آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. ناصر الجهني
عن الكاتب :
كاتب سعودي، حائز على شهادة الدكتوراه في اللغويات من جامعة مشيغان الأمريكية عام ١٩٨٥م

انسحاب بريطانيا بداية نهاية الاتحاد الأوروبي


ناصر محمد الجهني ..

عملت دول أوروبا باقتصادييها وسياسييها، بعلمائها وقادتها، وبمؤسساتها العامة والخاصة، لأكثر من 50 سنة لتحقيق الوحدة الأوروبية، لخلق كيان اقتصادي وسياسي يشكل قطبا عالميا يقابل القطبين الرئيسين في العالم، الاتحاد السوفيتي سابقا (روسيا حاليا)، وأمريكا، ويوازيهما قوة ومكانة وقرارا اقتصاديا وسياسيا.

تشكل الاتحاد الأوروبي وكون وحدة حقيقية بلغ عدد أعضائها 27 دولة، ركائزه ثلاث منها: بريطانيا وفرنسا وألمانيا، أهم وأقوى الدول الأوروبية تاريخيا وسياسيا واقتصاديا، بدونها لا يكون الاتحاد، بل بدونها لا تكون أوروبا، انسحاب أي منها سيخلخل بالضرورة كيان هذا الاتحاد وترابطه وقوته، بل قد يؤدي بشكل شبه مؤكد إلى انفراط عقده وتفكك وحدته.

كانت بريطانيا أساسا مترددة في الانضمام للاتحاد الأوروبي اعتدادا بتاريخها وكيانها وبشعور الأنفة من أن يصبحوا جزءا من كيان، ثم وافقوا على مضض مبقين على عملتهم وتأشيرة الدخول إلى دولتهم مستقلة عن عملة الاتحاد الأوروبي اليورو وتأشيرة الشينجن عل ذلك يعطيهم بعض التميز والشعور بالتفرد والاختلاف وما مضى من عظمة.

قاوم المحافظون من البريطانيين الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وعملوا جاهدين تحت ضغط اليمين المتطرف إلى الانفصال عن الاتحاد بحجة تردي الاقتصاد البريطاني، بينما في الحقيقة كان دافعهم الأساسي هو الحفاظ على الهوية البريطانية وإيقاف الهجرة إلى بريطانيا التي أتاحها كونهم جزءا من الاتحاد يحق لمواطني دوله التنقل والعيش والعمل في أي دول الاتحاد شاؤوا، ما اضطر رئيس الوزراء ديفيد كاميرون إلى إجراء استفتاء شعبي تحت ضغط اليمين المتطرف بالبقاء أو الانسحاب من الاتحاد، وجاءت النتيجة التي لم يتوقعها أحد بانسحاب بريطانيا، إحدى أهم ركائز الاتحاد الأوروبي، من ذلك الاتحاد، وبدأ جراء ذلك الانسحاب تسونامي من ردود الأفعال فانهار الجنيه الإسترليني وخسر بنك HSBC البريطاني أكثر من عشرة بلايين جنيه في سويعات، وتكبد الاقتصاد البريطاني خسائر تجاوزت ربع تريليون جنيه في ساعتين، وانعدمت مئات بنود التقاعد، وتم التأكيد على إجراء استفتاء على انفصال اسكتلندا عن المملكة البريطانية، وظهرت دعوات لإجراء استفتاء على توحيد شطري إيرلندا وانفصال الشطر الشمالي عن المملكة البريطانية.

كانت تلك هي النتائج الفورية لقرار الانسحاب، أما مستقبلا فمن المتوقع انهيار اقتصاد دول الاتحاد الأوروبي بشكل عام، وبالتالي عدم قدرة العديد من دوله على الوفاء بالالتزام بحد معين من نسبة التضخم، وعدم قدرة الدول الأخرى على تقديم الدعم للدول المتهاوية كما حصل مع اليونان سابقا وبالتالي خروج تلك الدول من الاتحاد.

سياسيا سوف لن يكون لدول الاتحاد بعد الآن ذلك الزخم والأهمية في القرار السياسي داخل الاتحاد من ناحية، وخارجه من ناحية أخرى وذلك هو الأهم، ومع ظهور دعوات لليمين المتطرف في فرنسا بإجراء استفتاء مماثل للاستفتاء البريطاني فمن المتوقع خروج دول أخرى من الاتحاد تحت الضغط السياسي الداخلي إن لم يكن نتيجة التدهور الاقتصادي، هذا التفكك الذي سيؤثر بدوره وبشكل قوي على الوضع الاقتصادي والسياسي على دول العالم أجمع بدون أدنى شك لن يعني إلا انحلال الاتحاد الأوروبي ونهايته.

صحيفة مكة

أضيف بتاريخ :2016/06/29

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد