفغاني موسكو دعم كابول في محاربة الإرهاب.

 

ختاماً على الدول الإقليمية وخصوصاً الخليجية استغلال الوجود الروسي ودعمه والاستفادة من خبرته، إذا كانت جادة في التخلص من الإرهاب والإرهابيين، أما الإعلام الخليجي فعليه أن يبحث عن قصص مبتكرة لإيقاف تناقص مصداقيته فالرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل.

 

 

 

طراد بن سعيد العمري

صحيفة أنحاء.

أضيف بتاريخ :2015/10/12

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد