آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. صالح زياد
عن الكاتب :
أستاذ النقد الأدبي بكلية الآداب، جامعة الملك سعود

القبيلة والدولة


تبدأ الدولة حين تنتهي سلطة القبيلة، وتبدأ القبيلة حين تنتهي سلطة الدولة. الوجود المزدوج للسلطتين: القبيلة والدولة، هو وجود للتنافي المتبادل بينهما، وهو تناف لا بد من ترجُّحه في كفة الدولة التي تتحقق بها الوحدة الوطنية والانتظام الاجتماعي المعبِّر عما فوق القبيلة، وإلا حدث النكوص إلى ما قبل مرحلة الدولة الوطنية وما قبل المدينة في التاريخ الإنساني، أعني إلى مرحلة القبيلة المقترنة سطوتها بالبداوة والترحال والغزو. فالوجود المزدوج والمتنافي بين القبيلة والدولة هو حركة تأرجح وصراع وتذبذب..

لا بد –إذن- أن تكون العلاقة بين القبيلة والدولة، علاقة احتواء؛ فتبدأ الدولة حين تنتهي سلطة القبيلة وسطوتها. وذلك أنه لا سبيل إلى إلغاء وجود القبيلة، بل قد نتساءل عن مدى الخسارة والفقدان الذي ينتج عن عدم الحسبان لقيمة القبيلة/ القبائل في التوازنات المدنية والمعنوية للوجود الاجتماعي داخل الدولة؛ تلك التوازنات التي تمنع تغول الدولة أو تضعف الحاجة إليها.
وأحسب أن إدراج المناصب القبلية ضمن هيكل وظائف الدولة، وتقاضي شيوخ القبائل مرتبات بحسب مواقعهم القبلية (وهو مضمون قرار وزارة الداخلية) يصب في علاقة الاحتواء تلك، ويمكن أن تفيد منه الدولة ما يعزز الوحدة الوطنية، وما يجعل للقبيلة دورها المدني الفاعل تجاه السلم الأهلي والحوار الاجتماعي وتأكيد التسامح وتعميق روح الانتماء، والقضاء على أشكال التعصب الفئوي..

لكن توظيف شيوخ القبائل وتقاضيهم مرتبات لا يكفي – فيما أرى - لبلوغ تلك الغايات الوطنية والمدنية السامية. بل لا بد من التأكيد على هيبة الدولة وسلطتها في مقابل القبيلة. فالتعصبات القبلية التي تشكل وسيلة ضغط وتضطر الدوائر النظامية والتشريعية إلى الإذعان لها أو إلى التدخل الرمزي للدولة في صلح يرضي القبيلة، كما في التفريق بين زوجين أو السعي للعفو عن جان.. إلخ. تلك التعصبات هي محك اختبار حقيقي لهيبة الدولة وسلطتها.

لقد برزت في السنوات الأخيرة أشكال التعصب القبلي، ضمن أصناف أخرى للتعصب تلتقي كلها في الاستقواء بالانتماءات الهامشية والجزئية ضد انتماءات الآخر، ضمن دائرة الوطن أو الدين أو الإنسانية. وليس التعصب القبلي أقل سوءا أو أخف جرما من أي تحيز عنصري له صفة الجريمة المنصوص على عقوبة ملائمة لها في عديد دول العالم حين يمارس ضد الآخر. أما المهم في جريمة المتعصبين والعنصريين، في هذا السياق، فهو عدم الحسبان لها في حق من اقترفت ضده من الأفراد أو الجماعات فحسب، وإنما الحسبان لها جريمة في حق الجماعة الوطنية بكاملها، وفي حق الإنسان في عمومه.

لا سبيل إلى احتواء القبيلة وطنيا ما دام هناك تسويغ للتعصب القبلي – تماما كما هو التسويغ لأي تعصب - وإفساح له، وتخلية لدعاته، وبراءة لمقترفيه، وإذعان لقوته وضغوطه. فاحتواء القبيلة وكل الانتماءات المشابهة لها لا يكون بغير ترسيخ سلطة الدولة وهيبتها عن طريق القوانين التي تتحدد فيها جريمة التعصب وتسن العقوبات الرادعة عنها.


 الكاتب: د.صالح زياد

صحيفة مكة

أضيف بتاريخ :2015/10/15

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد