آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الباري عطوان
عن الكاتب :
كاتب وصحفي سياسي فلسطيني رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم

’الوحدة الوطنية’ التي ترتكز على المقاومة سيكون النصر حليفها

 

ننصح جون كيري وزير الخارجية الأمريكي بان لا يمضي قدما بخططه الرامية إلى زيارة الأراضي الفلسطينية المحتلة في رام الله وتل أبيب، بهدف التهدئة، لان الشبان الفلسطينيين الثائرين يدركون جيدا انه سيأتي، مثل كل مراته العشر السابقة، لإنقاذ الإسرائيليين، ولأنه يذهب إلى العنوان الفلسطيني الخطأ، فالسلطة الفلسطينية التي سيزورها ويلتقي رئيسها، ليس لها علاقة بما جاء من أجله، ولا تمثل الشعب الفلسطيني، وليست لها أي سلطة عليه، ناهيك عن شباب الانتفاضة الذين لا يحترمونها، ولا يعترفون بها، ويعتبرونها متواطئة مع الاحتلال طوال العشرين عاما من عمرها.

 

هذه سلطة عادت إلى غزة ورام الله على ظهر الانتفاضة، ومن أجل منع أي انتفاضات أخرى، و”تخدير” الشعب الفلسطيني بوعود سلام كاذبة، تحت مسميات “الاعتدال”، وكسب الرأي العام العالمي، وتحييد القوة الأمريكية إذا لم يتأت كسبها.

 

هؤلاء الشباب الثائرون في القدس، وباقي المدن الفلسطينية المحتلة، لا يعترفون باتفاقات أوسلو، ولا يثقون بمن وقعها أو التزم بها، ولا يعتمدون على راتب سلطتها “الرشوة”، ويعتبرون التنسيق الامني مع الاحتلال خيانه، ويرفضون كل خطوط التقسيم للشعب الواحد وأرضه، الخضراء او الحمراء، أو القدس تسميات الشرقية والغربية، ويرفضون سلام سلام فياض ـ بلير الاقتصادي، ولا يعترفون بكبير المفاوضين، أو صغيرهم، أنهم عالم آخر مختلف، ليس له علاقة بمحيطه المتخاذل.

 

***

هؤلاء الشباب والشابات لا ينتمون إلى أرث الرئيس عباس وسلطته، ولا يشاهدون تلفزيونه، ولا يقرأون صحفه، ولا يستمعون إلى خطاباته، وإنما إلى أرث الحاج أمين الحسيني، والشيخ عز الدين القسام، واحمد الشقيري، وصلاح الدين الأيوبي، وتحمل جيناتهم أطنانا من الكرامة والشهامة، وعزة النفس والوطنية الحقة.

 

عشرون عاما من الانقسام الفلسطيني ذابت، وتبخرت، وتحولت إلى وحدة وطنية شامخة، مشرّفة ينضوي تحت مظلتها الجميع دون تمييز أو تفرقة، في رحاب الأقصى، ودون أي مؤتمرات، أو لقاءات، أو مفاوضات مصالحة، أو مؤتمرات صحافية في هذه العاصمة او تلك.. شابات يلبسن الجينز يقدمن الحجارة إلى ملتحين.. محجبات يقدمن السكاكين إلى شباب ملثمين ليبراليين، ولا أحد يستطيع أن يعرف من هو المسلم، ومن هو المسيحي.. من هو الإسلامي، ومن هو الليبرالي.. لله درهم.

 

لا نحتاج إلى استطلاعات رأي لكي نعرف أن الغالبية الساحقة من الفلسطينيين تخلصوا من وهم حل الدولتين، وتعافوا من فيروس النفاقين الأمريكي والغربي، وباتوا يعتقدون أن الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين، كل فلسطين، فنحن امام نسيج مختلف يجّب كل ما قبله من ممارسات ومفاهيم بالية.

 

إليس من العار أن يتصل نتنياهو بحلفائه العرب للتدخل للتهدئة، وأين.. في أوساط المرابطين، مشاريع الشهادة الذين يدافعون عن المسجد الأقصى، ويضحون بأرواحهم لمنع تهويده؟ أليس من العار الأكبر أن يستجيب له هؤلاء فورا دون تلكؤ؟

 

ما هي علاقة هؤلاء الحكام بالأقصى وفلسطين؟ بل ما هي علاقتهم بالكرامة؟ وما هي أوراق ضغطهم على الشعب الفلسطيني؟ الجيوش التي باتت تقاتل في كل مكان إلا على الجبهات الفلسطينية؟ أم المال الذي تطفح خزائنهم به؟ أن نفقات شهر واحد من حروبهم في سورية واليمن وليبيا، تعادل كل ما قدموه للقضية الفلسطينية على مدى ربع قرن، إن لم يكن أكثر.

 

نتحدى أن يقدم لنا نتنياهو، أو حلفاؤه، دليلا واحدا يؤكد استنجاد هؤلاء الشبان بأي زعيم عربي، أو حكومة عربية؟ أو رفع علم آخر غير العلم الفلسطين؟ نعلم جيدا أنهم لن يجدوا أي دليل، وهذا هو سر قوتهم وصلابتهم وتميزهم واختلافهم، ورعب الإسرائيليين وداعميهم في الغرب منهم.

 

استطلاعات الرأي تقول لنا إن 73 بالمئة من الإسرائيليين غير راضين عن تعامل نتنياهو مع شبان الانتفاضة، ويفضلون افيغدور ليبرمان، ونفتالي بينيت العنصريين عليه كرئيس للوزراء، هل يطالع باراك أوباما (أمريكا) وديفيد كاميرون (بريطانيا)، وانجيلا ميركل (ألمانيا)، وفرانسوا هولاند (فرنسا)، هذه الاستطلاعات، وهم الذين يقفون دائما في خندق العدوان الإسرائيلي، ويدركون أين أوصلتنا، وأوصلت العالم، سياساتهم هذه؟ ومذا فعلت خرائط طريقهم، ومبادرة السلام العربية التي فرضوها بالإسرائيليين؟

 

ماذا يستطيع أن يفعل ليبرمان أكثر مما فعله نتنياهو؟ أن يقتل المزيد من الشبان العزل؟ أن يسلح المستوطنين بصواريخ “باتريوت”، أو “كروز″ وقنابل نووية لقتل الفلسطينيين، وكأن بنادقهم الآلية لا تكفي؟ أن يطرد مليون ونصف المليون فلسطيني إلى الضفة الغربية أو الأردن؟ فليجرب حظه مع هذا الشعب العظيم وسنرى.

 

والله.. لو ابعدوا الفلسطينيين إلى الصين، سيعودوا إليهم بالملايين، بالحجارة والسكاكين والبنادق، لتحرير أرضهم.. الم يشاهد هؤلاء كيف ارتدت التدخلات العسكرية الأوروبية والأمريكية في العراق وليبيا وسورية على أصحابها هجرة وإرهابا؟

 

***

ليعلم نتنياهو وكل العنصريين الإرهابيين الإسرائيليين إن الزمن تغير، بل ويتغير بسرعة، ولم يعد بمقدورهم خداع العالم، مثلما فعلوا، ويفعلون منذ أكثر من مئة عام.. فسيطرتهم على عقول الرأي العام الغربي من خلال الهيمنة على وسائل الإعلام تتآكل.. فالعالم لم يعد يعتمد على “سي ان ان”، وبي بي سي”، و”نيويورك تايمز″ لمعرفة ما يجري.. فإذا كانت “الدولة الإسلامية”، التي لا يزيد عمرها عن عامين، قد دوخت أمريكا وأوروبا.. وسيطرت على وسائط التواصل الاجتماعي، وأنتجت أفلام رعب فاقت هوليود في تأثيرها، وباتت تسيطر على 50 ألف حساب على “التويتر”، وضعفها على “الفيسبوك”، وتغرد بأكثر من مئة ألف تغريدة يوميا، فأين هي إسرائيل من كل هذا؟ وأين تفوقها الإعلامي الذي أشهرت سيف إرهابه وتضليله، طوال الأعوام الماضية، وليعلن نتنياهو أيضا إن حروبه وعدوانه على قطاع غزة وجنوب لبنان لم ترهب العرب بل أرهبت الإسرائيليين وأرعبتهم، فالزمن تغير والأجيال الجديدة مختلفة جدا.

 

لا يملك الفلسطينيون مواسم سياحية.. ولا استثمارات خارجية؟؟ ولا وادي السيليكون الرقمي.. ولا ناطحات سحاب.. ولا أرصدة.. لا شيء على الإطلاق، يخافون منه أو يخافون عليه، يملكون أرصدة هائلة من الكرامة والرجولة والرغبة في الشهادة، مثلما يملكون حقا راسخا لن يتنازلون عنه مطلقا، ومستعدون لدفع ثمن استرداده مهما ارتفع، ومهما طال الزمن.

 

هؤلاء الشبان هم ملح الأرض المقدسة.. وعنوان الرجوله والشهامة، وسيغيرون كل المعادلات في المنطقة العربية، وليس فلسطين المحتلة فقط.. فقد خرج المارد من القمقم، ولن يعود حتى تتحقق كل مطالبهم العادلة في السلام الحقيقي، وعلى السماسرة إن لا يتدخلوا ويقفوا جانبا، فهم غير مرحب بهم عندما يتعلق الأمر بقيم لا يمتلكونها.

 

عبد الباري عطوان

صحيفة رأي اليوم

 

أضيف بتاريخ :2015/10/15

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد