آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبد الرحمن الوابلي
عن الكاتب :
- دكتوراه في التاريخ جامعة شمال تكساس الأمريكية. - محاضر تاريخ كلية الملك خالد العسكرية. - كاتب درامي ومدير ورشة الدراما (الهدف). - عضو الجمعية التاريخية السعودية . - له عدد من المؤلفات.

انتفاضة برغم الحروب

 

جيش الاحتلال الإسرائيلي يقتل أطفالنا وكبارنا ويحرقهم في منازلهم بلا أي خوف من مساءلة دولية، ويحمل جرحى الإرهابيين التكفيريين على سيارات إسعافاته المتقدمة طبيا وكأنهم ملائكة رحمة إلى مشافي نخبه العسكرية!

في خضم دخان الحروب الطاحنة والمعارك العبثية، والذي يلبد سماء وطننا العربي ولأكثر من خمس سنوات؛ يفقد العربي أي أمل بإقامة أي مشروع سياسي نهضوي عربي تحرري، ويبدأ يبكي على أطلال كيانه العربي القديم، ولو كان مفككا ومهلهلا، وذلك أضعف الإيمان بقوميته وحلم كيانه. هذا الدمار الشامل والتيه الكامل الذي يلف العرب يجب عن عيونهم كل ما هو مستقبل، بحثا عن حاضر يوفر أدنى إمكانات المعيشة والكرامة الآدمية. بالأمس كان العرب يعانون من استبداد الأنظمة واليوم صاروا يتحسرون عليها في ظل بروز شياطين الإرهاب والتكفير والتقطيع والتجزير.

 

أصبح عالمنا العربي اليوم مرتعا لكل التدخلات الدولية والإقليمية، ولكل مِلل التكفير وشلل التدمير المحلية والمستوردة، حتى من الصين وبلاد ما وراء النهر. حيث تحول العرب فعلا إلى فئران تجارب لأحدث ما تنتجه ليس فقط مصانع الأسلحة العالمية المتطورة، ولكن حتى لمعامل التفجير والتدمير الإرهابية المحلية. وتحولت جثثنا إلى عتبات قفز عال سريعة لحظوة كل مريض ومهووس جنسيا بحور عين على سرر مفروشة. في ظل كل هذا الجنون المتوحش الذي لفنا وأفقد الحليم منا صوابه والعبقري منا جوابه؛ بكينا مودعين قضيتنا الأهم والأبرز والأطهر والأنبل كعرب، وهي القضية الفلسطينية، وحسبنا أنها ولّت ولن تعود إلى عمق وجداننا ثانية، أو حتى أن تكون ضربا من ضروب خيالنا.

وكان كثير منا، يجزم بأن الغاية الكبرى من كل ما يجري على أرضنا من حروب مهلكة ومدمرة، هي فقط لمحو قضيتنا الفلسطينية من وجداننا العربي والإسلامي وحتى الإنساني. لمَ لا ونحن نشاهد جيش الاحتلال الإسرائيلي الغاشم الذي يقتل أطفالنا وكبارنا ويحرقهم في منازلهم بلا خشية أو خوف من مساءلة دولية؛ يحمل جرحى الإرهابيين والتكفيريين على سيارات إسعافاته المتقدمة طبيا وتقنيا وكأنهم ملائكة رحمة إلى مشافي نخبه العسكرية، لعلاجهم وتطبيبهم، ثم إعادتهم إلى القتل والجزر فينا مرات ومرات!

 

ولا ننسى مطالبات إسرائيل المتكررة لتكوين حلف بينها وبين الدول العربية للتصدي للتدخل الإيراني في المنطقة؛ وكأننا غير قادرين على حماية أنفسنا بجهودنا وإمكاناتنا الذاتية، منها ومن أي خطر يهدد منطقتنا وأمننا. إن جعل إسرائيل الحليف أو حتى العدو الثالث أو الثاني، كل ذلك، يرعب العرب المؤمنين بأن القضية الفلسطينية هي قضيتهم الأولى والأخيرة، وما عداها فمشاكل عابرة. كان رعب الشرفاء العرب، من أن تكون إسرائيل وحلفاؤها الغربيون قد نجحوا في مخططاتهم التهويدية ليس فقط للقدس الشريف وفلسطين الطاهرة المحتلة، ولكن لتهويد وصهينة كل منطقتنا العربية المزعزعة.

 

كانت الأيادي على القلوب، حتى هب المارد الجبار الصغير، الطفل الفلسطيني، ورفس ألعاب الطفولة جانبا وصرخ جازما بأن كل هذا هراء وحلم أغبياء ولن يتحقق الحلم الصهيوني بوأد قضيته، أو جعلها رقم ثلاثة أو حتى رقم اثنين عالميا وليس فقط عربيا.

القضية الفلسطينية هي أطول حرب تحررية ثورية عادلة في القرن العشرين، يشنها شعب على محتل غاصب غاشم مهووس بتمزيق وإبادة كل من يقف بوجه احتلاله وأطماعه وطغيانه. الثورة الفلسطينية هي من ألهمت أغلب الثورات التحررية في العالم روح النضال، وأصبحت نبراسا لها؛ وتخرج على أيادي قاداتها الجبابرة ومناضليها الأحرار، آلاف الثوار الشرفاء في العالم الذين شنوا حروبهم الثورية العادلة في أميركا اللاتينية وأفريقيا وآسيا وحتى في أوروبا (الجيش الأحمر الأيرلندي). حيث غدا النضال الفلسطيني الشريف نبراسا لحركات التحرر في العالم؛ وعليه خرجت القضية الفلسطينية النصر للثورات ولم تتخرج هي.. وكأن القدر أراد لها أن تكون مدرسة نضال حية للبشرية كلها.

عندما انتصرت الثورة الفيتنامية في 1975، ذهب وفد فلسطيني لتهنئة قياداتها بالنصر، فقال لهم الجنرال جياب، بطل الثورة الفيتنامية: "نحن انتصرنا لأن قضيتنا واضحة وليست معقدة كقضيتكم. نحن نعرف من هو عدونا وقاتلناه حتى انتصرنا عليه؛ أما أنتم فلا تعرفون ليس فقط من هو عدوكم، ولكن حتى من هو صديقكم. حيث لكم أعداء عدة منهم من تعرفونهم ومنهم من لا تعرفونهم، تتخلصون من أعداء فيظهر لكم أعداء جدد". ومع ذلك فما زال الفلسطينيون صامدين، لا يكلون ولا يملون من مواصلة الكفاح من أجل نيل حريتهم وتحرير أراضيهم المحتلة من براثن الاحتلال الصهيوني الغاشم.

ولذلك فليس بغريب أن يلف أي شاب ثوري أو شابة، حول عنقه أو عنقها في أي مكان في العالم الشماغ الفلسطيني كإعلان لثوريته أو ثوريتها. ولذلك فمن لا يخفق قلبه للقضية الفلسطينية لا قلب له، وليبحث له عن قلب بشر.. الحجر يقاتل مع الفلسطيني، فكيف بالبشر. في الحقيقة معظم شعوب العالم تؤيد الحق الفلسطيني وتتعاطف مع الفلسطينيين. أجري استفتاء في أوروبا عمن يشكل من الدول في العالم الخطر على السلم العالمي؛ وأجاب غالبيتهم، بإسرائيل. احتجت إسرائيل كعادتها على هذه النتيجة واتهمت حكومات الدول الأوروبية بأنها لا تقوم بما يجب في مكافحة العداء للسامية بين مواطنيها.

 

حتى بعض اليهود في العالم يتهمون إسرائيل بأنها هي من تثير العنصرية ضد اليهود في العالم، بممارساتها القمعية والوحشية واللاإنسانية ضد الشعب الفلسطيني؛ وهي من ستعرض اليهود لمجازر ومحارق لن تحمد عقباها. إن الصهيونية اليمينية المتطرفة التي تؤمن بالأساطير التوراتية والصهيو مسيحية الغابرة؛ هي العدو الأول للسامية، يهودا أحرارا كانوا أم عربا. القضية الفلسطينية ليست نزاعا دينيا وإنما صراع بين الحق والباطل، والدين اليهودي أطهر من أن يحمل الصلف والجرم الصهيوني؛ ولو حاول الصهاينة إيهام اليهود بأنهم ينفذون وصايا الأنبياء موسى وداود وسليمان، عليهم السلام.

الطفل والشاب الفلسطيني والشابة هم من ينفذ وصايا الأنبياء والرسل على أرض الأنبياء والرسل؛ فلسطين الطاهرة؛ وليس الجندي الإسرائيلي القاتل السفاح الذي لا يمثل بإجرامه وجبروته إلا فراعنة وطغاة الأرض ومفسديها. الجيش الإسرائيلي الآن يستدعي احتياطه لقمع أطفال وشباب وشابات فلسطين. يفتخرون بأن جيشهم هو من أقوى وأعتى جيوش العالم تسليحا وتدريبا وتجهيزا، يستعدي احتياطه لمجابهة الفلسطيني الأعزل؛ إلا من إرادته الجبارة. الجيش الصهيوني بدأ يرفع الأسلاك الكهربائية العازلة للفلسطينيين ويبدلها بجدران أسمنتية عالية لتصدق عليهم الآية الكريمة: "ولا يقاتلونكم إلا من وراء جدر" صدق الله العظيم.

 

السر في ذلك أن الطفل والشابة والشاب الفلسطيني يحملون إرثا نضاليا عظيما ضاربا في أعماق التاريخ. وليس عبثا أن يطلق عليهم القائد الشهيد ياسر عرفات، بشعب الجبارين. إن القتل وسفك الدم الفلسطيني بدم بارد، ومن خلال إعدامات ميدانية واعتقال وسجن عشرات الآلاف منهم؛ لا يزيدهم إلا رغبة وشهوة في الصمود، للدفاع عن ذواتهم أمام ترسانة القتل والإحراق والتمزيق الإسرائيلية. ولذلك فأبطال العالم، لا يخافون من الموت، أما أبطال فلسطين فوحدهم من يخاف منهم الموت.

إن أعتى ترسانة أسلحة تقليدية ونووية وكيميائية وجرثومية في المنطقة؛ تتصدى لها أسلحة من أدراج المطابخ الفلسطينية. وهذا إثبات قاطع بأن الإرادة هي من تخلق السلاح، وليس السلاح من يخلق الإرادة.

 

الكاتب: عبد الرحمن الوابلي.

صحيفة الوطن السعودية.

أضيف بتاريخ :2015/10/16

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد