آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
نبيل نايلي
عن الكاتب :
باحث في الفكر الإستراتيجي الأمريكي، جامعة باريس.

السعودية: تغيير الصورة أم تغيير السياسات؟

 

نبيل نايلي ..

“طالبنا السعوديون بالقيام بحملة تُظهر مدى التزام المملكة في الحرب على الإرهاب..هم يودّون أن تُفهم سياساتهم أكثر -من قبل الفرنسيين- ويؤكدون على أن لبلدانهم ثقافات مختلفة يجب احترامها.” آن مييو، Méaux، مؤسسة Image 7.

 

أفاد تقرير لجريدة تشالانج الفرنسية، Challenges، أنّ المملكة السعودية توظّف 4 وكالات في التواصل والمتخصّصة في العلاقات العامة منها: بيبليسيس، Publicis، وإيماج 7 ، Image 7، واديل كونسالتنغ، Edile Consulting، وأخرى لم يُكشف عن اسمها، وذلك لتلميع صورتها أمام الرأي العام الفرنسي، ما دامت “تراهن كثيرا على فرنسا لدعمها في بعض القرارات الدولية بعدما تخلّت عنها لندن وواشنطن”!

 

صورة يقدّم فيها الخطاب الإعلامي الفرنسي -خاصة بعض الاعتداءات الدامية التي شهدتها باريس- المملكة على أنها “مرادف للتطرّف الوهابي وداعمة للحركات المتطرّفة في العالم العربي والغرب، و منفّذة لعمليات الإعدام ضد المعارضين السياسيين بالإضافة إلى قضايا سلبية أخرى.

 

جريدة تشالانج تنقل عن بعض مسؤولي الوكالات المذكورة أن المملكة تسعى:

–       لتقديم نفسها للفرنسيين على أنها “تشارك في محاربة الإرهابيين في سوريا وخاصة تنظيم داعش،

–      وأنها ليست راعية أو مُموّلة للإرهاب،

–      وتودّ أن يتفهم الفرنسيون”سياستها” في الشرق الأوسط،

سهام سويد، رئيسة Edile Consulting، إحدى الشركات التي تتولى تلميع صورة المملكة، تُبرّر ذلك بقولها إن السعوديين “يعانون من عدم تفهّم الفرنسيين لسياساتهم..هناك الكثير من الأحكام المسبقة غير المبرّرة التي تتناقلها وسائل الإعلام وهم يودون تغيير هذه الصورة السلبية.” كيف؟ باللجوء إلى هكذا شركات تنظم ندوة هنا أو معرضا هناك أو رحلة مدفوعة الأجر أو صورة في مجلة أو  أو مجرّد مقال يتيم في إحدى الزوايا!!!

 

إذا كان مبرّر تكليف 4 وكالات فرنسية، كما تنقل الجريدة هو فقط لأنّ فرنسا “هي الدولة الغربية التي تستمرّ في دعم الرياض بدون اعتراض عكس الولايات المتحدة وبريطانيا”! فما لزوم وما جدوى تبذير هذه الأموال الطائلة إذا كانت لغة الصفقات مع المؤسسة الرسمية هي التي تضبط في النهاية شكل وحدود العلاقة؟ ألم يتّعض “صنّاع″ القرار في المملكة بتجاربهم المريرة مع الولايات المتحدة وشركات العلاقات العامة التي كلّفت المملكة أرقاما فلكية ولم تصنع لا علاقات متينة ولا لوبي له نفس سطوة الصهيوني؟

 

دعكم من المرشح الجمهوري دونالد ترامب، Donald Trump، وتصريحاته، فربما حاجج  بعضعهم بأن خطابه لا يعتدّ به، لأنه ينضح  عنصرية وكراهية، فماذا عن هذه التي يموّلون حملتها الإنتخابية هيلاري كلينتون، Hillary Clinton، المرشحة الديمقراطية تندّد في خطابها، في كليفلاند بولاية اوهايو، -عشية اعتداء اورلاندو- “بدور المملكة السعودية وقطر والكويت في التمويل العالمي لأيديولوجية التطرّف”،  مؤشرة بأصابع اتهامها ودون مواربة إلى هذه الدول قائلة: “حان الوقت ليمنع السعوديون والقطريون والكويتيون وآخرون مواطنيهم من تمويل منظمات متطرّفة. يجب أن يكفّوا عن دعم مدارس ومساجد مُتطرّفة دفعت بعدد كبير من الشبان على طريق التطرّف في العالم”. (طبعا يقال هذا إذا كان الضحايا أمريكيين أما إخوتنا السوريين والعراقيين واليمنيين فلا بواكي لهم!) أيهما أشد وقعا ونفاذا أقوال مرشّح رئاسي أم أنشطة تنظمها شركات العلاقات العامة لتلميع الصورة ولا تفعل غير الابتزاز الرخيص؟

 

ألا يزال يعتقد “الساسة” بخليجنا العربي أنّ دولا تحكمها مؤسسات ونظم “ديمقراطية” يمكن أن “تُهندَسَ” وتُشكَّلَ مواقفها حملات علاقات عامة بمعزل عن استراتيجياتها الكبرى ومصالحا الحيوية، وإن لزم الأمر داست على قيمها ومُثلها؟

 

أي وهم هذا الذي يتملّك صنّاع القرار، هل يتصورون مثلا أن شعوب هذه الأمم مجرّد دمى أو القطيع تُخدّره وكالة اتصال وتشكّل وعيه؟

 

أليس الأجدر مراجعة  السياسات، كل السياسات، التي تُثبت صباح مساء حجم ومدى فشلها وطنيا وإقليميا ودوليا؟ ألا يزال يُضرب ل”دولنا” و”ممالكنا” حسابا في المعادلات بين الأمم؟

 

قد تجد المملكة “أشباه” المفكرين من “المرتزقة” الذين يبيعون المواقف لمن يدفع أكثر، كما يمكن أن تعثر على ساسة يتملّقونها من طينة عضوة مجلس الشيوخ، نتالي غولي، Nathalie GOULET، رئيسة مجموعة الصداقة الفرنسية – الخليج العربي، Groupe d’amitié France-Pays du Golfe، التي تقول “توجد في فرنسا أحكام مُسبقة عن السعودية، لكنها صورة خاطئة، فهذا البلد يتقدم بفضل قيادة جديدة”!! ولكنّها أبدا لن تحجب حقيقة الواقع وتشوّهات حقبة نفطية تعود عليها وعلى سائر الأمة بالوبال .

 

تقرير منظمة “أي ايتش آس جينز، “IHS Jane’s  الذي كشف أن مقتنيات السعودية من الأسلحة والعتاد ارتفعت في 2015 بنسبة 50% لتصل إلى 9.3 مليار دولار! لتتربّع بذلك على العرش العالمي كأكبر مشتر للأسلحة، وأن واردات السعودية منها دفعت مبيعات الأسلحة العالمية للارتفاع بنسبة 10% خلال العام الماضي!! ولم يشفع للسعودية الحريف الأول لمصنّعي الأسلحة الأمريكيين أن يوافق مجلس الشيوخ الأمريكي على قانون “يسمح لذوي ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر من مقاضاة حكومات أجنبية مثل المملكة” مع ما يعنيه ذلك من ابتزاز!

 

أبجديات العلاقات والسياسات الدولية تنص على أن العلاقات بين الأمم لا تؤسسها لها شركات العلاقات العامة ولا تختزلها مجرّد معاملات تجارية ولا ما يُصطلح عليه ب”دبلوماسية الشيكات” والصفقات التي تنتهي بك إلى مجرّد سوق استهلاكي.. لا أنت الحريف ولا أنت الحليف! مجرّد لاهث وراء سمعة مفبركة تستجديها من شركات العلاقات العامة تبتزّك ولا تصنع لك مجدا!!

 

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2016/06/15

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد