آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

لماذا تخلت أمريكا عن رجلها “القوي” الأمير بن نايف لمصلحة “الأقوى” الأمير بن سلمان؟

 

عبد الباري عطوان ..

أثار التقرير الإخباري الذي بثته شبكة NBC الأمريكية التلفزيونية الشهيرة حول المملكة العربية السعودية ومستقبلها بمناسبة الزيارة التاريخية لواشنطن التي قام بها الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد، وزير الدفاع رئيس المجلس الاقتصادي الأعلى، الكثير من الاهتمام داخل المملكة وخارجها، لما كشفه من معلومات جديدة، مثلما أثار العديد من علامات الاستفهام حول مستقبل المملكة السياسي والاقتصادي.

 

هناك ثلاث نقاط رئيسية يمكن التوقف عندها من خلال القراءة المتأنية لهذا التقرير وتحليل مضمونه:

 

الأولى: تخلي “المؤسسة” الأمريكية الحاكمة عن رجلها المفضل، اي الأمير محمد بن نايف، ولي العهد وزير الداخلية، لمصلحة تبنيها لنائبه الأمير محمد بن سلمان.

 

الثانية: حالة القلق التي تسود دائرة صناع القرار في أمريكا على مستقبل المملكة، لأن فشل الأمير بن سلمان يعني الفوضى والانهيار، والبديل هو “الدولة الإسلامية” و”القاعدة”.

 

الثالثة: من هي الجهة التي سربت المعلومات الواردة في التقرير، خاصة حول تدهور صحة الأمير بن نايف، واقترابه من حافة الموت، هل هي أجهزة الاستخبارات الأمريكية، أم معسكر الأمير الزائر محمد بن سلمان، ولمصلحة منّ، ولأي هدف؟

***

ما يؤكد رهان المؤسسة الأمريكية الحاكمة، ولا نقول الإدارة، لأن هذه الإدارة ستختفي من المسرح السياسي بعد خمسة أشهر، على الأمير الشاب بن سلمان، أن زيارته كانت “ملكية” بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، فقد التقى معظم صناع القرار في أمريكا ابتداء من الرئيس باراك أوباما، مرورا بوزير خارجيته جون كيري، وانتهاء بوزير الدفاع أشتون كارتر، علاوة على قادة أجهزة المخابرات الأمريكية، وكبار رجال المال والأعمال.

 

هذه اللقاءات كانت بهدف اختبار الملك الجديد وقدراته، وطموحاته، وتحليل شخصيته، ويبدو أن التقييم النهائي كان إيجابيا، لأنه على ضوئه تم تحديد موعد للقائه بالرئيس أوباما في البيت الأبيض.

 

القلق على مستقبل المملكة، وقول بروس ريدل، رجل المخابرات الأمريكي، الذي ترأس عملية “التقيم”، وتولى مهمة التسريب للمحطة الأمريكية الشهيرة، أنها تقف على مفترق طرق، يأتي بسبب الحكم الأولي على شخصية الأمير بن سلمان، بأنه “متهور”، وأقدم على الكثير من السياسات المكلفة ماديا واستراتيجيا وعسكريا، من بينها خوض حرب “غير ناجحة” في اليمن فشلت في تحقيق معظم أهدافها، وتكلف خزينة الدولة 200 مليون دولار يوميا، علاوة على قرار إغراق الأسواق العالمية بحوالي مليوني برميل من النفط، وإفشال اتفاق توصل إليه مؤتمر الدوحة النفطي لتجميد الإنتاج بهدف رفع الأسعار، والوقوف خلف قرار إعدام الشيخ الشيعي نمر النمر الذي زاد من توتير العلاقات مع إيران.

 

شخصية سعودية مهمة التقت الأمير محمد بن نايف قبل شهر، أكدت لي أنه يتمتع بصحة جيدة، وكان يدير شؤون وزارته بشكل طبيعي، ولم تظهر عليه أي علامات للمرض، مما يؤكد أن التقديرات التي تحدث عنها رجل المخابرات ريدل حول تدهور حالته الصحية غير دقيقة، فأنا أثق كثيرا بهذه الشخصية لمكانتها الكبيرة، وقدراتها العلمية العالية جدا.

 

حتى أن ما قيل أن هذا التدهور في صحته يعود إلى الإصابة البليغة التي لحقت به من جراء محاولة الاغتيال التي تعرض لها على يد انتحاري من عناصر “القاعدة” يوم الخامس من أيلول (سبتمبر) 2009، فجر نفسه في حضوره، تبدو فاقدة لأي مصداقية، فالإصابة كانت خفيفة، مجرد جرح صغير في الأصبع، والأمير بن نايف التقى العاهل السعودي الملك عبد الله في حينها في الليلة نفسها، الأمر الذي دفع الكثيرين إلى القول أن هذه العملية كانت “مفبركة”، فلم تنشر أي صورة لبقايا الانتحاري، أو أي دماء في الغرفة التي وقعت فيها عملية التفجير.

 

ما نريد التوصل إليه من كل ما تقدم، أن هناك “سيناريو” قد يكون جرى الاتفاق عليه للإطاحة بالأمير بن نايف من ولاية العهد، لتولي الأمير بن سلمان المنصب، ليقفز بعدها غلى كرسي العرش خلفا لوالده بعد تنحيه لأسباب صحية أيضا.

***

من المؤكد، ومثلما يمكن استنتاجه من التسريبات، أن هناك موافقة أمريكية على هذا السيناريو، لكن إذا تأكد هذا الاستنتاج هناك ثلاثة أسئلة تطرح نفسها بقوة:

 

الأول: كيف ومتى سيتم تطبيق هذا السيناريو عمليا، أي الإطاحة بولي العهد بن نايف، وإعفاء الملك من منصبه؟

 

الثاني: كيف سيكون رد فعل الأمير بن نايف والأسرة الحاكمة في السعودية؟ هل سيقبل بالأمر الواقع، مثلما فعل الأمير مقرن بن عبد العزيز عندما تم إعفاؤه من ولاية العهد قبل عام، وبالتحديد في نسيان (ابريل) عام 2015، والانسحاب بهدوء، أم أنه سيرفض ويقاوم، وهو الذي يتربع على واحدة من أهم المؤسسات الأمنية في العالم الثالث؟ ثم كيف سيكون موقف الأسرة السعودية الحاكمة؟

 

الثالث: ما هو الثمن الذي ستحصل عليه المؤسسة الأمريكية الحاكمة مقابل الموافقة على هذا السيناريو، والاعتراف بدور الأمير بن سلمان فيه؟

 

لا نملك أي إجابات عن أي من هذه الأسئلة الافتراضية، ولكن ما يمكن التكهن به، أن هناك “شيئا ما” يجري التحضير له في المملكة، لإعادة هيكلة الحكم وأجهزته حول الملك الجديد القادم الأمير بن سلمان، وما يدفعنا إلى قول هذا، أنه لم يصدر حتى كتابة هذه السطور أي نفي لما ورد في تقرير المحطة التلفزيونية الأمريكية، على غير عادة المملكة، ووكالة أنبائها في مثل هذه الظروف.

 

جميع الاحتمالات واردة، فالأمير محمد بن سلمان شاب طموح، مندفع، فمن اتخذ قرار الحرب في اليمن، لن يتورع عن اتخاذ أي قرار آخر دون تردد، أو هكذا نعتقد.

 

صحيفة رأي اليوم

أضيف بتاريخ :2016/06/20

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد