آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

ما خطورة رسالة “المنشقين” في الخارجية الأمريكية التي تطالب بقصف سورية وجيشها؟

 

عبد الباري عطوان ..

فجأة، ودون أي مقدمات، تحتل الرسالة التي أصدرها 50 موظفا ودبلوماسيا في الخارجية الأمريكية قبل أيام، وطالبوا فيها حكومة بلادهم بتوجيه ضربات عسكرية إلى النظام السوري وجيشه ومقراته، سواء بغارات جوية، أو صواريخ بعيدة المدى (كروز)، أو بطائرات بدون طيار “درونز″، في إطار توجيه انتقادات قاسية إلى السياسة الأمريكية في سورية.

 

وزارة الخارجية الأمريكية اعترفت بوجود هذه الرسالة، وقال جون كيربي المتحدث باسمها أنها تحت الدراسة، ولكن اللافت أن بعض الصحف التي نشرت عناوينها الرئيسية، مثل “وول ستريت جورنال” و”نيويورك تايمز″، لم تذكر أي من اسماء الموقعين (المنشقين) عليها، حتى يعرف المراقب أو المحلل، مدى ثقلهم السياسي وحجم تأثيرهم، الأمر الذي يجعلنا نشكك في مدى جديتها، وأن كنا لا نشكك في الأهداف التي ترمي هذه التسريبات تحقيقها.

 

للوهلة الأولى يمكن الخروج بانطباع أولي بأن هذه الرسالة موجهة بالدرجة الأولى ليس لإدارة الرئيس أوباما، وإنما إلى القيادة الروسية، تقول ما بين سطورها أن الكيل الأمريكي قد طفح من الدعم الروسي للرئيس بشار الأسد وحكومته والانتصارات التي تحققها المؤسسة العسكرية الروسية في ميادين القتال على حساب أمريكا وحلفائها في سورية، وانهيار التفاهمات الأمريكية الروسية حول سبل الحل بفعل جمود العملية السياسية التي انبثقت عن مجموعة دعم سورية في فيينا، وشكلت مفاوضات جنيف احد ابرز تطبيقاتها العملية.

***

 

جون كيري وزير الخارجية الأمريكي أبدى ضيقا من جراء الجمود، والهيمنة الروسية شبه الكاملة على المشهد السوري بعد التدخل العسكري، ولمحّ قبل شهر تقريبا، إلى أن الولايات المتحدة تملك “الخطة B” وقال إنها موضوعة على الطاولة في حال توقفت العملية السياسية.

 

لا نستبعد أن تكون هذه الرسالة صدرت بإيعاز الوزير كيري نفسه، أو من قبل بعض المقربين منه، وليس من قبل عناصر “منشقة” في وزارة الخارجية الأمريكية، وهناك سوابق عديدة مماثلة في الأعراف السياسية والدبلوماسية، الأمريكية، أو غير الأمريكية، وهذا لا يعني التقليل من شأنها، أو التهديدات الخطيرة التي توجهها ليس إلى النظام السوري فحسب، وإنما إلى حلفائه الروس والإيرانيين أيضا.

 

فأن تطالب الرسالة بقصف صاروخي، وغارات جوية فهذا إعلان حرب، وتبن كامل للخيار العسكري، والحديث عن استخدام طائرات بدون طيار في سورية ضد النظام يذكرنا بما فعلته، وتفعله، هذه الطائرات في اليمن وأفغانستان وسورية والعراق على وجه التحديد، من عمليات اغتيال لقيادات “القاعدة” وحركة طالبان و”الدولة الإسلامية”، فهل هناك خطة أمريكية لتنفيذ عمليات اغتيال مماثلة لرموز النظام السوري وقياداته السياسية والأمنية مثلا؟

 

التنديد الروسي السريع والقوي بهذه الرسالة ومضمونها وتوقيتها، يكشف فهم القيادة الروسية لمضومنها ومراميها، علاوة على خطورتها، وقد جاء التنديد على أعلى المستويات في القيادة الروسية.

 

الرد الأول جاء على لسان ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الرئيس فلاديمير بوتين الذي أكد فيه “لا يمكن لموسكو أن تتعاطف مع الدعوات لإسقاط النظام السوري من قبل دولة أخرى باستخدام القوة، لأن مثل هذه الخطوة لن تساعد في الحرب على الإرهاب، كما أنه من المشكوك فيه إسقاط النظام بالقوة، وإذا تم ذلك فأنه سيؤدي إلى الفوضى”.

 

والرد الثاني جاء على لسان ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي الذي قال في مقابلته مع محطة “روسيا اليوم” إن بلاده ترفض تقسيم سوريا أو تجزئتها مؤكدا أن على السوريين تحديد إبعاد المرحلة الانتقالية المقبلة، ومصير الرئيس الأسد، وأنه ليس هناك أي داع لاختراع أي وصفات جديدة لتسوية الأزمة السورية فهناك قرارات مجلس الأمن”.

 

الرئيس بوتين نفسه لم يكتف بهذا الرد على لسانه، وعبر عنه المتحدث باسمه وحرص في كلمته أمام منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي على الإشارة بوضوح إلى “أن تسوية الأزمة السورية تتطلب وضع دستور جديد، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية تحت إشراف الأمم المتحدة”، مضيفا “أن الرئيس الأسد وافق على ذلك”.

 

ولعل النقطة الأهم في خطاب الرئيس الروسي المتعلق بمنطقة الشرق الأوسط اتهامه للغرب، وأمريكا “بدعم الثورات الملونة، وأحداث الربيع العربي ما أدى إلى تفشي الفوضى”، في إشارة إلى سورية، وهذا الاتهام صحيح، بدليل وجود خمس دول عربية فاشلة تعمها الفوضى حاليا.

***

 

رسالة “المنشقين” في الخارجية الأمريكية، والرد الروسي القوي والرافض لها، يؤكدان بوادر أزمة في العلاقات الروسية الأمريكية حول كيفية التعاطي مع الملف السوري، وبداية تملل واشنطن من جراء الهيمنة الروسية على حساب الدور الأمريكي وحلفائه في المنطقة، ونحن نتحدث هنا عن المعارضة السورية المسلحة إلى جانب كل من تركيا والسعودية وقطر ودول أوروبية أخرى.

 

ربما يكون هذا “التململ” بداية ضغط على القيادة الروسية والنظام السوري معا باتجاه العودة إلى العملية السياسية ومائدة المفاوضات في جنيف بالتالي، ولكن من غير المستبعد أن يتطور إلى “حرب باردة”، أو “حرب بالنيابة” على الأرض السورية من أجل النفوذ، وتوسيع دائرته، خاصة في ظل عودة النفوذ الروسي القوي في المنطقة على حساب نظيره الأمريكي.

 

نحن في بداية فصل الصيف، وربما يفيد التذكير بأن معظم الحروب والانقلابات العسكرية في المنطقة العربية وقعت في أشهره الثلاثة، حزيران (يونيو)، تموز (يوليو)، وآب (أغسطس)، والقائمة طويلة لا يتسع المجال لحصرها.

 

الرسالة الأمريكية على درجة كبيرة من الأهمية والخطورة، ومن الخطأ عدم أخذها بالجدية التي تستحق، وربما تكون مقدمة لحروب، نحن العرب والمسلمين أبرز ضحاياها.

 

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2016/06/18

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد